فهمان السعيد ابن مزارع ولكن الدلال الفائض من والدته والخوف عليه من التعب والعرق والشمس والبرد بقيت ضاغطه على والده لاعفاءه من الحرث والزرع والحصاد وجمع محاصيل الاشجار في ارضهم التي تشبه المزرعه
وعندما بلغ العشرين زوجته حتى تفرح باحفادها وكان هو الحفيد الوحيد ومنحوه اسم الجد (سعيد) وبقي ابوفهمان وبالتعاون مع زوجته ام فهمان يؤديا كل الاعمال الزراعيه في الحقول والعناية بالاشجار والخليط الغير متجانس من طيور وحيوانات ولكن عجلة الزمن تدور باتجاه واحد الى الامام دون رجعه وبعد عشرون عاما من زواج فهمان فقد والديه في اقل من سنة واحده بعد ان بلغا السبعين من عمرهما وبعد ان تقوص الظهر من العناء المتواصل حتى النفس الاخير ولم يغير فهمان من طباعه التي تشربها ابنه سعيد الذي كان افصح من والده فترك الدراسة في السادس الابتدائي
اما والده فقد تخرج من الرابع الابتدائي واستعاض الاثنين عن الدراسه او الزراعه بتربية الشوارب ولم تكن زوجة فهمان قادره على اداء كل الاعمال لوحدها في البيت والحقل والزريبه الواقعه خلف البيت اما فهمان وسعيد فموعد الاستيقاظ حسب البرنامج اليومي الذي لا يتغير هو بعد صلاة العصر للذهاب الى المقهى للعب الورق وطاولة الزهر اما يوم الجمعه فالمقهى مغلق وبغرض التواجد في الساحه بعد صلاة الجمعه يذهبا الى المسجد لاداء الصلاة والالتقاء بالناس في ساحة المسجد وسط القريه وبعد خمس سنوات من وفاة والدي فهمان مرضت ام سعيد وهي في الخامسة والاربعين ولم تعد تقوى على الوقوف على رجليها واخذت تزورها شقيقتها كل يومين لمساعدتها في بعض اعمال البيت ولكن الشقيقه متزوجه ولديها زوج واولاد وبيت ومسؤوليه ولا يمكنها البقاء اكثر من ساعتين لمساعدة شقيقتها والارض لم يعد احد يزورها فنبتت الاشواك بين الاشجار حتى وصل طول الاشواك ليغطي سيقان الاشجار والربيع مختبىء تحت ظلال الاشواك والزريبه يزورها فهمان او سعيد كل ثلاثة ايام لوضع الطعام للبقره الوحيده والحمار الذي لم يعد له من لزوم فلا زراعه ولاحرث ولا حصاد والتيس (الفحل) ملتوي القرون لم يعد يطلب احد استئجاره لتلقيح مواشيه لانه هرم ولم يعد صالحا سوى للاكل
وبعد مرور عام على مرض ام سعيد وفي صبيحة يوم احدى الجمع المتشابهه استيقظ ابوسعيد مرعوبا ووجهه مصفر فقد رأى والده في الحلم يقف على باب البيت ويصرخ به (فاشل فاشل فاشل ) وادار ظهره وبعد ان تناول لتر من الماء تقريبا بسبب احساسه بالجفاف في فمه وحلقه توجه متثاقلا الى الزريبه التي لم يتذكرها اسبوع كامل لا هو ولا ابنه فشاهد منظرا مرعبا التيس ممدد ارضا والدم ينزف من راسه وقرونه في اتجاه اخر مكسره والبقره مبقورة البطن والحمار متسمر في مكانه من الخوف وهنا صرخ على سعيد لاستدعاء الجزار لكي يشتري البقرة والتيس ليذبحهما قبل ان يفارقا الحياة وفهمان الجاهل في الزراعه حاول تعويض ما هو ممكن من اللحم وجاء الجزار وقال له ساقوم بذبحهما من باب الرحمة فقط اما ان اشتريهما فلا لأن لحمهما لا يصلح للبشر وما يمكنك فعله فقط هو تعبئتهما باكياس وتحميلهما على الحمار ورميهما للكلاب الضاله
ولم يكن امام فهمان الا الموافقه ولكن بعد تعبئة اللحم في الاكياس رفض الحمار ان يتزحزح شعرة من مكانه حتى ولو كان العقاب ان يواجه نفس المصير اما كلب الحراسه في الذي كان يحرس الشجر والحجر والمخلوقات فما كان منه عندما وضع فهمان امامه قطعة من لحم البقره الا ان نظر الى فهمان نظرة ابلغ من أي تعبير خليط من القسوة والحزن واللوم والاحتقار وغادر البلدة كلها الى غير رجعه ويبدو ان العشرة بين المخلوقات الاخرى فيها مشاعر واخلاص مفقود عند مخلوقات من فصائل اخرى