syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
أين المخرج السلمي للأزمة السودانية؟ ... بقلم :الدكتور خيام محمد الزعبي

الدكتور خيام محمد الزعبي-كاتب وباحث أكاديمي سوري

 

يختلف السودان عن غيره من الدول العربية من حيث المستوى الإقتصادي والأزمات الداخلية وقوة الحركات  الانفصالية، فالتدهور الاقتصادي في السودان ليس وليد اليوم، فبالرغم من أن إزدياد معاناة السودانيين زادت من جراء الإجراءات الاقتصادية الأخيرة وانفصال الجنوب والصراعات المختلفة، إلا أن هذه الأزمة الاقتصادية لها تاريخ أبعد من ذلك، وللوضع الاقتصادي المتدهور أكثر من مؤشر وأكثر من عنوان أهمها، ازدياد معدلات الفقر، البطالة، تدهور الإنتاج الزراعي والحيواني، زيادة الواردات من السلع الاقتصادية والمواد الغذائية، الهجرة الواسعة نحو المدن وخاصة الخرطوم بعد أن افتقد الريف السوداني مقومات العيش الكريم.


إن الأوضاع في السودان دخلت في مأزق كبير نتيجة لسقوط عدد من الضحايا في شوارع المدن السودانية، بعد أيام من الاحتجاجات المناهضة لغلاء الأسعار والإجراءات التقشفية التي شهدتها بعض المدن السودانية والتي رافقها إضرام النار في السيارات ومحطات الوقود والمباني، والتي دفعت بالسلطات هناك إلى نشر أعداد كبيرة من رجال الشرطة للسيطرة عليها.

 

ليست هذه المرة الأولى التي تتصاعد فيها الإحتجاجات الشعبية في السودان، ففي العام الماضي كان هناك مظاهرات عن الفساد وارتفاع التضخم وتخفيض سابق لدعم الوقود ولكنها لا تقارن بالاحتجاجات الأخيرة التي حصلت بسبب الإجراءات التقشفية التي انتهجتها الحكومة السودانية مؤخراً.

 

ولا يخفى على أحد فإن  بروز الأزمة تتعلق بإستراتيجية السياسة الداخلية في بلد بحجم وإمكانات السودان، فالمساحات الشاسعة والموارد البشرية والنيلان الأبيض والأزرق بالإضافة إلى الثروة المعدنية، كل هذه الإمكانات البشرية والمادية لم يتم استغلالها للنهوض بمستوى التنمية في السودان، ولأن السودان، وكأي بلد عربي آخر، قد عايش تحولات الربيع العربي، إلا أن حكومة البشير لم تستفد في واقع الأمر مما حدث في بلدان أخرى قريبة وبعيدة، مع أن مجموعة من أعضاء حزب المؤتمر الوطني الذي يتزعمه البشير حثت الرئيس على إلغاء الإجراءات التقشفية،  إلا أن هذه المطالبات تم رفضها.


كانت هذه هي الشرارة التي أشعلت النار والتي أحاطت بالسودان منذ أسابيع وما زالت مستمرة، ذلك لأن المواطنين الذين استفزتهم هذه الزيادات قفي الأسعار ورفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية رأوا فيها إصراراً من الحكومة على تحميلهم مسؤولية سوء إدارتها للاقتصاد فضلاً عن سياساتها واستراتيجياتها التي قادت إلى هذا الواقع المتأزم ولذلك لم يكن غريباً أن تتحول الحركة الاحتجاجية المصاحبة لزيادة الأسعار إلى حركة سياسية تطالب بالتغيير العاجل فليست الأزمة الاقتصادية سوى مظهر من مظاهر الأزمة السياسة الشاملة.


فالأزمة الاقتصادية السودانية كانت متوقعة منذ انفصال الجنوب، والذي أدى الى بروز توترات متصاعدة على خلفية العائدات النفطية، خصوصاً أن غالبية المخزون النفطي  كان متواجداً في الجنوب، وبالتالي فإن الانفصال منح الدولة الوليدة كنزاً مالياً وسياسياً واستراتيجياً، ولكنه حرم الدولة السودانية من المصدر الأساسي لعائداتها، حيث فقدت حوالي 75 في المئة منها و التي أصبحت من نصيب الجنوب ، وكان من أبرز تداعيات ذلك، تراجع الموارد المالية لدولة السودان، من خلال تراجع حصة السودان في إجمالي العائدات النفطية من 4.4 مليارات دولار إلى 1,9 مليار دولار سنوياً، وفي إطار ذلك فإن انفصال الجنوب كان إضعافاً للسودان اقتصادياً، إذ فقد موارد بترولية كان بالإمكان أن تخفف من وطأة الأزمة الاقتصادية في السودان على مدار السنوات متعددة.

 

فالنتيجة الحتمية لهذه الأخطاء أدت الى زيادة المشاكل الاقتصادية وعدم الاستقرار الاقتصادي، وحدوث ارتفاع متصاعد في التضخم وانخفاض قيمة الجنيه السوداني واختلال في الميزان الداخلي والخارجي، وزيادة عجز الموازنة وشح في النقد الأجنبي، مصحوباً بالعجز في الميزان التجاري، واعتمدت الحكومة أكثر وأكثر على طبع النقود والتمويل بالعجز، وأهم ما أقدمت عليه هو وضع ما أسمته بالبرنامج الثلاثي للإنقاذ الاقتصادي، الذي كانت تعتمد عليه في إحداث إصلاح سريع، لكنه لم يسجل أي نجاحات تذكر في نهاية عامه الأول.

 

وفي إطار الخروج من الأزمة الحالية تسلم نائب الرئيس السوداني الحاج آدم يوسف، مقترحًا من مجموعة إصلاحية جديدة برزت على المشهد السياسي، وأطلقت على نفسها "لجنة المبادرة الشاملة للإصلاح بالسودان" والتي صاغت عدة حلول ومقترحات للأزمة الاقتصادية والسياسية الراهنة التي تشهدها السودان،

 

وكان على رأس هذه اللجنة عدد من الشيوخ والرموز التي تمثل مختلف التيارات الإسلامية السودانية، والذين أكدوا بضرورة اعتماد سبعة محاور أساسية للإصلاح تشمل مختلف مناحي الحياة ومجالات العمل التنموي بالسودان، إذ سيتم طرح تلك المبادرة الإصلاحية الجديدة على قيادات ورموز الدولة خلال الأيام المقبلة.

 

فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا بقوة، أين الدعم المالي العربي عن السودان والذي يمكن أن يسهم في الخروج من مشكلاته الإقتصادية المتعددة خاصة بعد انفصال الجنوب الذي يملك أغلب الحقول النفطية؟

 

صحيح أن هناك دعماً عربياً للسودان إلا إنه لم يرقى الى المستوى المطلوب لحجم المشكلات التي يعاني منها السودان إقتصادياً وإجتماعياً وخاصة مقابل المساعدات العربية تجاه بعض الدول العربية كمصر على المستوى الإقليمي، ربما تعود لأسباب تتعلق بإشكاليات سياسية داخلية كالحروب الأهلية أو المشاكل الداخلية التي يعاني منها السودان والتي كان أهمها إنفصال الجنوب عن الشمال عام 2012م، وإستمرار مشكلة دارفور، فضلاً عن الصراعات الحزبية التي تنشط دائماً في شمال السودان، أما الإشكاليات الدولية فتعود الى عدم اهتمام الدول العربية وعلى رأسها دول مجلس التعاون الخليجي في جعل السودان وتنميته من أولويات سياستها الخارجية، وبالتالي فإن توجيه المساعدات الخليجية للسودان يكون بلا مردود سياسي، والأهم من هذا كله هو عدم بروز الصراعات الطائفية كالصراع السني- الشيعي والذي يؤثر على دول الخليج  بشكل عام.

 

لم يعد خافياً على أحدٍ أن السودان يمر بمنعطف خطير، ويواجه أزمة لها أبعاد سياسية خطيرة، وضائقة اقتصادية خانقة، ومظاهر اجتماعية منفلتة، تتطلب جهداً مخلصاً من الحكومة والمعارضة في البحث عن مشتركات بينهما، تُحدث توافقاً وطنياً حول أجندات وطنية تسهم في الخروج من هذه الأزمة قبل أن تستفحل وتصبح كارثة، تهدد الوطن بمزيد من التمزيق والشتات والحروب

 

وفي سياق متصل، فإن أزمة السودان تصبح أصعبَ في ظلِّ الضعف العربي، وهي مفتوحة على احتمالات أكبر من التفسخ غير القادر على التحقُّق في كيانات مستقلة، والسودان من الأمثلة على اجتماع الخطر القطري والقومي، بحكم موقعه في تخوم العالم العربي، وتأثيره على الأمن العربي ككل بشكل مباشر وغير مباشر.

 

وبالتالي فإن التعبير الحضاري السلمي عن مطالب الشعب السوداني هو الطريق الأقصر لتحقيق هذه المطالب بأقل كلفة ممكنة، أما اللجوء للعنف والتخريب فلن يزيد الأزمة إلا تعقيداً بحيث يصبح الوصول إلى مخرج لها أمراً في غاية الصعوبة، فالحكومة السودانية مطالبة بحماية هذه التظاهرات، فضلاً عن أن المسئولية الوطنية تقع كذلك على المعارضة في منع أنصارها من تحويل التظاهرات السلمية إلى أعمال شغب وتخريب للمنشآت العامة كما حصل خلال الأيام الماضية، حرصاً على المكتسبات الوطنية وصيانة لدماء السودانيين جميعاً.

 

وأختم مقالتي بالقول إن ما شهدته المدن السودانية خلال الأيام الماضية من أحداث مؤلمة يجب أن يدفع بكل القوى السياسية في السودان إلى السعي للجلوس حول طاولة حوار وطني تضم الجميع ولا تستثني أحداً تبحث في قضايا السودان الصعبة وفي مطالب أبناء الشعب السوداني وتخرج بخريطة طريق تستجيب لطموحات وتطلعات أهل السودان جميعاً وتجنب السودان وشعبه الخطيئة التي وقع فيها الآخرون، كما أن الظرف الدقيق الذي يمر به السودان الذي لا يكاد يخرج من أزماته المتتابعة والوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، يحتاج من الجميع إعمال منطق العقل والحكمة والبحث عن مخرج حقيقي لهذه الأزمات بما يحقق مطالب الشعب السوداني ويجنبه الوقوع في الفوضى وعدم الاستقرار.

 

2013-10-22
التعليقات