syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
بيت حنانيا في دمشق ورسالة السلام السورية للعالم ...الدكتور : دارم طباع

دمشق كانت وستبقى مهداً للحضارات، ويخطئ من يعتقد أنها عاصمة للسوريين فقط، فهي عاصمة أبدية للناس جميعاً، عاصمة لهم عن الضلال، وعاصمة لهم عن الخطيئة، عاصمة لهم عن الظلم، وعاصمة لهم من جور بعضهم لبعض، وعاصمة لهم من أن يعتقدوا أنهم أكبر من دمشق، فهي التي تعلم الجميع أصول الحياة بسلام، وسمو النفس وخلودها بعد الموت.


أمثلتها كثيرة لاتحصى، لكن مثالاً هاماً في تاريخ البشرية حملته دمشق رسالة للسلام للعالم أجمع، إنه رسالة بولس الرسول الذي أتاها جباراً شقياً وخرج منها مبشراً وديعاً، إنها قصة شاول الذي تحول إلى باول أو بولس، وإذا اعتبرنا تغّير بولس من عدوّ الدّ إلى تابع كرّس حياته بكليتها للديانة المسيحية، مع ما كان عليه من طهارة وعلو شأن وقوة ذهن وحذق، وكثرة أتعاب في التبشير، وما كان من سيرته منذ رجوعه إلى الرب في طريق دمشق إلى استشهاده في رومية، إذا اعتبرنا كل هذا، حكمنا أن بولس رجل فريد بين المسيحيين، وكان إنساناً بلا مال، بلا عائلة، وقام في وجهه عالم مضادّ، وتجنّد لخدمة المسيح الذي كان قد اضطهده ثم بواسطة رسائله ومثاله لا يزال يسود على اعتقاد المؤمنين، ويقود عبادتهم في كل أقطار العالم

 

 وفي كل خدمته كان المسيح فيه وروحه يلهمه، كان ذلك في الطريق إلى دمشق، في وسط النهار عندما ابرق حوله نور من السماء فسقط على الأرض، وكان معه رجال وقفوا صامتين يسمعون الصوت، كان ضميره ينخسه وجاءته الدعوة فلّبى بإخلاص، ووُلد ولادة ثانية، كان الأمر لشاول    "قم ادخل المدينة وهناك يقال لك ماذا ينبغي أن تفعل   " فأطاع وجاءه حنانيا بعد أن بقي أعمى مصلياً ثلاثة أيام وأبلغه برنامج حياته، وبعد أن بقي أياماً في دمشق، اختلى مع ربه في العربية ثلاث سنين، ثم رجع ملتهباً بنفس الغيرة التي كان يحارب بها يسوع، وإنما الآن شهد بها ليسوع، ولما حاولوا قتله هرب إلى أورشليم حيث رحب به برنابا وقدّمه للرسل، وحيث بشّر بمجاهرة جعلت اليونانيين في أورشليم يحاولون قتله فذهب إلى قيصرية ومنها إلى طرسوس مسقط رأسه، وأنه فيها أسس الكنائس المسيحية في كيليكية، ليكون برحلته إلى دمشق أهم داعية للسلام في العالم أجمع في ذلك الوقت.

 

أما القديس حنانيا فهو أحد الشخصيات الواردة في الكتاب المقدس كشخص دمشقي كان يتمتع بشهرة وتقدير عظيمين في كنيسة دمشق الفتية، وكشف له السيد المسيح المهمة التي عينها الله لرسول الأمم، فأعظم شهرة القديس حنانيا أنه قبل في الكنيسة الناشئة شاؤول، الذي كان يضطهد الكنيسة، وعلمه مبادىء الدين المسيحي، وكان حنانيا أحد تلاميذ المسيح الإثنين والسبعين الذي يكلمنا عنهم القديس لوقا، وأنه قدم الى دمشق بعد رجم القديس استفانس، ثم رسمه الرسل اسقفا ً لكنيسة دمشق، وكان يبشر البلاد السورية بالإيمان المسيحي لما قبض عليه الحاكم الروماني ليسينيوس وحكم عليه بالموت، ومات حنانيا مرجوما ً بالحجارة خارج سور دمشق في اليوم الأول من شهر تشرين الأول، ونقل المسيحيون جثمانه الى داخل المدينة، وبقي بيته معترف به عند الجميع منذ القدم، حيث يقع في مدينة دمشق القديمة داخل السور، وتحول هذا البيت الى كنيسة الصليب، هذا البيت موجود في القسم الشرقي من المدينة، وهو بيت تحت الأرض ينزل اليه من الجانب الشرقي من باب ضيق ودرج، وهو مثلث الشكل، وضيق جدا ،ً طوله من الجانبين عشرين قدما ،ً وعرضه عشرة، ويدخله النور من أعلى من نافذتين مدورتين

 

 وفي سنة 1630 أثبت الأب أنطونيو ديل كاستيليو الفرنسيسكاني أن بيت القديس حنانيا مكرم من قبل المسيحيين والأتراك المسلمين، وفي سنة 1820 استملك الآباء الفرنسيسكان التابعون لحراسة الأرض المقدسة هذا المكان المقدس وبنوه وكرسوه للعبادة، وقد تهدم البناء كله في ثورة 1860، وفي سنة 1867 أعيد بناء هذا المعبد، وقد قام الكونت أوستاش دى لوريه مدير البعثة الأثرية في سوريا بحفريات سنة 1921 في مدينة دمشق في منطقة كانت تعرف باسم حنانيا بالقرب من الباب الشرقي، بالقرب من كنيسة الصليب المقدس حيث أكتشف أن هذه الكنيسة كانت سابقا ً هيكلا ً وثنيا ً كما تشهد على ذلك كتابة يونانية وجدت بالحفريات تقول : الى إله دمشق السماوي، وهيكل يظهر ثور محدوب تحت بلوطة، وقد رممت الكنيسة في سنة 1973 على الشكل الحالي، وهو عبارة عن مغارة مكونة من غرفتين ومن درج ذي إحدى وعشرين درجة، وهذا الوضع هو بسبب ارتفاع الأرض بسب الهدم والردم أثناء عشرين قرنا ً في هذه البقعة الصغيرة من المدينة.

 

هذا هو مثال من دمشق لانجد مثيلاً له في تاريخ البشرية إلا من دمشق ذاتها، لكن العبرة ليست لدمشق، بل هي في أن نكون نحن السوريون جميعاً أهلاً لدمشق وتاريخها، ورسلاً للسلام للعالم أجمع، نحمل الحب للجميع دون استثناء لنثبت من جديد أن دمشق عاصمة أبدية للبشرية جمعاء.

 

2013-10-29
التعليقات