وأنا في طريقي الى ساحة المرجة خلال ذلك الطريق الفرعي من جانب مبنى محافظة دمشق صادفت أناس كثيرين هناك من يشرب العصير الطبيعي وليس الصناعي مثل البرتقال أو التمر الهندي علما أن الجو لم يكن رمضانيا ولكن هذه هي أجواء الشام لمن لا يعرف ما معنى الشام ..
وهناك أمرأة تمسك بطفليها (ولد وبنت) ويتناولون البوظة.. وكنت وقتها أشعر بالقليل من العطش لأنني لم أكن أمسك بزجاجة ماء وأخذت أفكر وأسأل نفسي كالعادة: هل أشرب الماء أم العصير؟ واذا اخترت العصير هل أشرب البرتقال أم التمر الهندي؟ أم أتناول البوظة؟ ولكن أين؟ هنا؟ أم أسير الى الحميدية ؟ هناك من قال لي أن هناك أبوشاكر وأبو الحسن وان لم تكن خانتني الذاكرة أن أبوالحسن في القصاع أو باب توما..فقلت أشتري الماء من أية دكان قريب وبعدها عندما نصل الى ساحة المرجة هناك أقرر فهناك العديد من المحلات المتخصصة بالعصير والتسالي والحلويات..
ثم صادفني طريق فرعي أخر ووقفت حائرا على زاوية الطريقين الفرعيين الطريق الذي أسلكه والطريق الفرعي الجديد..ان كنت قد ذهبت من هنا فالى أين سأصل؟ وان كنت سرت من هنا فأين هي ساحة المرجة؟ هل هي قريبة أم بعيدة؟ وكم من الوقت تبقى لدي قبل أن تسدل الشمس ستارتها بالكامل؟ ..برنامجي المدون بالحبر الأزرق على صفحات دفتر العشق الدمشقي يذكر أنني كنت قد اخترت الطريق الفرعي الجديد.حيث كان هناك صخب من الناس اتية باتجاه ساحة المحافظة وأذكر أنني وصلت وقتها الى محل يعرض في الخارج العديد من الحقائب المتنوعة شكلا ونوعا وحجما: حقائب مدرسية جامعية وكذلك للسفر.
وكنت وقتها بحاجة الى حقيبة أخرى لأنني كنت قد وصلت الى دمشق بحقيبة واحدة ..اتجه نظري يسرة ويمنة على شيئين ..نظرت يسرة ووجدت دكان صغير واتجهت وفتحت الثلاجة وأمسكت بزجاجة ماء بقين ودفعت الثمن وخرجت..وأدرت ظهري وكان هناك صبيتان غاية بالجمال ما شاء الله واحداهن حاولت أن تمسك بحقيبة رياضية من ذوات الكتفين معلقة بالأعلى. وصاحب المحل رجل ليس كبيرا جدا بالسن ولكنه سمين. ويبدو أنه بلغ به التعب في ذلك اليوم درجة أنه لا يرغب باستقبال أي من الزبائن أو القيام والجلوس أكثر من مرة على المقعد لخدمة الزبون..
وقد كانت فرصة سانحة لي عللي اساعدهن بانزال الحقيبة ولكن شعرت بالامتعاض قليلا ربما انني اذا تدخلت لمساعدة الصبيتان صاحب المحل سيصيبه الضجر ويزجرني بكلام من مثل: لا تتدخل بزبائني ان لم يكن لديك أي عمل هنا..أو ربما ستتفاجىء الصبيتان بمن هذا الذي أثاره الفضول ومن قلب الشارع ليخدمنا مثل هذه الخدمة علما أن صاحب المحل يجلس بكامل الأريحية على المقعد ولا يشأ التحرك أو ينبس ببنت شفة..تقدمت قليلا ..وقد ذكرت احداهن للأخرى: شو بدك فيا؟ في غيرا. فأجابتها رفيقتها التي حاولت انزال الحقيبة: ليه مو حلوة؟ مو خرج جامعة هي؟ فقلت : جامعيين ما شاء الله ثم جائتني الأسئلة وما أكثرها: بأية سنة؟ وماذا يدرسن؟ وبأية جامعة؟ هل بجامعة دمشق؟ أين هي جامعة دمشق الان؟
تذكرت رحلتي الأولى الى دمشق عندما نزلت الحافلة الكبيرة ووصلت الى تلك الساحة التي تظهر كخلفية على شاشة التلفزيون العربي السوري صباحا (ساحة الامويين) وتذكرت تلك المباني التي تعود الى جامعة دمشق وربما كلية الطب أو الزراعة وكيف كان الطلبة جالسين في ذلك اليوم الصيفي الجميل بعد العصر على العشب الأخضر واتذكر تلك الضحكات وهم ينظرون وينظرن الى الحافلة حيث قلت وقتها لذلك الدليل : أكبر غلط أن تأتي لزيارة الشام مع مكتب سياحي..حيث أنني كنت اتوق لزيارة اكثر من مكان وليس فقط السماع عن ذلك المكان من الدليل..
وضعت يدي على ذات الحقيبة وقلت لصاحب المحل: عموه في عندك شنط تانية بألوان تانية من هالموديل؟ فتحرك الرجل عن مقعده وقال بدك هي؟ فأجبته :اه عموه.. وبدوري سألت الصبيتان:بدكم من نفس الموديل؟ فأجابت أحداهن :ايه .فقال صاحب المحل: ايه تكرم عيونكن كلكن..تكة وجاي..عاد صاحب المحل بحقيبتان ملونتان بالأحمر والأسود وسألته : حلو هالموديل ؟ يعني شغل جامعة؟ فقال : ايه وكلك شبوبية ماشاءالله ..كانت المفاجأة أننا جميعا اشترينا من نفس المحل ونفس الموديل ونفس اللون..ثم بادلني صاحب المحل: ايه مبروكة..وازا ما عجبتك فيك ترجعا وبأي وقت وتاخد مصاريك..فضحكت قليلا وسألت الصبيتان وأنا يعتريني الفضول: حلو هالموديل للجامعة؟.فاجابت احداهن : ايه ما نحنا أخدينن للجامعة ..شكرت الجميع واتجهت لا أعرف الى أين ولسان حالي يقول: من رجل أمن الى صاحب محل الى مواطن عادي الى طالب جامعي الجميع يتكلم بكل شبابية ومرح وابتسامة تعلو الشفتين والوجنتين وشعب يعشق العمل .كل الاحترام والتقدير للجميع على هذه الأرض المباركة الطيبة.الله يحفظ الشام وأهل الشام وكل سورية الحبيبة..والله حابب اكمل حياتي هون..وين المشكلة؟ مافي شي صعب ولا في شي سهل ..حاول تلاقي شغل هون والله بيسر..
واصلت طريقي وانا أبتسم والمضحك أنه كان هناك من ينظر الي من المارة أو من يقف خارج دكانه أو حانوته..حيث من يبتسم ينسى نفسه وهمومه والحمدلله على هذه النعمة. لاأذكر بالتمام والكمال الطريق الذي أوصلني الى ساحة المرجة.ولكن المهم والاهم أنني كنت قد وصلت الى هذه الساحة والتي كنت أبحث عنها عن طريق محرك البحث جوجل ووجدت لها صورة جميلة ليلا ومن مبنى عالي وبنفس المنطقة تلفها الأضواء وأنوار السيارات وكأنك تقف بالمنتصف وتائه بفعل هذه الزوبعة من الأنوار والاضواء الجميلة .ولكن لم يتسنى لي القراءة والبحث عن تاريخ وقصة هذه الساحة والتي أملك عنها معلومة واحدة فقط أن جمال باشا السفاح كان قد أعدم فيها أو اغتال لان الاعدام للمجرمين.كان قد اغتال مجموعة من الوطنيين السوريين ممن كانوا مناوئين لحكمه الظالم وهو ذات اليوم الذي يحتفي فيه السوريين بمسمى عيد الشهداء ربما في شهر اذار تكريما لهؤلاء الشهداء ودورهم الوطني.
جلست على الرصيف الداخلي داخل الساحة حيث أنني رأيت العديد من الناس تفترش العشب الأخضر.وهناك تائه يغط في نوم عميق بعد يوم من الارهاق والهموم نوم الهنا..شعرت بالقليل من البرد فارتديت الجاكيت وأخذت أنظر يمنة ويسرة علني أجد من يستطيع اخذ صورة لي بعد أن كنت قد استنفذت حقي بأخذ الصور الجميلة لمثل هذه الساحة الجميلة ..كان هناك ثلاثة شباب صغار بالسن قليلا يجلسون على قطعة من جسر قديم على ماأذكر أو أنه مصنوع من الخشب أو المعدن وقد طلبت منهم المساعدة لأخذ بعض الصورة ..فرد أحدهم ايه تكرم عينك وقد جلست وخلفي البرج باللون الأسود المائل الى اللون البترولي قليلا ووضعت القدم اليمنى على اليسرى وأخذت ثلاثة صور..
ثم اتجهت ووجدت نهر بردى بصوته الرقراق وضجيج مياهه المعبقة بالياسمين الدمشقي والتي للأسف أخذ بنو البشر يرمونها بالنفايات وبلارحمة حتى أصبحت ذات رائحة أسنة ..المياه تسيل من تحت ذلك الجسر متجهة الى دمشق القديمة ..حيث كنت أسير حسب اتجاهها عللني أحفظ مخطط دمشق والذي أتحدى أي باحث بمجال السياحة والاثار أن يعطي هذه المخطط حقه من البحث فهو مخطط يتعلق بجزء أو حتى جزيء واحد فقط من أقدم مدينة مأهولة بالسكان حفظها الله وحفظ ياسمينها وماؤها وترابها وهواءها وأناسها وبيوتها وشوارعها وأزقتها وأبوابها وحوانيتها ومساجدها وماذنها وكنائسها وأدريتها وصوامعها وأسواقها ومدارسها وجامعاتها .
خرجت من ساحة المرجة وأنا لا أدري الى أين ولا ادري ماذا دهاني..ولسان حالي يسأل ويتساءل: الى أين الان؟ أين هي ابواب دمشق حسب الخريطة التي تملكها؟وكيف سأسير على الخريطة وهذه هي أول زيارة لي لدمشق وانا لوحدي وهو الأفضل؟ الا تريد ان تعيش جو السهر هنا مع الارجلية وفنجان القهوة او الشاي؟ هل تريد وقتك كله صباحا مساء وخلال خمسة أيام فقط للبحث عن تاريخ هذه المدينة وأنت تعلم كل العلم أنك لن تستطيع جمع كافة المعلومات ولا حتى فهمها فيما يتعلق بتاريخ وتواريخ هذه المدينة؟ هذا ما سبب لي الاحباط ثم أخذت بالقول والدعاء:يارب تصبرني وتقويني أكثر من هيك..يارب توفقني بهالرحلة..وهناك نداء داخلي ينادي ويقول: اعط نفسك وصحتك الراحة..رحلة واحدة لا تكفي وطالما أنك أحببت هذه المدينة فانت على موعد ان شاءلله لزيارتها بل العودة اليها مرة ومرات ..استرخي قليلا فهذا عمل والعمل يحتاج للتفكير والتفكير مثلما يقول الألماني غوته: العمل سهل ولكن التفكير صعب.
هل أذهب من هذا الطريق على الجانب الايمن واين سيقودني هذا الطريق والوقت قارب على المغيب ؟كانت هناك محلات تعرض الحلويات وبالذات البقلاوة وسألت نفسي هل أشتري من هنا عندما أعود الى الاردن؟ فهناك صديق يقول لي : اشتري من الميدان حلويات أبو عرب حيدر..وهناك من يقول أن منطقة الميدان هي أصل الحلويات..ولكن الأفضل أن تأخذ المعلومة ممن يعيش بدمشق وليس خارج دمشق وسورية..فهناك صديق دمشقي الأصل يدرس في الأردن قال لي: هناك حلويات نبيل نفيسة وسميراميس..عندما كنت أفكر بالحلويات كنت أفكر بالكمية وهل ستكون مغلفة باحكام وتتحمل السفر والنقل بالسيارة؟ صعدت بعض الدرجات وعلى يساري هناك محل حلويات بادلني اصحابه بالابتسامة وهو ماشدني للسلام ودخول المحل (أنظر واستنتج مامعنى الابتسامة في قلب دمشق وعلى وجنات أي كان)..المحل هو : حلويات ابوراشد علوان أردت السؤال وانا على باب المحل فماكان من أصحاب المحل الا الطلب بالدخول واسال متل ما بدك ولازم تتضيف قبل كل شيء.كان السؤال أنني اريد شراء كمية من الحلويات بأكثر من علبة ولكن أريد أخذها الى الأردن فهل سيكون تغليفها بشكل يحول دون تلفها؟ أنا كنت قد سألت وانا أساسا ببالي حلويات نبيل نفيسة أو سميراميس..ولكن بعد أن تذوقت البيتيفور والبقلاوة وحتى الهريسة النبكية قررت الشراء من ذات المحل ..فقال لي صاحب المحل: ان شاءالله بتاخدن للصين مارح يصرلون شي..تطمن.. المحل محلك واهلا وسهلا فيك بأي وئت.شكرته ووعدته أنني سأعود عندما اقرر العودة الى الأردن ..وقبل الخروج ضيفني القهوة وكذلك أهداني بطاقة المحل والمحفوظة حاليا في الأجندة.
خرجت من المحل وانا غاية في الارهاق ولا أدري الي اين..فقلت: خليك ماشي متل ما انت والطريق بيوصلك وهيك رح تلاقي وتكتشف وتتعرف على أماكن كتيرة وجديدة ..كنت قد اخترقت طريق أوصلني الى طريق أخر من خلاله عندما تنظر الى اليمين تجد فندق ضخم جدا على شكل قلعة قديمة وهو ذات المكان الذي حصل أمامه تفجير سيارة قبل عدة أيام لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم..عندما تعبر من أمام ذلك الفندق ذلك الطريق على شكل طلوع يوصلك الى شارع رئيسي وربما هو ذات الطريق الذي تتربع عليه وزارة المياه ووزارة الداخلية (لاأدري ان كان شارع النصر) ولكن بالتمام والكمال هو ذاته شارع النصر لأن نهاية الشارع ستواجهك قلعة دمشق ومدخل سوق الحميدية ..ولكن قررت العودة الى زاوية الفندق واكملت الطريق الى طريق فرعي أخر اوصلني الى ساحة ترابية ووجدت العديد من العائلات تجلس هناك والعديد من الشباب والرجال جالسين نائمين وهناك مجسم على شكل هرم صغير او بيت الطابون من الحجر القديم ذو اللون الصحراوي ولا أعلم ما هي هذه الساحة. وتذكرت الساحة عندما كنت قد زرت دمشق للمرة الأولى حيث سرت من أمام هذه الساحة حتى وصلت الى سوق قديم قليلا وعندما دخلته كان سوقا متخصصا بكبس وتعليب الزيتون وكذلك المخللات (أو الكبيس كمايقولها الشوام) حيث كنت قد اشتريت كرة صغيرة لأخي الصغير من هناك كهدية من قلب دمشق
لنا لقاء قريب يا دمشق ....