syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
جنيف2 النووي: هل سيحسم النزاع بين إيران والغرب؟ ..بقلم : الدكتور خيام محمد الزعبي

الدكتور خيام محمد الزعبي-كاتب وباحث أكاديمي سوري

كانت المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة الـ "5+1" في جنيف، محطة أنظار العالم لرسم ما يجري على الخط الإيراني الغربي، بعدما حصل فريق التفاوض الإيراني هامشاً كبيراً للتحرك، على دعم خامنئي، لإتمام مهامه بالوصول إلى الهدف الأساسي، وتوقيع إتفاق مشترك يرمي الى إنهاء الخلاف المستمر منذ عقد بين طهران والغرب حول الأنشطة النووية.


تشعر الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها بالإرتياح تجاه التحول في خطاب طهران والتحدث بلغة ودية أكثر منذ إنتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني، ووعده بالسعي لإصلاح العلاقات مع الغرب مقابل تخفيف العقوبات بعد سنوات من العداء بين الجانبين، لكن الحلفاء الغربيون يقولون إنه يتعين على إيران دعم وعودها باتخاذ خطوات ملموسة لتقليص أنشطتها النووية، من أجل تهدئة المخاوف الغربية من برنامجها النووي، وفي ظل تأكيد الخارجية الإيرانية التوجه نحو حل الخلافات بشأن برنامجها، إلا أن    _"إسرائيل   _" سعت جاهدة للتحريض على طهران، فتارة تهدد بتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية وتارة تدعو إلى ممارسة الضغوطات عليها.

 

بدأت مجموعة الدول الكبرى في جنيف محادثات مع إيران بما يعرف بمجموعة    _"5+1   _" التي تضم ألمانيا بالإضافة إلى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين بشأن برنامجها النووي المثير للجدل، في أول اختبار لتوجهات جديدة أبدتها إيران نحو الغرب لحل النزاع النووي.

 

وتعتبر هذه المحادثات هي الأولى منذ تسلم الرئيس روحاني مهام منصبه في آب الماضي، وهو ما يقول مراقبون إنه عزز الآمال بإمكانية التوصل إلى حل، وبالمقابل يؤكد المفاوضون الغربيون إنهم منفتحون على الإنصات إلى أفكار طهران بشأن برنامجها النووي.

وفي إطار ذلك أكد المتحدث باسم وزيرة الخارجية في الاتحاد الاوروبي مايكل مان أن المحادثات النووية بين القوى الدولية وإيران معقدة جداً، وقال:    _"رسالتنا دائما كانت واضحة بأننا نسعى الى أن نتلقى ضمانات من إيران بإن برنامجها ذات غايات سلمية   _"، وفي المقابل فأن الحلفاء الغربيين يقولون    _"ما نتطلع إليه هو مرحلة أولى، خطوة أولى، أي تفاهم مبدئي يوقف تقدم البرنامج النووي لإيران ويدفعه إلى التراجع لأول مرة منذ عقود.

 

https://www.facebook.com/you.write.syrianews

 

كما أن واشنطن مستعدة لأن تعرض على إيران تخفيفاً محدوداً للعقوبات ويمكن العودة عنه من دون المس في المرحلة الاولى ببنية هذه العقوبات، أما إذا فشلت إيران في إظهار حدوث أي تقدم بشأن برنامجها النووي فيمكن التراجع عن التخفيف    _"المعتدل   _" للعقوبات وفرض عقوبات أشد.

 

في غضون ذلك، أكد رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي، أن بلاده ستشيّد محطات نووية جديدة، تضم حوالي 1500 مهندس، وقد أظهر استطلاع للرأي أعدّه معهد «غالوب» الأميركي أن 85 % من الإيرانيين يعتبرون أن العقوبات أضرّت بوضعهم المعيشي، لكن 68 % منهم رأوا وجوب متابعة تطوير الطاقة النووية، كما بثّ التلفزيون الإيراني برنامجاً وثائقياً فصّل ردّ طهران على أي هجوم تشنّه تل أبيب على منشآتها الذرية، يتضمّن محاكاة لرد إيراني بصواريخ من طراز «سجيل» التي تضرب أهدافاً في تل أبيب.

وفي سياق متصل تريد القوى الست أن توقف إيران أنشطة تخصيب اليورانيوم الأكثر حساسية لتقليص مخزونها منه وتقليص قدرتها على إنتاجه في المستقبل، وتريد إيران في مقابل أي تنازلات أن ترفع الدول الكبرى العقوبات المفروضة عليها منذ عام 2011م، والتي قلصت عائدات طهران من النفط بنسبة 60 % في العامين الماضيين وخفضت قيمة عملتها لأكثر من النصف.

 

ومما سبق أكد الغرب بإنه يتعين على إيران في هذه المرحلة التعامل مع جوانب مهمة في برنامجها النووي بما في ذلك المراقبة الدولية الكافية، ويعتبر  بناء إيران لمفاعل أبحاث قرب بلدة آراك مصدر قلق متزايد لدى الغرب، لأنه قد ينتج البلوتونيوم المطلوب لإنتاج قنابل نووية، وضمناً لذلك أكد عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي إن واشنطن ستعرض التعاون مع إيران في فترة لبناء الثقة مدتها ستة أشهر.، وستعرض أيضاً على طهران خلال هذه الفترة تخفيف القيود على أموال إيران المجمدة في حسابات في الخارج، وقد تخفف أيضا العقوبات على التجارة في الذهب والبتروكيماويات.

 

وفي المقابل ستوقف إيران تخصيب اليورانيوم لنسبة 20 % وتحويل مخزونها الحالي من اليورانيوم المخصب الى هذه النسبة الى صورة أكسيد ملائم لتشغيل المفاعل وتتخذ إجراءات أخرى لإبطاء برنامجها، وأضاف عضو المجلس أنه مطلوب أن تحد إيران من عدد أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم لتخصيب اليورانيوم عند مستوى أقل وأن تتخلى عن استخدام أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي تقوم بتنقية اليورانيوم بسرعة تزيد بمقدار مرتين إلى ثلاث مرات وألا تبدأ في تشغيل مفاعل آراك.

 

وفي سياق متصل صرح وزير الخارجية الفرنسي فابيوس إنه على إيران تقديم تنازلات حول برنامجها النووي، وقال    _" نأمل في التقدم عن طريق التفاوض، لكن التقدم لن يتحقق إلا إذا وافقت إيران على تقديم تنازلات تطلبها منها الأسرة الدولية   _"، وأضاف أن فرنسا وكذلك الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، والأسرة الدولية تقول إن إيران يمكنها امتلاك حق استخدام النووي المدني.

 

وفي الوقت نفسه ترى إسرائيل التي يعتقد على نطاق واسع أنها القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط إيران خطراً على وجودها وحذرت من أنها قد توجه ضربات وقائية لمواقع نووية إيرانية إذا أخفقت الدبلوماسية في وقف البرنامج النووي الإيراني، وأوضحت إن المقترحات المطروحة للبحث في جنيف لا تروق لها وقالت إن من المحتمل أن تكون خطأ له أبعاد تاريخية، ومضمونه حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أن رفع العقوبات المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي سيكون خطراً كبيراً على المنطقة.

 

وقال نتنياهو مفتتحاً الدورة الشتوية للبرلمان الإسرائيلي (الكنيست) إن من الضروري الإبقاء على الضغط الذي يمارس على إيران، خصوصاً في هذا الوقت، وكرر اثناء استقباله وزير الخارجية الاميركي جون كيري القول انه ينتظر    _"تفكيكاً تاماً وسلمياً لقدرات التسلح النووية لإيران ووقف أي تخصيب لكل أجهزة الطرد المركزي ووقف المفاعل الذي يعمل بالبلوتونيوم   _"، وأعرب عن    _"قلقه العميق   _" حيال أي إتفاق قد يسمح لإيران بالحفاظ على قدراتها ويخفف العقوبات المفروضة عليه، وأيده في ذلك وزير الاستخبارات يوفال ساتينيتز الذي دعا بدوره القوى الكبرى إلى إبقاء الضغط على إيران، وقال    _"إن العقوبات المفروضة على إيران والوضع السيء لاقتصادها هو ما أجبرها على قبول المحادثات   _".

 

والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة، هل من الممكن أن تحسم محادثات جنيف النزاع بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران حول القضية النووية الإيرانية؟

 

 من خلال ما سبق أرى إنه من الممكن أن تتوصل الدول الست الكبرى    _"الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألماني   _" وإيران إلى اتفاق على خارطة طريق لإنهاء الخلاف بشأن برنامج طهران النووي وأن تحرز تقدماً ملموساً بهذا الشأن إذا بذل المفاوضون أقصى جهدهم لتجاوز العقبات التي تعترضهم أثناء المفاوضات.

 

وفي سياق متصل أهدى وزير الخارجية الإيراني ظريف خلال تواجده في باريس منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة يونيسكو سجادة عجمية أُطلِق عليها    _"تقارب الثقافات   _"، وأكد في كلمة أمام المؤتمر العام السابع والثلاثين للمنظمة:    _" إن الحرب أداة غير فاعلة لتعزيز المصالح الوطنية أو العالمية، وإنه من خلال الحوار والتفاهم والتعاون الشامل، يمكن التوصل الى حلول للمشكلات المشتركة   _".

 

ومن الجدير بالذكر أنّ أهم وسيلة قد يتمسك بها الرئيس روحاني لتحقيق اتفاق حول برنامج إيران النووي هي العمل على تحقيق أواصر ثقة متبادلة بين طهران والغرب ما يؤدي إلى فسح المجال للصداقة والوضوح بين الجانبين واتخاذ خطوات واسعة نحو تحسن العلاقات مع البيت الأبيض.

ويرى بعض الساسة الإيرانيين أن بناء جسور علاقات مع واشنطن ضرورية لأنها تعتبر جانباً من النفقات التي يجب تحملها والتضحية بها في سبيل تطوير البرنامج النووي لذا فإن بناء أية علاقة مع أميركا هي في الحقيقة تصب في صالح إيران وتمنحها فرصة أكبر للرقي بمستقبلها النووي والاقتصادي.

 

وبالتالي فإن التقارب بين الغرب وبين إيران أصبح ضرورة موضوعية للطرفين إنطلاقاً من صعوبات كلا منهما في تجاوز أزماته، فالولايات المتحدة بحاجة الى استمرار العلاقة مع طهران وخاصة بعد انسحابها من العراق، بالمقابل فإن حاجة المواطن الإيراني لحل المسألة النووية بالتفاهم مع الغرب يعينه اليوم، في ظل أزمة اقتصادية ومالية حادة ناتجة عن سياسة الحصار والعقوبات.

 

وأخنم مقالتي بالقول إن محادثات جنيف حول البرنامج النووي الإيراني توفر فرصة لإحراز تقدم حقيقي في حل المشاكل العالقة بين طهران والغرب، بالرغم من أن هذه المحادثات صعبة، لكنها في الوقت نفسه مهمة بالنسبة الى الأمنين الإقليمي والدولي، وبالتالي فإن الغربيون واسرائيل مصممون على وقف برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم الذي يشتبه في انه يرمي الى صنع سلاح ذري وهو ما تنفيه طهران التي تشير الى حقها في النووي المدني.


 

2013-11-16
التعليقات