syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
تشتاقهم عيني وهم في سوادها ويرصدهم قلبي وهم بين أضلعي ... بقلم : إيمان أحمد ونوس

مما لا شك فيه أن الأزمة السورية منذ الأيام الأولى لاندلاعها قد أرخت بظلالها وثقلها على الأسرة بكل مكوناتها، وعلى مختلف المستويات المادية والسياسية والاجتماعية، فقد تصدّع بنيان هذه الأسرة بقوة الظروف الطارئة التي كانت سبباً رئيسياً في تفشي العديد من الأزمات،


بدءاً من حدّة الاختلاف والتباين بين الأفراد في المواقف السياسية من الأحداث، مروراً بالوضع الاقتصادي الذي تردى كثيراً، في ظل تفاقم حدّة البطالة التي طال شبحها بعض أفراد العائلة بحكم توقف العديد من الشركات والقطاعات عن العمل، وكذلك الغلاء الفاحش الذي أتى على جميع مدخرات الأسرة، وراكم فوق ذلك ديوناً يصعب سدادها في المدى المنظور.. إضافة إلى التشتت الذي طال العديد من الأسر، بحكم مقتل بعض أفرادها أو اعتقالهم أو اختطافهم، ونزوح البعض الآخر خارج البلاد أو داخله.

إن هذا الوضع برمته قد خلق شروخاً عميقة في العلاقات الأسرية سواء بين الإخوة، أو بين الآباء والأبناء، لكنّ أكثرها حدّة ما كان بين الزوجين اللذين وصلت خلافات بعضهم إلى الطلاق، الذي ارتفعت نسبته، في هذه الأزمة إلى مستويات قياسية وصلت إلى100 حالة طلاق يومياً في دمشق وريفها، حسبما ذكر المحامي العام الأول في دمشق أحمد البكري، الذي رأى بحسب صحيفة (الوطن) السورية أن هذه النسبة تشكل ارتفاعاً خطيراً وغير مسبوق مقارنة بالأعوام الماضية. كما تُفيد إحصاءات المحاكم الشرعية في وزارة العدل السورية أن (حالات الطلاق في سورية تضاعفت بنسبة 45% العام الماضي، في حين انخفض معدل الزواج بنسبة 40%).

 

وتقدّر مصادر حكومية عدد حالات الطلاق بنحو 350 حالة يومياً، نصفها تقريباً في محافظتي حلب ودمشق. وجدير بالذكر أن هذه النسب لم تشمل حالات الطلاق التي تحدث بناء على العقود العرفية التي لا تسجل في السجلات الرسمية، وهي تحدث غالباً في الأماكن النائية البعيدة عن مراكز المدن، تيمناً بالأعراف المتبعة هناك، والتي ترى أن الرابط الديني أهم من الرابط المدني والتوثيق بسجلات رسمية، ومن ثمّ يمكن أن ينتهي الزواج بمجرد تمزيق هذين العقدين باعتباره عقد بين شخصين.

 

إن كل ما ذُكر أعلاه راجع باعتقادي لعدة أسباب أهمها:

1- أن الأزمة دمّرت الكثير من الضوابط الاجتماعية التي كانت تلزم الزوجين بالتفكير مراراً قبل الإقدام على خطوة الطلاق.

2- ظهور خلافات جديدة لم تكن موجودة قبل الأزمة، كالموقف السياسي لأحد الطرفين أو لكليهما، كأن يكون أحدهما موالياً والآخر معارضاً، مما أجّج بعض الاختلافات المنسية أو المتوارية وراء توافق مزعوم، مما تسبب بحالات طلاق كبيرة تمّ تسجيلها نتيجة الخلافات السياسية تحديداً.

3- ازدياد حدّة ونسبة البطالة بسبب إغلاق العديد من المنشآت العامة والخاصة، ما دفع بالعديد من العاملين/لات إلى ساحات المصير المجهول والاعتماد على الغير في تأمين مستلزمات العيش، فكان أن اتسعت رقعة الخلافات بين الزوجين، لاسيما في ظل تعطّل الزوج عن العمل، وبقاء الزوجة في عملها ما أدى إلى تفشي ذهنية ذكورية مقيتة تفرض على الزوجة قيوداً غير منطقية في محاولة لدرء الرجولة من الانهيار أمام متطلبات الحياة وقسوتها من جهة، والخشية من فقدان الرجل لسلطاته المعتادة، بحكم بطالته وعدم قدرته على القيام بواجباته المنوطة به أصولاً، ما دفع بالعديد من الزوجات إلى طلب الانفصال لعدم قدرتهن على مجاراة هذا الواقع الظالم.

4- الوضع الاقتصادي المتردي الذي عانت وتُعاني منه البلاد، ما خلّف غلاءً فاحشاً في الأسعار، التهم مجمل المداخيل، إضافة إلى بعض مدّخرات الأسرة المادية وسواها من ذهب أو عقار أو ما شابه من قبل بعض الأزواج اللامبالين أو المستهترين الذين راحوا يتمادون في طلبات واحتياجات غير منطقية في ظل الظرف الراهن، مما دفع بالزوجة التي تبحث منفردة عمّا يسد رمق الأطفال، إلى طلب الطلاق، لأن فيه الخلاص والرحمة من معاناة لا تنتهي مع زوج لا تهمه سوى نزواته مثل الخمر والدخان والسهر. وربما تكون الحالة معكوسة مع زوجة لا يهمها ما يجري بقدر ما يهمها تلبية احتياجات غير ضرورية في ظروف غير طبيعية، مما يدفعها هي أو الزوج لقرار الطلاق.

5- لجوء بعض الزوجات إلى مسلكيات وسبل غير أخلاقية من أجل تأمين احتياجات الأسرة، بسبب ضغط الظروف الاقتصادية من جهة، والبطالة المتفشية من جهة أخرى، مما يدفعهن لطلب الطلاق أو يدفع بالزوج إلى الطلاق.

6- انخراط الزوج في الأعمال القتالية إلى جانب أحد طرفي النزاع مما يُثير حفيظة الزوجة أو رفضها، إضافة إلى حالة النزوح وافتراق الزوجين، كلّ إلى مكان بعيد عن الآخر، وما قد يفرضه هذا الواقع على كليهما مما يؤدي بهما إلى الطلاق.

7- ازدياد حدّة التشدد الطائفي لدى بعض المتزوجين من طوائف مختلفة، في ظلّ واقع فرضته الأزمة وتداعياتها على مرّ الأيام، ما دفع بالبعض إلى طلب الطلاق تحت ضغط المحيط الاجتماعي أو الأسري.

 

إن ما أفرزته الأزمة الراهنة، وما ستخلّفه من آثار كارثية على المستوى الاجتماعي- الأسري بالدرجة الأولى، يقتضي من المعنيين والمهتمين تقصّي الواقع بدقة ومصداقية، من أجل إجراء بحوث تُفضي إلى محاولة التقليل من تلك الآثار وانعكاساتها على مكونات الأسرة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يقتضي من جميع الأطراف المعنية باستمرار الأزمة إعادة النظر فيما خلّفته هذه الحرب من كوارث وويلات يفوق حجم خرابها خراب البُنى التحتية وحجم خسائر السلاح ومواقع السيطرة وما شابه، وبالتالي هم مطالبون بوقف هذه الحرب تحت أيّ ظرف، من أجل النجاة بمن تبقى من العباد والبلاد.

 

https://www.facebook.com/you.write.syrianews

 

2013-12-02
التعليقات
ahmad
2013-12-03 23:31:35
دمار المجتمع
الدمار الإجتماعي آثاره كارثية على البلد وقد تمتد لسنوات طويلة بعد انتهاء الحرب ومع كل ما وصلنا إليه نجد أن الذين يديرون دفة الصراع لا يلقون بالاً لصرخات السورين وآهاتهم... قد أسمعت لو ناديت حياً لكن لاحياة لمن تنادي

سوريا