يدل مصطلح " الأحكام المسبقة" على مجموعة الآراء التي يبنيها الإنسان (أو مجموعة من الناس) في غياب المعلومات (الظاهرية و/أو الباطنية) أو الممارسة العملية الكافية. تأتي هذه الأحكام أحياناً من أساطير أو معتقدات أو موروث ثقافي تاريخي لم يطرأ عليهم أي تغيير بمرور الزمن، أو تكون نتيجة التعميم بشكل متسرّع أو نتيجة النية السيئة. هذه الأحكام تكون عند الإنسان كنقطة بداية في تلقيه المعلومة، لأنها أصبحت ثابتة في خلفيته الثقافية.
الأمثلة كثيرة جداً، فالكثير من الناس يقع في فخ الأحكام المسبقة عندما يبنون رأياً خاطئاً عن غيرهم بالاعتماد على مظهرهم الخارجي، أو على انتمائهم الثقافي، أو حتى على رأيهم المختلف عنهم. وهنا نستطيع أن نقول أن هذا سيؤدي إلى ظاهرة العزل و الكره للآخر بدون وجه حق. و بالتالي نستطيع أن نفهم خطر هذه "الأحكام المسبقة" في المجتمعات متعددة الثقافات، و التي تسبب فيها عادةً نزاعات خطيرة جداً و مستمرة وتعيق كذلك التطور والتغيير فيها نحو الأفضل. وهذا مثال من تجربتي: فقد كنت في فرنسا بين سنتي 1997 و 2002 بغرض الدراسة، وخلال هذه الفترة رأيت و عشت هذه " الأحكام المسبقة"، فعندما كنت أقول لهم أنني من سورية، يبني البعض منهم، وليس الكل، على الفور حكماً مسبقاً أنني عربي مسلم قادم من الصحراء وتارك ورائي خيمتي و جمالي، فهنا تنقصهم أكثر من معلومة وهن:- ليس كل سوري هو عربي - ليس كل عربي هو مسلم - ليست الأرض العربية كلها صحراء. وبعد أحداث 11 أيلول 2001 نشأ عند البعض منهم حكماً مسبقاً جديداً أن كل مسلم هو إرهابي، وهذا معتقد لم يتغير حتى الآن من ذلك التاريخ.
و التخلص من " الأحكام المسبقة" ليس صعباً و لا مستحيلاً، فالنية الحسنة والتجربة الكافية مع الآخر و العقلانية في التفكر تستطيع أن تخلصنا من هذه الأحكام، وبمعنى آخر أن نكون في طريق البحث عن الحقيقة، و يتطلب البحث عن الحقيقة الكثير من الصبر و التواضع، و في طريق بحثنا قد نجد أنفسنا في أوضاع غير مريحة، مرغمين بالقبول بأشياء ننكرها بالعادة أو تضعنا في موقف صعب أو لدينا "أحكام مسبقة" عليها بدون علم ويقين. كما يتطلب البحث عن الحقيقة أن نبتعد عن الخجل من اكتشاف أخطائنا. و يجب أن نتجه بدلاً من هذا إلى القبول أو حتى السعادة أننا نتطور و أن آخرين يتطورون بسرعة أكبر مننا.
وهذا يعني أن نكون ميالين لأن ننطوي تحت راية أعلى وأفق أوسع. ويجب أن تتجاوز رغبتنا بمعرفة الحقيقة رغبتنا بأن نثبت أننا على حق وصواب. وعندما تكون النتيجة هي عكس حكمنا المسبق فما علينا إلا أن نمحو هذه الأحكام من ذاكرتنا الثقافية، أما إذا أصررنا على حكمنا المسبق على الرغم من المعلومات الجديدة، فيبدو هنا أن ظاهرة "الأحكام المسبقة" تطورت إلى حالة وهم و/أو تربّص، ونكون بالتالي قد وصلنا إلى حالة التمزق المجتمعي التي لا رجعة عنها. ونستطيع أن نتخيل المخاطر في المجتمع، فالكراهية ستتحول إلى عدائية و أذى الآخر، وبالتالي سنجد صراعات طويلة مبنية على أسس خاطئة غير حقيقية وحتى على أوهام. لذلك أرى أن "الأحكام المسبقة" هي شكل من أشكال الجهل الهدّام للمجتمع.
وفي هذا الزمن الاستثنائي، يتكرر أحياناً هنا وهناك مصطلح "الحرب الكونية" أو "آخر الزمان" ، فالحرب الكونية بدأت منذ نقطة بدء الخلق، أي أنها قديمة جديدة، و هي حرب بين الخير و الشر، وكلنا يعلم أن إبليس رفض أمر ربه، و هو مازال يتحدى خالقه، و الذين يتبعون إبليس لا ينتمون إلى ثقافة واحدة أو معتقد واحد ولا يعيشون في مكان واحد، هم من كل أرجاء الأرض، وينطوون تحت راية الشر، فما فائدة الأحكام المسبقة هنا؟. هل ستقوم هذه "الأحكام المسبقة" بسبب تعدد ثقافات فريق الشر بتمزيق هذا الفريق؟، أم ستوحده فكرة الشر؟. لذلك أرى أن أحد الحلول للتخلّص من خطر "الأحكام المسبقة" هو أن نوجه أنظارنا إلى هذه الحرب الكونية بين الخير و الشر و كل منا يختار فريقه، وهذه الظاهرة المسماة " الأحكام المسبقة" إذا بقيت ضمن فريق الخير، الذي هو متعدد الثقافات، ستصب في مصلحة فريق الشر و الباطل و تبعدنا عن الحقيقة.
وبما أننا نحتاج دائماً إلى مرجعية في فهمنا لواقعنا، فقد اعتمدت بشكل رئيسي على القرآن الكريم، حيث سأذكر بعض الآيات الكريمة فيما يلي، و لعلنا نتفكر. آملاً عدم السقوط في فخ "الأحكام المسبقة" وعدم توجيه الأنظار إلى التأويلات و الاجتهادات، فهذا القرآن هو كلام الله.
قال الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
1- " وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورً"
2- "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ"
3- "خُلقَ الإنسانُ من عَجَلٍ سأوريكُم آياتي فلا تستعجلونِ"
4- " وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم إِنَّ السَّمْع وَالْبَصَر وَالْفُؤَاد كُلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا "
5- " وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ"
6- " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا "
7- " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ"
8- "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ"
9- " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ"
10- "إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ"
11- " هَأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْم فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْم"
12- " مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبً"
13- "وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا "
14- " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ"
صدق الله العظيم
https://www.facebook.com/you.write.syrianews