syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
أحداث لبنان تصفية لحسابات المتصارعين الإقليميين والدوليين ... بقلم : الدكتور خيام محمد الزعبي

إن لبنان من أكثر دول العالم التي شهدت أحداثاً إرهابية خلال العقود الأربعة الأخيرة والتي طالت رئيسين لبنانيين سابقين، هما بشير الجميل ورينيه معوض وما تلاها من أعمال إرهابية عديدة، وقد توجت هذه الأعمال الإرهابية بإنفجار قتل الوزير السابق محمد شطح في وسط بيروت، وإنفجار آخر في حارة حريك في الضاحية الجنوبية، قرب مقر المجلس السياسي لحزب الله ، والمقصود منه زعزعة الإستقرار الأمني في لبنان، وكأنه يتم إصرار مسبق على إنقسام اللبنانيين، هذا مما يجعل الساحة اللبنانية مفتوحة أمام الصراعات والتفجيرات الأمنية المشبوهة والتي يدفع اللبنانيون الضريبة تلو الأخرى من دمائهم وأرواحهم وممتلكاتهم، جراء أعمال كانت وستبقى محل الإدانة والإستنكار الشديدين.


أما اليوم فالمطلوب إغراق لبنان في الوحل المذهبي الشيعي السني، فالصفعات ما زالت تتوالى عليه  بإستمرار، صفعة سنية وبعدها صفعة شيعية، ليبقى لبنان ساحة لتصفية الحسابات ولتبقى الأرض اللبنانية مستباحة لجهات متطرفة  وخصبة لإثارة الفتنة، وكأن لبنان يتحول الى ساحة لا يفهم بعد الشعب اللبناني معناها وسبب إستهداف بلاده ومسببات الأعمال الإرهابية والمأساة المتنقلة بين مناطق لبنان، وبالتالي فإن ضرب الإرهاب التكفيري في عمق ضاحية بيروت يدل على إثارة النعرات الطائفية والمذهبية  بين طوائفه لإبقاءه في ساحة التوترات المختلفة.

 

فالخطورة هنا لا تكمن في مقتل عشرات الأشخاص فقط وإنما في عودة السيارات المفخخة، وظاهرة الإغتيالات الى لبنان، علاوة الى إنتشار حالة الرعب، وإنعدام الأمن، وتفاقم الأزمتين الإقتصادية والأمنية معاً، وبالتالي فإن الطرفان المتصارعان باتا يملكان خبرة كبيرة في أعمال التفجير، وفائض كبير في عدد الإنتحاريين.

 

ان لبنان كان وما يزال مسرحاً للقوى الإقليمية والدولية لتصفية حساباتها على أرضه، فالأزمة السورية ألقت بظلالها على الأوضاع الداخلية في لبنان لإرتباط الأطراف اللبنانية بأطراف الأزمة السورية، حيث يوجد في لبنان قوتين رئيستين تتنافسان على السيطرة وحكم لبنان بتوجهات متناقضة كلياً، فقوى الرابع عشر من آذار ويتزعمها سعد الحريري المتحالف مع بعض القوى المسيحية وهذه القوى ترتبط بأطراف إقليمية كقطر والسعودية التي تعمل وتدعم المعارضة السورية من اجل إسقاط النظام السوري، أما القوى الثانية والتي تسمى قوى الثامن من آذار بقيادة حزب الله  وهذه مدعومة من قبل دول إقليمية وعلى رأسها إيران.

 

إن هذا الصراع الدولي والإقليمي كان موجوداً قبل إنفجار الأزمة السورية على النفوذ في لبنان، لإن السيطرة على هذا البلد الصغير يعتبر أمراً مهماً سواء أكان سياسياً أو إستراتيجياً لما يملكه لبنان من تأثير كبير على أمن وإستقرار منطقة الشرق الأوسط، ويملك مفاتيح الحرب والسلام في هذه المنطقة خاصة بسبب وجود حزب الله الذي يشكل خطورة على إسرائيل، بالتالي فإن المرحلة اللبنانية الراهنة معقدة وشائكة، وأن مفتاح التسويات للقضايا العالقة هو في يد الدولتين المؤثرتين مباشرة على لبنان، وهما السعودية وإيران، وبالتالي فإن التفاهم السعودي الإيراني، سيؤدي الى حلحلة بعض القضايا على رأسها قضية لبنان والوضع الإقليمي العام وما يعتريه من شوائب.

 

وفي سياق متصل يمكن القول إن الوضع في لبنان مفتوح على كل الإحتمالات، وهناك سيناريوهات متعددة تنتظر لبنان، وأول هذه السيناريوهات هو نشوب إقتتال داخلي بسبب التفجيرات التي من الممكن ان يشهدها لبنان وإغتيال شخصيات سياسية مهمة، وبدون أدنى شك، ان هناك قوى عدة إقليمية ودولية تعمل على خلط الأوراق في المنطقة ومن مصلحتها تفجير الوضع في لبنان، وتقوم هذه القوى ايضا بتصفية الحسابات فيما بينها على الأرض اللبنانية، ومن أبرز هذه القوى التي لها مصلحة بتفجير الأوضاع في لبنان هي اسرائيل، التي تعمل على إشاعة الفوضى في لبنان ومن مصلحتها ايضا إفتعال مناوشات وإقتتال داخلي بين حزب الله وقوى لبنانية اخرى من اجل إضعافه.

 

وهنا يمكنني القول ما زالت حياكة المؤامرات في لبنان مستمرة، فهناك أيادٍ غريبة تحاول تزكية الفتنة في البلاد لإثارة النعرات المذهبية، فتفجير في بيروت الغربية يطال مسلمين سنة، وتفجير في الضاحية الجنوبية يطال مسلمين شيعة، وغداً أو بعد غد قد يكون هناك تفجير في الجبل ليطال إخواننا الدروز المسلمين، أو تفجير يطال إخواننا المسيحيين في بيروت الشرقية، انها الفوضى الأميركية غير الخلاقة، حيث لعبت الإدارة الامريكية دوراً رئيسياً في صناعتها وتطويعها لصالحها ولصالح حليفتها إسرائيل، والضبابية التي تلف الساحات والميادين العربية والإقليمية وعدد الضحايا الذي يتزايد هنا وهناك وجبل الأوهام الذي يتراكم باسم الحرية والديمقراطية لا يمكن أن تحجب حقيقة أساسية مفادها أن المنطقة دخلت فعلاً لتفتيتها الى دويلات عنصرية وطائفية وزعزعة أمنها واستقرارها.

 

من خلال ذلك يمكن القول إن الوضع في لبنان معقد وصعب وهذا يعود الى إرتباط القوى الداخلية اللبنانية بالقوى الإقليمية، والتي هي بدورها مرتبطة بقوى دولية، وما يجري على أرض سوريا وما يجري في لبنان هو صراع دولي تشترك فيها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بالاشتراك مع القوى الغربية وتركيا وبعض الدول العربية التي تتوافق في سياساتها مع سياسات هذه الدول.

 

لقد وقع لبنان في براثن الإرهاب والعنف وتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات، مما يعني أن لبنان مرشح لأن يشهد مزيداً من عمليات التفجير والإغتيالات الجديدة، ومزيداً من العنف في ظل غياب أي فرص للحوار كون الطرفين في لبنان غير قادرين على التوصل الى حل مقبول يرضي كلاهما، إذ يعاني لبنان في هذه المرحلة الحرجة من مشكلات متعددة أهمها، الإنقسام السياسي والطائفي الذي يهدد بإشتعال حرب أهلية مذهبية، هشاشة بنية الدولة في لبنان، وعجزها عن حل مشكلاتها بشكل ذاتي، الإشتباك الإقليمي، وما يلقيه من ظلال على لبنان، تهدد أمنه وإستقراره، لذلك لا بد من تغليب لغة العقل، وتجاوز الحسابات السياسية ووقف التحدي من أجل التلاقي والتحاور سعياً للخروج من هذا المأزق الخطير لإن البلد دخل مرحلة الفوضى، والفتنة الطائفية، والنزعات الإنتقامية الثأرية المدمرة.

 

والذي يمكن أن أكده هنا هو الإحساس بالمرارة والحزن لما آلت اليه أحوال الأمة العربية التي تصدعت كل جبهاتها وباتت في حقيقة الأمر أسيرة لأطماع أكثر من دولة إقليمية تهدد وحدة كيان الامة وتستنزف مقدراتها، وبالتالي فإن الحاصل هو المزيد من الفتن والمعارك الصاخبة بين أبناء الحضارة الواحدة والثقافة الواحدة واللغة الواحدة، إضافة الى المزيد من العنف وما يسفر عنه من قتل وسفك للدماء على حساب البناء والتنمية والتطور الحضاري.

 

وأخيراً أختم مقالتي بالقول، إن إرتفاع وتيرة الأعمال الإرهابية وتنقلها من منطقة الى أخرى من شأنها ضرب الإستقرار والإطاحة بالسلم الاهلي، فالمجتمع اللبناني ذو طبيعة خاصة حيث يتكون من عدة طوائف دينية متعددة، وهذا يحتاج من القادة في لبنان المزيد من الحكمة في التعامل مع هذه الأزمة والأوضاع الساخنة للسيطرة على المشكلة وعبورها بأقل الخسائر للحفاظ على السلم الأهلي في لبنان واللحمة الوطنية، والتلاقي والحوار بين القيادات وتحمل مسؤولياتها التاريخية تجاه لبنان واللبنانيين والإسراع في تشكيل حكومة تأخذ على عاتقها حماية السلم الأهلي وصيانة الأمن والإستقرار الوطني، لذلك لا بد من تعزيز ودعم المؤسسات الوطنية (الأمنية والقضائية) ويكون هذا افضل رد لمواجهة الذين يستهدفون حفظ لبنان.

 

https://www.facebook.com/you.write.syrianews

2014-01-09
التعليقات