syria.jpg
مساهمات القراء
قصص قصيرة
ألف ليلة وليلة 3 ... بقلم : وفاء شكيب الحلبي

لطالما عشقت أضواءَ الجوامع الخضراء ، عندما كانت تراها من  صخرة دمشق الشّماء – قاسيون –  فلهذه الأضواء جاذبيّةٌ مُرهِقة  تسافرُ بعقلها بعيداً إلى أغوارِ روحها .

أنّى لها أن تقاومَ ذلك الذكاء المتخفّي بدعوته ، وذلك الشبق الذي انتابها من صدقِ عينيه الفاضح . هي التي ماخانتها أحاسيسها ولا حتى لمرّةٍ واحدة في حياتها .


 اجتازا الشوارعَ الضيّقةَ لدمشق القديمة ذات البلاطات المصفوفة  كعمودٍ فقريٍّ للمدينة ، أحسّتها خزّانَ ذاكرة لأهلِ دمشق وللعالمِ بأسره ، ناداها ذلك الحنين الذي لا يعرفُ سحرهُ إلّا من أدمنه .

 تبادلا أطرافَ بعضِ الأحاديث ،  ولكن عقله كانَ يقِفُ على الإشارةِ الضوئيةِ في الناحية الثانية لرصيفِ أفكاره .

 دخلا بوابة الجامع الأمويِّ التي تفيضُ بأنفاسهِ المترددةِ عبرَ القرون ، والتي تعمشقت قلوبَ كلِّ من تنفّسها .

 

 قد كان الصمتُ يسدلُ ستارهُ على عاصفةِ مشاعره وترقُّبهِ لتوحُّدها بالمكان ، وكأن للأمكنةِ سحرٌ دفين يتدفق ويغرقنا في صمتِ أعماقنا المتواصلةِ معها بأشعّةٍ غير مرئيّة.

وكأنهُ كان يرتبُ أفكارهُ .......... وكأنّها أعطتهُ الوقت ليدوزنَ حِبالهُ الصوتية كي لا تتداخل الكلمات وتخونهُ المفردات ، فاللحظاتُ من جمر ، والخطأُ غيرُ مُباح ، فتحريكُ حجرٍ واحدٍ في رقعةِ الشطرنجِ تلك قد يغيّرُ مسارَ حياته بأكملها ، وهو موقنٌ بأنَّ الفرص قد لا تأتي مرتين أمام جسرِ إصغاءها وعيني عقلها الخارقتي الذكاء .

 

 عشّش دوماً بداخلها ذلك العبق الخفيُّ للجامع بأعمدتهِ التي تقف شامخةً من بقايا ذاكرةِ أيامه تردّدُ الأذان وترفعهُ نحو السماوات تضرُّعاً للخالق ، وتلك القبّة المنتصبةُ كرئةٍ في وسط ساحته تحفظُ أسرار الأجداد .

 

تأمّلت النقوشَ على جدرانه فسمعت معزوفةَ الأديان مجتمعة ، فتأثيرُ هذا المكان صدمةُ سِحر ؛ كلّ مرة  كأنها أول مرة .

 

هي تدركُ أن للحمائم  في هذا الجامع قصةُ عشقٍ أزليّةٍ مع قناطرِ الجامع التي تمنحها طاقةَ الأثيرِ الكونيِّ أجمع ، ساعدتها أصواتها على تفتُّح كل مساماتها بنشوةٍ فريدة .

 

أخذا ركناً وجلسا ، ولازال الصمتُ يتمطّى باختلاطٍ غريبٍ للمشاعر ، والساعةُ متوقّفةٌ أمام محرابِ أفكارهما ..................

 

 

https://www.facebook.com/you.write.syrianews

2014-02-25
التعليقات
زينب زعتر
2014-02-26 13:16:15
دمت للقلم
محطات رائعة يقف فيها قطار هذه الرحلة وفي كل محطة تنثرين عبق الحب والتاريخ .... بالتوفيق

سوريا