أتتهُ الفكرة المنقذة لمشاعره من أمواج بحره المتلاطمة حين مرّا بجانب مقهى " ألف ليلة وليلة " ذلك البيت الدمشقي المميز ، وبدون سابقِ إنذار دون تدخّلٍ من عقله ، نطقت عاطفته :
( فسباقُ الوقت يسرقهُ من كلِّ تناقضاته )
فنجانُ قهوة الآن سيمحي تعبَ هذا النهار الشّاق ؛ اعتبريهِ مُباركةً مني لمشروع التخرّج .
حركت شعرها عن جبينها ورفعتْ حاجبها - رقصَ شيء ما بداخل ضلوعها – أومئت برأسها موافقةً على دعوتهِ المباغته والتي كانت ألف ليلة وليلة بحق .
دخلا وسط زحام الشُّبان والشابّات وهمسات العشّاق وقهقهاتِ الضحكات ، اختارا طاولةً في الركن الأيمن مغطّاة بقماشٍ مخملي مزيّن بنقوشٍ ذهبية اللون على زاويته ، وجلسا قريبين من بحيرة الماء في الوسط المليئة بالاحجار البحريّة الملونة ، وصوتُ نافورة الماء لها دويٌّ هائلٌ في أعماقهما ، فقد أحسّت لحظتها بقربه الشّديد منها وبطرقات قلبهِ بداخله حين جلسَ بجانبها وليس مقابلا لها .
نظرَ في عينيها وكأنه أراد اختزان تلك اللحظة إلى الأبد في ذاكرتهِ ، وكأنّ كلَّ شيء تواطأ ليتيحَ لهما هذا الكمَّ من الروعة لتآلف الأمكنة ، وكأنَّ مقولةَ " رُبَّ ضارةٍ نافعة "
اصطدمت بواقعهما في تلك اللحظات .
أضواءُ الفوانيس الخفيفة وأزهار البنفسج الطبيعية المتدلّية على الجدران ،والقطعُ التُّراثية على الرفوف ، ودخانُ النراجيل الذي جعل الجو مشبعٌ بالرومنسيّة ، والفسحةُ السماويةُ في الأعلى وقد بدأت النجومُ تغمزُ لهما بتواطئٍ خفي يهبُّ منها عبقُ الياسمين الشامي من الشجرة الممتدّة فروعها للأعلى ، كل ذلك أعطى المكان كينونةً خاصّةً لثقافةِ العيون واللغةِ الفاتنةِ للأجساد .
أحضر النادلُ القهوة ووضعها أمامهما وذهب ، وعندها ...........انفرطت مسبحةُ صُموده ليستديرَ نحوها ويمسكَ بيدها ويشهق :
لقد نفذ صبري وأخيراً أرجوكِ إنّي ................
.
سحبت يدها بسرعة لتضعها على فمه لتعصفَ خلاياهُ بعطرها من جديد ويطرق خاتمها ذي الحجر الأحمر اللامع بأسنانهِ ، فتوقّفَ عن الكلام وتوقف قلبه كذلك ، ليسمعها تقول :
أنتَ امتدادٌ لي في هذه الدنيا .............. عيناكَ فضحتاك
سمعتُ نداءات اعماقكَ منذ البداية .............
( انتشلتهُ من غرقهِ كحوريّة بحرٍ ظهرت من الموج )
وضعَ يدهُ فوق يدها على فمه ليقبِّلها فتخمدُ كلُّ نيرانُ خوفه وقد طار الشوقُ مع مفرداته وهو يقول :
أُحبُّكِ .......... أُحبُّكِ .......... أُحبُّكِ ..........
( تمّت )
https://www.facebook.com/you.write.syrianews
تقول الكاتبة أحلام مستغانمي في روايتها الرائعة فوضى الحواس : ( أحبُ قصص التلاقي .. في كل لقاء بين رجل وامرأة معجزة ما شيء يتجاوزهما يأتي بهما في الوقت والمكان نفسه ، ليقعا تحت الصاعقة إياها . ولذا يظلّ العشاق حتى بعد افتراقهما وقطيعتهما ، مأخوذين بجمالية لقائهما الأول . لأنها حالة انخطاف غير قابلة التكرار، ولأنها الشيء النقي الوحيد الذي ينجو من ما يلحق الحبّ من دمار ) ولحظات الاقرار بالعشق التي رويتها في هذه القصة كانت الشيء الثاني الذي ينجو .... بالتوفيق