حسنا فعلتْ القاهرة بعقد مؤتمر الشؤون الإسلامية يوم الثلاثاء 24 آذار بعد ثلاث سنوات على تأخيره لتسليط الضوء على خطورة الفكر التكفيري المُدمّر للإسلام وقيمه ومعانيه وإنزال أشد العقوبات على من يفتي بغير ما أراد الله وغير ما أراده رسول الله محمد(صلعم) .
وحسنا فعلت القاهرة وقد رفضت حضور السعودية وقطر لأعمال المؤتمر ، كرسالة من عموم المسلمين بالعالم بأن نهج التكفير المُتّبع في هذين البلدين مرفوض إسلاميا ودينيا وشرعيا وأخلاقيا وإنسانيا ، وأن تشويه الإسلام بإصدار فتاوى باسمه بينما هي فتاوى ذات أبعاد سياسية صرفة ، فهذا مرفوض ولا يمكن القبول به ، وأن الأمة ومؤسساتها الدينية الإسلامية الحقيقية الصادقة وفي طليعتها الأزهر الشريف ، هي لأولئك بالمرصاد ..
فيبدو لم يكن كاف تشتُت المجتمعات العربية والإسلامية ، وتخلّفها وإصابتها بالدواخ والدُوَار، ليأتي أخيرا من كهوف التاريخ المظلم العقل التكفيري الشاذ والمريض المتزمّت والمتعصّب والمتطرّف ويوجّه اللكمات القوية والمتتالية على وجهها علّه يُفقِدها وعيها وينقلها إلى حالة الاحتضار!! بماذا يختلف "العقل" الطائفي والتكفيري عن غريزة أية فصيلة متوحشة في غابات وأدغال أفريقيا حينما يبيح لغرائزه الفتك والقتل بالآخرين لمجرد الاختلاف معه بعقيدته وقناعاته ،أو بهدف فرض إرادته بالقتل وتقطيع الرؤوس وخلق نظام الحكم الذي يؤمن به بارتكاب أفظع الجرائم ، ويصبح الإسلام لديه كما عجينة اللعب لدى الأطفال وهم يصنعون منها ما شاؤوا من الأشكال والألعاب!! .
ما هذا الإيمان الذي يُفرَض بحد السيف وليس عن قناعة ، وهل الإسلام فُرِض بحد السيف أم : من شاء من يؤمن ومن شاء فليكفر .... وأن لا إكراه في الدين ... هذا عندما كان الرسول (صلعم) يهدي ويبلغ الدين الإسلامي الصحيح ، وليس دين الكفر والفسق والفجور والقتل والذبح والتوحش كما يفعل التكفيريون والطائفيون في هذه الأيام على اختلاف مشاربهم ممن لا يشهقون ويزفرون إلا الأوساخ الطائفية ولا يأكلون ويشربون إلا النفايات الطائفية ، وبين كل كلمة وكلمة هناك تحريض طائفي حاقد ، ورغم ذلك يتهمون الآخرين بالطائفية دون خجل وحياء وبصفاقة ما بعدها واستخفاف بعقول الناس وكأنها ساذجة لا تعرف الخطاب الطائفي من غير الطائفي ولا تميز بين من يُحرّض ويدعو للطائفية، وبين من يحارب الطائفية والطائفيون ويقف ضد ثقافتهم المتعصبة المُدمّرة للبلاد والعباد والتي تخدم الصهيونية العالمية ومصالح إسرائيل ... والمُضحك أن أولئك يتحدثون عن طموحهم في فتح روما بينما فلسطين على مرمى حجر منهم ، والقدس، والمسجد الأقصى يُهدَم كل يوم ولا تسمع كلمة منهم عن فتح فلسطين أو تحرير القدس أو استعادة الأقصى ...
وكأن مشكلتنا كمسلمين وعرب هي في روما وليست في فلسطين وفي القدس وها هي بجانبهم فلماذا يذهبون بعيدا إلى روما ويقفزون فوق فلسطين والقدس ؟؟ أم أن أحدا قال لهم أن المسجد الأقصى هو في الفاتيكان وليس في القدس؟؟ لو كانوا فعلا صادقين لأتوا بالبرهان واتّجهوا نحو القدس بينما الجهاد في سبيل الأقصى فرض عين وليس الجهاد لفتح روما ... طبعا رغم أن الحديث عن فتح روما لا يثير إلا الضحك ويعكس مدى ضحالة هذا العقل وحاجته للمعالجة النفسية من قبل المتخصصين النفسيين في روما وفي كل البلدان التي تتبع بابا روما .. وغير بابا روما ...وهو كما حديثهم عن الخلافة التي جرّبوها ألف وثلاثمائة عام ولم تجلب لهذه الأمة سوى الكوارث والمصائب والقتل والثأر والانتقام والكراهية والإقصاء والتهميش والفساد والتكفير كل للآخر ونمطية الحكم الملكي الاستبدادي المخالف لشرع الإسلام !!!
ألَمْ يكن هذا هو الحال في عهد الخلافة الأموية والعباسية والسلجوقية والأيوبية والعثمانية .... أم أن هناك من يجهل التاريخ ، أو يفتري عليه كما يفتري اليوم على الإسلام والمسلمين؟؟ هناك نظام واحد مقبول في عالمنا المعاصر يحترم كل مكونات المجتمع ويساوي بينها على أساس المواطَنة ، وليس التمييز بينها على أساس الدين والمذهب أو سِواه وهو النظام العَلماني الإيماني الذي يتساوى الجميع في ظله أي تكن انتماءاتهم المختلفة والذي يحترم الدين أيضا ولا يتدخل في حياة الناس الدينية ، كما لا يتدخل الدين في شؤون الدولة التي هي للجميع وليست لمذهب أو دين أو فئة أو طائفة أو عِرْق ، أو تميّز بين مواطنيها فمنهم من يصبح مواطنا درجة ممتازة وبعضهم مواطنين درجات ثالثة ورابعة وعاشرة !!
عقلية العصور الوسطى لا يمكن أن تنسحب على هذا الزمن ، والمهووس بعقلية العصور الوسطى يمكنه تطبيقها على ذاته وعلى أسرته وليس من حقه أن يفرض هذا على غيره ...الحياة تتحرك للأمام ولا توجد حركة للحياة إلى الخلف وإلا كنا بقينا في زمن السيف والترس والركوب على الحمير والجِمال والخيل وإيصال الرسائل على ظهور الدوَاب .. ومفهوم الأقليات والأكثريات هذا ينطبق في السياسة والبرلمان ضمن اللعبة الديمقراطية ولا يمكن أن ينطبق في المجتمعات بين أبناء الدولة الواحدة ففي هذه الحالة يصبح تمييزا عنصريا بغيضا ومرفوضا من كل شرائع حقوق الإنسان وعودة للسياسة النازية العنصرية وسياسة الأبارتايد التي أكل عليهما الزمن وشرب !!..
أقول ، وبكل استقلالية وموضوعية: أن يكون الشخص معارضا لنظام سياسي ما فهذا شأنه، وحقه أيضا ضمن الطرق الإنسانية والسلمية والصحيحة .. أما أن يُعارض الوجود على الحياة لكل من يخالفه الرأي والعقيدة في المجتمع، ويحرق الأخضر واليابس ليخنق حياة البشر ويحوّلها إلى جحيم يوائم حقده ، ويُغرِق الناس بظلام عقله وظلام الليل، ويُدمّر كل البُنى الأساسية التي هي ملك عامّ لكافة أبناء المجتمع وحاجة ضرورية لهم، ويصبح الموت صدفة قد نواجهها في أية لحظة بقذيفة طائشة، فهذه ليست معارضة وإنما اعتداء صارخ على حياة كل المجتمع ، وهذا إجرام وتوحش ، وحتى الوحوش لا تفعلها مع هي من ذات فصيلتها فكيف يفعلها أي من بني البشر بحق من هم من بني جنسه من البشر !!.
فأي عقل هذا الذي يعتبر أن قتل الطلاب في المدارس وذبح الناس الآمنين في بيوتهم وقُراهم كما تفعل بوكو حرام وشقيقاتها في البلدان الأخرى ، هو شكل من أشكال المشروع الجهادي ؟! وأي عقل هذا الذي يفاخر بهذه (الإنجازات) الجهادية العظيمة ؟! القتل والذبح ... !! لقد كفّروا الكثير من المسلمين بالإسلام .. وعبّئوا غير المسلمين ضد الإسلام ... قرأنا عن العقل الهتلري العنصري النازي الذي اعتبر العرق الآري من أرقى العروق واحتقر كل الشعوب السلافية في شرق أوروبا ، واعتبر العَرَب الجنس الرابع عشر بعد << القمل >> ، ودعا إلى إبادة أقوام بالكامل !! وكم تسبّب هذا العقل المريض بالويلات لأوروبا والعالم وجلبَ الخراب والدمار والموت الذي حصد أرواح عشرات الملايين من بني البشر !!
وربما أن الجنس العربي الذي قصَدَه هتلر هم من نراهم اليوم من الطائفيين والتكفيريين ، وكل من يدعمهم من المُعتدين على دين الإسلام ممن يصفون أنفسهم زورا وبهتانا وتدليسا برجال دِيْنْ وهم فقط هياكل جسدية محشوّة حقد ، وغرائز متوحشة وعقول متقيحة عدوّة للبشرية ولكل معاني الإنسانية ، ولكل أديان الله !! فكل دِين يحلل قتل النفس البريئة ويبيح قطع الأعناق والخطف والاغتصاب ، تحت أي عنوان ، هو دين معاد للبشرية والإنسانية وهذا لا يمكن أن يكون من صنع الله وإنما من صنع الشياطين ، وواجب البشرية جمعاء التنسيق والتعاون والتعاضد للقضاء على أهل هذا التفكير الشرّير الغرائزي المتوحش وكل مصانعه ومنابعه وكل من يقف خلفه وينتجه ويدعمه ويروّجه !! فالله لا يمكن أن يكون عدوا للبشر وهو من خلَقَهَم ، وأعداء البشر لا يمكن أن يكونوا إلا أعداء لله ..
ما أحَطّ وأوضعَ الإنسان، وخاصّة إن كان يحسب نفسه على النُخَب ، أي كان نوعها ، بينما يتحدث بلغة الوحوش والجهل والتعصب والحقد ولغة أولاد الشوارع وأولاد الأزقة فيحرّض على الطائفية والمذهبية ، ويزرع أو يؤجج غرائز الحيوانات في بعض بني البشر لتتحول خلافاتهم وتناقضاتهم إلى صراعات دموية كما صراع الثيران الأسبانية !! عرِفنا أن الصهيونية نظرية عنصرية تعتبر أتباع الدين اليهودي شعب الله المختار ، فتسببت هذه النظرية بملايين الضحايا والكوارث البشرية في فلسطين وجوارها الإقليمي !! وكذلك نظرية الرجل الأبيض العنصرية في جنوب أفريقيا وما جرّته من ويلات لعشرات الملايين من السود .. ولكن ماذا كان مصير كل هذه النظريات العنصرية ؟؟ طبعا منها من اندثر وأضحى من صفحات التاريخ ، ومنها من في طريقه !!.. والعقل التكفيري ، وكل عقل متعصب ومتطرف ، وكل عقل شوارعي متخلف وشرّير وشاذّ وحاقد ويلعب على أوتار الدين والمذهب والطائفة ، ليس سوى تجسيد لأشد النظريات العنصرية في التاريخ ، ومصيره كما مصير من سبقه ...
فالحياة كلها ، والكون كله خلقه الله على معادلات وسطية ومتوازنة لا مكان فيها لأقصى اليمين أو أقصى اليسار .. وإلا لما كانت حياة ولما كان كوْن ... فالليل يقابله النهار ، والرجل تقابله المرأة ، ولا يمكن للحياة أن تستمر في ظل النهار الدائم أو الظلام الدائم .. ولا يمكن للبشرية أن تستمر في ظل الذكور فقط أو النساء فقط ....وهذا التوازن في الحياة ينسحب على كافة جوانبها ... ومن يسعى للإخلال بهذا التوازن فإنما يتحدى مشيئة الله الذي لو أراد لجعل البشر كلهم على شاكلة واحدة ، ولكنه خلقهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا وليس ليتقاتلوا ويبيدوا بعضهم بعضا ، كما يريد ويفعل أعداء الله والبشرية المارقون على الإسلام وعلى كل الأديان، الذين وظّفوا أنفسهم لنشر ثقافة الحقد والكراهية بعكس أوامر الله فحرّموا حتى المُعايدة على ابن العروبة أو ابن الوطن << المسيحي>> في أعياده الدينية !!
ففي أية خانة نضع أولئك المرضى الحاقدون الذين يحللون سفك دم كل من يخالفهم العقيدة والرأي والتفكير؟ هل في خانة البشر أم في خانة الوحوش المفترسة التي تنقَضّ على غير بني جنسها لتلتهمه!!. فاستفيقوا أيها العرب وتنبّهوا أيها المسلمون ،، فهناك غول خطير يستهدفكم جميعا ، لا يفرّق بين معارض وموال ، ولا بين مذهب وآخر ، ولا بين دين وآخر !! إنه غول لا يرتوي إلا من الدماء ولا يعشق إلا الدماء وليست له رسالة إلا رسالة سفك الدماء ... فهل كان رسولكم محمد (صلعم) من ثقافة هؤلاء حتى ينسبون أنفسهم له ؟؟ حاشى للرسول من ذلك ... فليشبك الجميع أياديهم ببعض دفاعا أولا عن الإسلام في وجه التكفيريين الذين يستفزّون المسلمين على الإسلام ، وثانيا عن الأوطان ، وثالثا عن روح كل إنسان ، ومواجهة هذا الوباء الخطير الفتّاك ،، صرصر العصر ، عدو البشرية جمعاء.. وأخطر من ريح صرصر التي ذهبت بأهل عاد وثمود ...
فالأولوية اليوم لمواجهته ومن ثمّ لا صعوبة في حل أية مشاكل أخرى لاسيّما حين تتضافر كل الجهود الوطنية الصادقة والغيورة والشريفة مع بعض !! وليتأمل الجميع صرخة تلك السيدة النازحة من الجولان السوري المُحتل ، وكانت شاهدة على ما حصل من مجازر في مدينة عدرا العمالية السورية قبل هروبها منها إلى مدينة درعا :<< إن اليهود الذين أخرجونا من القنيطرة أفضل من هؤلاء الكلاب القتلة >>.. !! فتصوّروا إلى أين أوصَلنا أولئك الذين قدّموا الإسلام بأنه دين قتَلة وأن الصهاينة هم أفضل منهم ، وقطعوا رؤوس الآيات القرآنية التي دعَت كلها إلى الوسطية << وكذلك جعلناكم أمة وسطا..>> مثلما قطعوا رؤوس المدنيين الأبرياء في أماكن عدّة على أرض الوطن !!..
https://www.facebook.com/you.write.syrianews
التطرف لا يمكن ان يصلح نهج حياة على اي مستوى كان ونهاية اي شكل من اشكال التطرف هي الهزيمة وما جاء بالمقال في هذا الاطار صحيح