كالعادة: البحث قائم من كل هاوٍ سوري ليثبت نفسه، وكالمتعارف عليه: خيبة مأساوية هي مصير طموحاته، وكنتيجة غالبة: كُفَّ عن المحاولة!
نادر جداً من يصبر، فإرادته تكون فوق الطبيعية، وهذا ما يحدث في سورية اليوم، شباب كثر يصبرون إلى ما بعد الحد الطبيعي لأنهم معجونون بهذي اللاطبيعية، بكل تفاصيلها في واقعه المعاش.
بعد الأزمة السورية، نجد كثيراً من المحاولات الفنية والأدبية: أفلاماً قصيرة، لوحات، مقالات، قصائد، وفرقاً وعروضاً مسرحية.
كلها ذات أهمية، ولكن الأزمة نجحت في التسويق لها بشكل صحيح، لأننا إذا ما أردنا قول الحق، فإن كل الشباب الذي ينجح اليوم كان موجوداً قبل الأزمة وسعى بموهبته وعمله قبل الأزمة، فما كان هناك من جهة داخلية تتبنى هذي الفنون، ولا كان من الممكن للخارج أن يتبنى مواهب ليست ذات خبرة في وطنها، والاستثناءات نادرة.
في أيامنا هذه تمر فرقة رقص مسرحي سورية بتحدٍّ كبير على خشبة برنامج المواهب العربية (Arabs Got Talent) تم قبولها من قبل لجنة التحكيم، وترشحت لمرحلة نصف النهائي بتميّز، ومن ثم للمرحلة النهائية.
فرقة سمه للمسرح الراقص، شباب بعضهم من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، وبعضهم الآخر مازال طالباً. تأسست هذه الفرقة في سنة 2003 أي مضى على تأسيسها 10 سنوات، مكونة من 35 راقصاً. بدأت الفرقة بصعوبة بالغة في سورية، بحماسة كبيرة، حاولت كثيراً اغتنام كل الفرص كي تقدم مسرحاً راقصاً راقياً بأكاديميته، فسرعان ما قدمت عرضاً من عروضها في مسرح الحمرا: في سورية، حين سنحت الفرصة بذلك بمناسبة يوم المسرح العالمي، فيما بعد، بدأت تخطو خطوات أكبر، فقامت بتقديم عروضها في لبنان والفجيرة ودبي وعمان.
ومع كل ذلك، فإن سألت الشباب السوري قبل برنامج(Arabs Got Talent)عن فرقة سمه للرقص المسرحي، فإنك يمكن أن تلتقي بمن قد سمع بها، وبقليل ممن حضروا عروضها في دمشق، أما في باقي المناطق، فنادراً أن تجد أحداً يعرفها، كل ذلك ناجم عن التراجع الثقافي في سورية وفي الوطن العربي، بينما في الوقت الراهن، فإن الشعب السوري والوطن العربي كله يعرف (سمه للمسرح الراقص)من برنامج(Arabs Got Talent). ويبقى السؤال: هل كل من عرف وشاهد سمه، يفهم ما تقدِّم سمه؟؟
الآن، شباب فرقة سمه في مواجهة كبيرة، فكم يعاني الأكاديمي من تنظير غير الأكاديمي؟ حكايتهم مريرة وما من سواها حكاية لديهم. تروي وجع الفقدان للانتماء بأمان، انتماء يعرض نفسه بصورة مفجعة تجعل القرار حاسماً، بأن شرف التجربة والتحايل للوصول لا بأس به، ما دام الوصول بطرق مثلى معدوماً تقريباً.
شباب متقن يعرف تماماً ماذا يفعل وكيف يصمم رقصاته وحركات الراقصين وآلية تصميم أو انتقاء الموسيقا لكل عرض، يقف بمواجهة لجنة تحكيم، إن كانت تفقه فهي لا تفقه إلا السطحي القليل، وهذا ملموس من خلال مسيرة كل منهم ونتاجه العملي (وما يسميه هو بالفني)، أيا يكن وبتجاهل القيمة الفنية للجنة التحكيم التي تستقبل مواهب ذات قيمة فنية راقية أحياناً لا تقارن بالمستوى الثقافي لها. وبعيداً عن إيديولوجية المحطة التلفزيونية، نبقى بالشباب السوري، شباب لم يجد واجهة إعلامية شهيرة يقدم نفسه فيها أكثر من واجهة قناة (MBC4) المتابعة بكثافة، فسعى كي يقدم نفسه على أية حال، وهو يترك الحكم للجمهور إن كان التصويت عادلاً ولا لعب بنتائجه. فهدفه هو الجمهور، الجمهور المثقف الذي يعي قيمة المسرح الراقص، وكل ما عدا ذلك هو ظروف إجبارية لا تهم الأكاديمي، وخاصة أن وطنه اليوم يشاركه الرقص على أنغام الأزمة.
في العرض الأول كانوا 6 راقصين، وفي العرض الثاني وصل عددهم إلى 20 راقصاً، عروضهم كلها تحكي عن الوطن، عن الشام، عن الأزمة والصراع. بقي لديهم العرض النهائي سنرى عرضهم التعبيري عن مرض السلطة وسلطة الكرسي، وسنرى النتيجة.
كل محاولة لأي شاب أو مبدع سوري اليوم لها قيمتها، فهي تعكس تعاطي هذا الشباب مع أزمته ورأيه بها، سياسياً وإنسانياً، كلها محاولات تظهر اليوم وضريبة ظهورها عميقة في نفس كل سوري.
بالتوفيق فرقة سمه السورية للمسرح الراقص!
جريدة النور السورية
https://www.facebook.com/you.write.syrianews