الانتماءات وتأثيراتها على الدوافع والعلاقات والأهداف
كما قلنا إن الانتماء لجماعة معينة أو عدم الانتماء لها ، له تأثير كبير على الدوافع والأهداف ، فالأب يعتبر ابنه جزءاً منه , إن ابنه تابع له وكذلك بقية أبنائه هم جزء منه ومن عائلته . أما الابن فلا يعتبر أبوه أو أخوه جزءاً منه ، إنه بنية أخرى تشترك معه في تكوين بنية تشملاهما معاً هي الأسرة ، أي أخوه يشاركه في تكوين بنية شاملة لهما ولبقية أفراد الأسرة ، وهذا الانتماء أضعف من الانتماء الأول الذي هو انتماء الابن للأب .
فالانتماء وطبيعة هذا الانتماء له تأثيرات كبيرة على الدوافع والعلاقات . وأغلب الصراعات الاجتماعية يمكن التحكم بها ، وذلك بالتحكم بانتماءات البنيات المتصارعة .
إن أقوى الانتماءات عادة هو الانتماء للذات للأنا ( الأنانية الغريزية ) ، ثم تأتي باقي الانتماءات وبدرجات تختلف من إنسان لآخر ، ويمكن لبعض هذه الانتماءات في بعض الأوضاع أن تكون أقوى من الانتماء للذات كالانتماء للدين مثلاً أو للمبادئ أو للعشيرة أو للوطن... , والانتماءات المتعددة لكل إنسان تتداخل مع بعضها وتتفاعل ، ويمكن أن تنخفض قوة بعضها أو تزداد حسب الظروف والأوضاع.
وكل إنسان له انتماءاته الأساسية المعلنة وانتماءاته المضمرة ، وفي كثير من الأحيان يكونان مختلفين أو غير متطابقين .
وقد تبني البشر انتماءات أساسية مختلفة حسب أوضاعهم وظروفهم . فمنهم من وضع الانتماء الأسري أو العشيري أو العرقي أو القومي في الأساس ، ومنهم من وضع الانتماء الديني أو العقائدي أو الفكري في الأساس
والانتماءات لدينا غالباً تعود للأصول والجذور كأساس وبداية للانتماء فيقول المنتمون : أسرتنا ..عشيرتنا .. قوميتنا .. حزبنا .. عقيدتنا .. جماعتنا .. والتي عادة ما تبدأ من زمن ووضع معين ، مثل تكون أسرة ، أو جد ، أو أصل عشيرة ، أو قائد معين ، أو مفكر معين ...
وهناك انتماء الجماعة ذات الأهداف الواحدة أو المصلحة المشتركة ، أو المنتمين إلى مهنة واحدة ، والمقيمين أوالمنتمين إلى مكان أو أرض معينة .
الإنسان يميل إلى الانتماء دوماً
الانتماء الشعور بالقبول من الآخرين , لذلك، يرغب الأفراد بالانضمام للمجموعات لدوافع سيكولوجية مختلفة . لذلك الإنسان غالباً يميل ليأخذ موقفاً عندما يجد نفسه أمام متنافسين ويصعب عليه الوقوف على الحياد , فغالبيتنا عندما نشاهد تنافساً أو مباراة بين فريقين نتخذ موقفاً ونؤيد أو ننتمي لأحد الفريقين حتى وإن كان الفريقان مجهولين أو متساويين . فالإنسان غريزياً يسعى للانتماء بتشكيل جماعات ينتمي إليها .
فهناك الانتماءات نتيجة التشابه مثل انتماء علماء الفيزياء لبعضهم ، أو انتماء الشعراء لبعضهم ، أو الكتاب أو الفنانين . وهناك الانتماء الطبقي , لتشابه المصالح , مثل السياسيين ,الأغنياء , العسكريين , الإقطاعيين . وهناك الانتماءات الفكرية , وهناك انتماء النساء لبعضهم فيقولون نحن النساء , مقابل ما يقول الرجال نحن الرجال , وهناك انتماء الزوجة لأمها وأسرتها وانتمائها لزوجها وأسرته في نفس الوقت , المسافرون أو الركاب في حافلة ، إنهم يتعاطفون مع سائقها في أغلب الحالات عند أي مشكلة مع الآخرين , رجل في بلد أجنبي و لغة مختلفة , يقابل رجلاً يتكلم نفس لغته, إنهما فوراً يشعران بشكل من الانتماء , مع العلم أنهما لو التقيا في بلدهما لما حدث ذلك, ففي البلد الأجنبي يظهر الانتماء اللغوي المشترك لاختلافه عن لغة البلد الأجنبي
إن آليات وخصائص الدخول في انتماء أو الخروج منه يمكن تحديدها
إن الانتماءات تتشكل حسب الظروف والأوضاع الاجتماعية والمادية وهذه الظروف كثيرة التنوع , لذلك تنشأ الانتماءات المختلفة . والانتماءات يمكن أن تتضمن بعضها فالانتماء الأوسع يستوعب الأصغر . وهناك بالإضافة إلى اختلاف الانتماءات توجد درجات ومستويات في قوة هذه الانتماءات ، وكذلك اختلافات في اتساع وانتشار هذه الانتماءات لدى البشر .
فالمنتمين إلى دينهم بقوة يصعب عليهم التغيير أو الخروج من هذا الانتماء , وكذلك المنتمين إلى أسرة أو إلى عشيرة أو إلى أرض , فالخروج من الانتماء القوي ليس بالأمر السهل ولا يمكن أن يفعله أي إنسان بسهولة .
وغالباً ما ينشأ الانتماء نتيجة الأوضاع والظروف و يصعب صنعه , فصنع الانتماء ليس بالأمر السهل , و يصعب فرض الانتماء ، وإذا فرض فيكون شكلياً وضعيفاً أو كاذباً, فالانتماءات تتشكل نتيجة الأوضاع , ويمكن أيضاً أن يصنعها الإنسان أحيانا ولكن ببطء وصعوبة.
الانتماء والمصالح
في الأساس المصالح المتبادلة هي من أهم عوامل وأسباب نشوء أو تشكل الانتماءات الاجتماعية . ولكن أحيانا يسعى الإنسان للانتماء لجماعة معينة أو بنية اجتماعية معينة ( أو يدعي الانتماء إليها ) من أجل تحقيق دوافعه أو مصالحه الخاصة فقط , وفي هذه الحالة يكون انتماؤه ضعيفاً أو كاذباً . فالإنسان يمكن أن يتحكم بانتماءاته الصغيرة وغير الأساسية حسب دوافعه ورغباته ، فالفرد الذي له أخوان أحدهما جيد والآخر سيء ، نراه يميل إلى الانتماء للأخ الجيد ويتحاشى الانتماء للأخ الآخر . إنسان يعادي أخاه أو ليس على وفاق معه ويهاجمه وينتقده ضمنياً , ولكن هذا الأخ في مركز مرموق، نراه عندما يتكلم مع الآخرين عن هذا الأخ يتحاشى عداءه ويفتخر به كأخ ويفتخر بالانتماء له . فالانتماءات غير القوية يتم التعامل معها و تفضيلها واختيارها أو استبعادها وهي ليست مفروضة دائماً ، والمنفعة والأفضلية الذاتية تتحكم أحياناً في الانتماءات . .
الانتماءات الفكرية والعقائدية
إن كل منتم يرجع في انتماءاته إلى أصول ومراجع فكرية ينطلق منها ، فمنهم من يرجع إلى ذاته فقط (أنا وفقط أنا ) , ومنهم من يرجع في الأصول إلى بضع عشرات من السنين , ومنهم من يرجع بضع مئات ، ومنهم من يرجع بضعة ألوف أو بضعة ملايين , فاليهودي يرجع إلى موسى عليه السلام , والبوذي إلى بوذا , والماركسي يرجع إلى أصول قريبة ماركس ولينين وغيرهم , ومنهم من يرجع إلى الأصل الإنساني العام (الإنسانية ), ومنهم من لا يكتفي بهذا فيرجع إلى بنية الحياة ككل كانتماء أساسي له ويجعل كافة الكائنات الحية ( الحيوانات والنباتات ) في أصل مشترك معه ويكون هو وكافة الكائنات الحية ومع الأرض في بنية واحدة ينتمون جميعهم إليها ومن هؤلاء جماعة الخضر أو السلام الأخضر , ومنهم من يعود إلى الوجود وأصله كأساس لانتمائه فيكون هو جزءاً من هذا الوجود مثل باقي الموجودات - وحدة الوجود - سبينوزا هيغل وابن عربي وغيرهم .
أهم الانتماءات الفكرية لدينا
إن الإنسان عندما يفكر بعظمة واتساع الكون والوجود ولا نهائيتهما ويجد بأن هناك الكثير من البنيات الأخرى الأوسع , والأشمل , والأقوى , والأطول عمراً, والأرقى والأسمى منه بكثير يشعر بالضآلة والإحباط ، فهو يجد نفسه تافهاً وصغيراً وعديم الأهمية وهذا يؤلمه كثيراً، إنه يريد إثبات وجوده وأهميته التي يشعر بها ويعيها , ولكن الواقع المعاش يشعره بغير ذلك ، فهو يجد نفسه صغيراً وضعيفاً وليس له تلك الأهمية .
لذلك نجد أن كل منا يرد على هذا الوضع حسب وضعه وظروفه وإمكانياته ، ونجد أن الكثيرين منا التجؤوا إلى الخالق الله عز وجل وإلى الدين لكي يعطيهم القوة على تحمل ذلك الوضع ، فهم اختاروا الطريق الصحيح ونجحوا في هذا الاختيار ، فانتماء الإنسان إلى الخالق القوي العادل العظيم السامي يشعره بالقوة والأمان والاطمئنان .
المفكرون والأقوياء وعلاقتهم بفرض وخلق الانتماءات
إن بعض الناس لهم قدرة فائقة وأحياناً خارقة على تحقيق دوافعهم وأهدافهم حتى في أصعب الظروف، فلديهم القدرة الجسمية والعصبية والنفسية والفكرية لتحقيق أصعب الأهداف ، ولديهم أيضاً القدرة على التصميم والمتابعة إلى مراحل متقدمة جداً ، وبالتالي لهم قدرات خارقة على النمو والتملك والسيطرة . إن هؤلاء الأقوياء يقومون بخلق الانتماءات سواء كان الانتماء إليهم أو لبنيات أخرى , أو إلى الأفكار والمبادئ التي يوجدونها . وهؤلاء الأقوياء يمكن أن يكونوا خطرين جداً كما يمكن أن يكونوا مفيدين جداً على باقي أفراد الجماعة وعلى البنيات الاجتماعية .
للانتماءات دور أساسي في نشوء العنصرية والطائفية .
فالانتماء القوي لجماعة أو لعقيدة هو أساس العنصرية . فانتماء الفرد لأي بنية , أكانت ذاته أو أسرته أو جماعته أو بلده أو عقيدته تجعله يعطي الأولوية لهذه البنية ويجعلها مميزة وأهم وأفضل من البنيات الأخرى المشابهة . إن الأنانية والعنصرية والطائفية لها عواملها ومسبباتها وأصولها البيولوجية والاجتماعية , ولها دورها ووظيفتها الفردية والاجتماعية أيضاً .
إن دافع أنا أو نحن الأفضل , أو مكانتي أعلى , هو أساس الأنانية و العنصرية والطائفية , وهو أصل ومرجع أغلب الصراعات والحروب والتنافسات والسعي للتفوق على الآخرين .
بالنسبة لنا نحن البشر , غالبيتنا العظمى تقول : أنا الأفضل, أنا الأحسن, أنا الأهم, أنا الأساس, أنا المرجع, أنا الموجود, أنا الأسمى....., وإذا كان غير ذلك , عندها تصبح نحن الأفضل , أصلي هو الأشرف , ابني هو الأفضل , بلدي هو الأفضل , ديني هو الأصح , جنسي هو الأفضل ,وعندما يكون تفوق الآخرين واضحاً, أقول هم أحسن في كذا وكذا , لكن هذا غير مهم و غير ضروري, فنحن أحسن في كذا وكذا وهذا هو المهم والضروري, وأهدافنا هي الأفضل , مبادئنا هي الأفضل , أصلنا هو الأفضل...., تبريرات كثيرة والمهم في النهاية أنا , ونحن لا يمكن أن نكون سوى الأفضل , فهذا ما نريده ونرغب به , ونريد أن نشعر به وأن نحقق المكانة الأعلى.
الانتماء والتعصب
المقصود بالتعصب هو الانتماء القوي لجماعة معينة أو عقيدة معينة أو أفكار معينة مع رفض ومعاداة أو تحقير الآخرين المختلفين ,والتعصب يتضمن فرض إرادة المتعصب على الآخرين المخالفين له فيسعى لفرض أفكاره وقيمه وعقائده أوخياراته وأهدافه عليهم وهذا يمكن أن يحدث في الكثير من مجالات الحياة. والملاحظ أن المحافظين بطبعهم هم متمسكين أكثر بمبادئهم وأفكارهم ويصعب عليهم تغييرها أو تعديلها , ولكن ليسوا كلهم متعصبين , فالمثقفون والمطلعون على المعارف أكثر ، غالباً هم ليسوا متعصبون ويقبلون الآخر ومبدأهم عش ودع الأخرين يعيشون بعكس المحافظون ذو التفكير والثقافة والمعرفة المتواضعة فهم غالباً متعصبون ويرفضون ويعادون المختلفون عنهم , ويريدون فرض أفكارهم ومبادئهم على الأخرين . والديكتاتورية شكل من أشكال التعصب .
ولكن ماذا يحدث عند وجود جماعتين مختلفتين في الانتماء والمصالح و متصارعتين , في هذه الحالة هناك دوافع كبيرة للتعصب لدى كل منهما ويصعب إزالته , وأكبر الأخطار عندما تكون هاتين الجماعتين ضمن دولة واحدة , وعندها تحدث أكبر الأضرارعلى تلك الدولة . إن التعصب ينتج أكبر الأضرار عندما يكون مترافق مع الجهل وقصر النظر وعدم المعرفة , فيحدث رفض قاطع للآخر . وللانتماءات المختلفةدور أساسي في حدوث الصراعات والحروب .
الانتماء والبنية الجزئية والبنية الكلية
إن كل بنية مادية أو حية أو اجتماعية أو فكرية... , هي تتألف من بنيات جزئية ويكون لكل منها وظيفة أو دوراً محدداً في تلك البنية الكلية ، أي أن هناك علاقة انتماء محددة ( أو وظيفة ) بين كل بنية جزئية وباقي البنيات التي تكون البنية الأساسية ، وهذا ما يعتبر طبيعة الانتماء وهو الذي يحدد نوع الانتماء وبالتالي العلاقات بين البنيات الجزئية مع بعضها ومع البنية الكلية الشاملة لهم مثال :
بنية الأسرة , الأب والأم والأولاد هم بنيات جزئية في بنية كلية تشملهم هي بنية الأسرة ، وكل منهم ينتمي إلى هذه الأسرة وله دور ووظيفة فيها، وحسب طبيعة هذا الانتماء تتحدد الوظيفة وبالتالي العلاقة مع باقي أفراد هذه الأسرة .
علاقة الفرد بالجماعة وعلاقة الجماعة بالفرد هي :علاقة البنية الجزئية (الفرد) بالبنية الكلية (الجماعة)التي تضمها أو تنتمي إليها" . ولكل بنية جزئية دور و وظيفة في البنية الكلية التي هي جزء منها أو تنتمي إليها . وكل بنية يمكن أن تكون بنية جزئية في عدة بنيات تشملها , وأيضاً يمكن أن تكون هي بنية كلية لبنيات هي أجزاء فيها .
إن العلاقات أو التأثيرات المتبادلة بين البنيات الجزئية والبنية التي تشملهم تخضع لآليات وقوانين أساسية يمكن تحديدها والتعرف عليها . والعلاقات أو التأثيرات المتبادلة بين البنيات الجزئية والبنية الكلية التي تشملهم أو التي يكونوها هي من أهم العلاقات في هذا الوجود , وهي تشمل كافه أنواع ومستويات بنيات الوجود الفيزيائية والكيميائية والبنيات الحية والبنيات الإجتماعية والاقتصادية والسياسية والبنيات التكنولوجية .
ومن أهم عوامل تطور وارتقاء بنيات الوجود وبالتالي تكوّن بنيات جديدة ذات خصائص جديدة هو: تكون بنيات كلية من مجموعة بنيات جزئية , وتبادل التأثير بين البنيات بكافة أنواعها وأوضاعها ومستوياتها , فهذا يوسع مجالات التفاعلات بين بنيات الوجود بشكل لامتناهي ، وبالتالي يسمح بتكون بنيات جديدة وفي كافة مجالات ومستويات الوجود.
تفرض البنيات الشاملة تأثيراتها وقواها على بنياتها الداخلية ( إو الجزئية )التي تؤلفها, وكذلك العكس تفرض البنيات الجزئية تأثيراتها على البنية الشاملة لها, وهناك أيضاً تأثير البنيات الداخلية على بعضها , والنتيجة تكون محصلة كل ذلك, فيمكن أن تفرض البنيات الكلية تأثيراتها وأنظمتها, وتخضع كافة بنياتها الجزئية إلى آلياتها وأنظمتها , وهذا يحدث عندما تكون هذه البنية متماسكة وعالية التوازن والاستقرار, وبالتالي تنتظم كافة - أو أغلب- التفاعلات لهذه البنيات بناء على خصائص البنية الكلية , وهذا نجد مثالاً عليه في بنية الكائن الحي, فكل كائن حي مؤلف من بنيات كثيرة , خلايا, وأجهزة, وأعضاء, و كل منها هو بنية قائمة بذاتها
وكل هذه البنيات تتشارك و تنتظم ضمن البنية الكلية للكائن الحي, وهذا يلغي تقريباً كافة الصراعات أو التناقضات بين تلك البنيات لأنها أصبحت ذات انتماء واحد هو بنية الكائن الحي, حتى في حال وجود درجات و أفضليات وتخصصات بينها, فهي تخدم وتتوافق مع بنية الكائن ككل. وكذلك الدولة التي تكون أنظمتها وقوانينها فعالة في تأثيرها على الأفراد والمؤسسات و كافة البنيات التي تتضمنها, فتراعي متطلبات هذه البنيات وتحقق أكبر تماسك واستقرار لها , مع نمو عام ولكافة هذه البنيات, وتكون التناقضات و الصراعات العشوائية في حدها الأدنى . و بعكس والدولة التي تكون قوانينها وأنظمتها متضاربة وغير فعالة ولا تناسب أغلب بنياتها, وتكون التناقضات والصراعات بين بنياتها عشوائية وكثيرة ولا تناسب أغلب بنياتها وتعيق نموها, وبالتالي تعيق نمو هذه الدولة ككل.
فعندما تخرق التعاون والانتظام بنية أو عدة بنيات و لا تمتثل للانتماء العام, ويصبح هدفها - أو دافعها- خاص بها أو مختلف عما هو مطلوب منها - مثل الخلايا السرطانية التي تسعى للنمو والتكاثر وبعزل عن بقية خلايا الجسم المتكافلة مع بعضها -, تتهدد بنية الكائن الحي ككل وبالتالي كافة بنياته الجزئية , ويمكن أن يدمر الكائن الحي .
فكما ذكرنا هدفت العادات والتقاليد والأديان والعقائد والتشريعات والقوانين , إلى تحقيق التوافق والتماسك للمجتمعات , بالإضافة إلى تحقيق حاجات ودوافع الأفراد , مع المحافظة على البيئة في بعض الأحيان.
كل إنسان يمكن أن ينتمي إلى الكثير من البنيات الاجتماعية ( أسرة – عشيرة – مصنع – شركة- حزب – دولة ......الخ ) ، وعند انتمائه لأي بنية اجتماعية يصبح بنية جزئية فيها ، وتفرض عليه التأثيرات وبالتالي التصرفات التي تفيد هذه البنية الاجتماعية ، أي الآليات والقوانين والقوى التي تساهم في تشكيل واستمرار ونمو هذه البنية .
لذلك كل إنسان يعيش في مجتمع وضمن بنيات اجتماعية يفرض عليه ما يفيد هذه البنيات ، وهذا يتعارض في أغلب الأحيان مع ما يفيده (أو الخير له) أو ما يمتعه ، فيجب التوفيق بين هذين المفيدين , المفيد للفرد والمفيد ( أو الخير ) للبنيات الاجتماعية والمجتمع ككل .
إن المفيد ( أو الخير ) للمجتمع غالباً ما يكون مفروض على الفرد , و يمكن أن يكون تأثيره على الفرد أقوى من تأثير المفيد (الخير الذاتي ) لديه ، ونحن نلاحظ أمثلة كثيرة على ذلك مثل : تحمل الآلام والتضحية وبذل الكثير, وأحياناً الموت في سبيل الأولاد أو الأسرة أو الوطن أو الدين ... ، فهذا يكون في سبيل المفيد للبنيات الاجتماعية وليس المفيد للفرد .
يجب تحقيق التوافق بين المفيد للمجتمع والمفيد للفرد، أي يجب أن يحقق المفيد لكليهما ، هذا إذا أريد تطور ونمو واستمرار المجتمع وأفراده في نفس الوقت ، فالتضارب في التأثيرات والدوافع والأهداف المفيدة للفرد مع التي هي مفيدة لبنيات المجتمع يؤدي إلى ما هو ضار أو معيق لبنيات المجتمع وللأفراد معاً .
ويجب أن نلاحظ أن من يفعل ما يضر بالمجتمع , ليس ضرورياً أو حتمياً أن يضر نفسه ، فيمكن أن لا يرد المجتمع على ذلك ، لضعف استشعاره بهذا الضرر ، أو لضعف الرد عليه ( نقص القوانين والأنظمة أو محدوديتها أو ضعف تنفيذها ) .
ونحن نلاحظ دور العقائد والأديان والأخلاق الهام جداً في التوفيق بين المفيد للفرد والمفيد للمجتمع ( مع أنها أصبحت غير كافية الآن ) .
فالتلوث الذي يحدثه الأفراد وباقي البنيات الاجتماعة ( زراعة وصناعة وغيرها ) لم يتأثر المجتمع بضرره أو لم يظهر هذا الضرر إلا بعد زمن لذلك لم يرد عليه ، ولكن عندما ظهر تأثيره الضار حدث الرد ، وذلك بإحداث قوانين وأنظمة تمنع أو تحد من التلوث .
وهذا معناه أن المجتمع وبنياته تستشعر ( أو تتأثر ) بما يفيدها وما يضرها وذلك بطرق وآليات خاصة بها وهي ترد بقوى وتأثيرات على ذلك ، ونحن نشاهد مجتمعات متطورة استطاعت المحافظة على نفسها وتطورها ونموها نتيجة كونها تطورت بشكل ملائم وفعال ، ومجتمعات مازالت متخلفة في تماسك وتطور بنياتها وقوانينها وأنظمتها .
إن أغلب استجاباتنا وتصرفاتنا ومبادئنا وتقييماتنا هي ناتجة عن ما اكتسبناه من المجتمع الموجودين فيه . وتوحيد الاستجابات والتصرفات والتقييمات ضروري لتماسك المجتمع ونموه , وله دور كبير في انتظام العلاقات بين الأفراد والمؤسسات . لكننا الآن نلاحظ تفاعل وتبادل التأثير للمجتمعات المختلفة مع بعضها , وهذا ما ينتج الآن غالبية التناقضات في العلاقات الاجتماعية ضمن المجتمع الواحد عندما يتفاعل أفراد أو جماعات من مجتمعات مختلفة مع بعضهم , وتتفاعل مجتمعات مختلفة مع بعضها .
السعي لتوحيد الانتماءات الاجتماعية المختلفة :
1- بإنشاء الدولة الحديثة , دولة المؤسسات التي لديها دستور وتفصل السلطات فيها , ولها تشريعات وقوانين يخضع لها كافة الأفراد بغض النظر عن انتماءاتهم المختلفة , فهذا يجعلها بنية متماسكة (ينتمي لهاكافة أفراد الدولة) تنمو وتتطور بشكل جيد . ولكن هذا ليس بالأمر السهل أبدا , فهو يحتاج لوقت طويل لتحقيقه .
2 – بتوحيد الأفكار والتوجهات عن طريق وسائل الإعلام , وذلك بالتعامل مع ثقافات وعقائد الأفراد المختلفة بشكل يسمح بتطورها وتعديلها لتصبح مناسبة بإلغاء تأثيراتها السلبية التي تولد التناقضات والصراعات . وهذا هام جداً وهو من أصعب الأمور نظراً لصعوبة تغيير الموروث الاجتماعي المختلف للأفراد أكان ثقافياً أم عقائدياً .
3 – التعامل مع التناقضات والصراعات الموجودة والناتجة عن اختلاف وتضارب الانتماءات من خلال تشريعات وقوانين مناسبة تحقق إلغاء تأثيراتها السلبية والضارة .
العلاقات مع الغريب أومع الآخر .
ليس بالضرورة أن يكون الآخر أو الغريب الذي له انتماءات مختلفة عنا أن يكون خصم أو عدو , حيث يمكن لنا أن نستفيد منه ونتعاون معه كما في التجارة , أو نتعامل معه بأمور أخرى ونتبادل معه ما يفيدنا ويفيده , بتحويل التناقضات والصراعات معه إلى صفقات بإجراء تبادلات أو تعاونات معه مفيدة لنا وله . مثال ألمانيا وفرنسا تحاربتا سابقا والآن ضمن بنية واحدة هي أوربا الموحدة . ويمكن في غالبية الأحيان إيجاد مصالح مشتركة وتعاونات مع الآخر وتحاشي التناقضات والصراعات معه .
يمكن أن تضم البنية الأقوى والأوسع البنية الأصغر أو الأضعف وتستوعبها بالقوة أو بطرق أخرى ضمن بنية أكبر متماسكة وقوية ,
https://www.facebook.com/you.write.syrianews