1- وفي إحدى الأيام ، قرر عدد من الموظفين الاستعانة بفرويد في مرقده قبل أن يتعرض للسطو في مقبرة غولديرز غرين شمال لندن . كان بعضهم يرى بكل بساطه أن الرجل إذا ما قام من مرقده فلن يُواجه على الأرجح الكثير من العناء في تشخيص حالة مروان المَرَضية ، ولوجد أنه يُمثل حالة نمطية لكراهية مفرطة للذات وللآخرين لفشلها في الحياة على كافة الصعد شكلت دافعاَ قوياً للانتقام وصل حد الإسراف بسبب إحساس خاص بالظلم . في حين رأى آخرون التريث لحين الاستماع إلى ما سيقوله فرويد خاصة وإنهم أصبحوا على أبواب المقبرة .
2- قام فرويد متثاقلاً وهو يتمتم بكلمات لا يفهم معناها سواه . واستوى في جلسته على عتبة مرقده ، وأخذ يستمع إليهم بأناة وصبر وهم يتحدثون إليه . وأحدق بهم هنيهة لامساً بأطراف أصابعه جبهته المتجعدة مثل صفحة صحراوية كأنه يُحاول أن يسترجع إلى ذاكرته صورة قديمة ، وقال لهم ، وهو يعبث بلحيته التي طالت حتى بلغت سرته ، ليش جاين لعندي . ألم تقرؤوا كتبي . سمعت إنها تُرجمت إلى لغات عديدة . فقالوا بلى ولكننا لم نجد فيها ما يُعيننا على الفهـم . فقـال مهلاً مهلاً دعوني إذاً أنظر في الأضابير ، ما إسم صاحبكم ؟ فاحتج الجميع على الفور وقالوا ما هـو لنا بصاحب ، هو صاحب مدير المخزن ، وإسمه مروان والناس بتسميه أبو صفعان من كثرة ما كانوا يصفعونه على قفاه في المدرسة لكسله وغبائه ، وكان يُقيم معه في الدار طيلة فترة عمله في الخارج والتي بلغت عشر سنوات .
3- نادى فرويد على سكرتيرته فريدة التي ترقد في قبر مجاور لا يبعد كثيراً عن قبر زوجته مارثا ، وسألها أن تبحث في الأضابير عن هـذا الإسم . فعادت وهي تحمل إضبارة كُتب عليها إسم الهر مروان ، وقام فرويد على الفور بتقليب الأوراق وقال لهم نعم لقد تذكرت الآن صاحبكم ، "يستدرك" عفواً أقصد صاحب مدير المخزن .. جـاء يومها يمشي بحواس شاردة وهو يمتص إبهامه بعصبية ، وتنبعث منه رائحة مبهمة تشبه رائحة دم قديم .
نعـم لقد تذكرته الآن تماماً كان يلهث أمامي بدون أن يتحدث ، وقدرت أنه خارج من سباق أو ربما جاء من مكان بعيد ، فانتظرت ، وأنا اضع يدي على أنفي ، إلى أن تهدأ نفسه فترة من الوقت ، ولكن هذا لم يحصل وأخذ يتحدث إلي بلسان ثقيل وهو يلهث أيضاً ورزاز لعابه يتطاير من فمه حتى غطى يدي وكامل وجهي . كان حاله في ذلك مثل حال صديق الإنسان الوفي إن تحمل عليه يلهث وإن تدعه يلهث . وتذكرت ساعتها صديق العائلة بارني كان ضخم وعيونه صغيرة وغائرة في رأسه أيضاً.
4- بدا السرور واضحاً على الوجوه فسارعوا في السؤال ، وماذا قال لك ؟ ولماذا جاء إليك ؟ فأجاب طلبت منه أولاً أن يُحدثني عن عمله الحالي وعائلته التي نشأ فيها وعن زوجته وعدد أفراد اسرته قبل أن يعرض عليّ مشكلته ، وفكرت ابعته لعند الدكتور إدلر إذا ما كان بدو يحكي . رفض في البداية الخوض في هذه التفاصيل وقال لي أنا جاي ألك أنا كرهان حالي وبس ، وبدي حل لمشكلتي لأني مالي شايف طريقة أهرب فيها من هالحالة غير الأكل حتى صرت متل ما لك شايف . فقلت له نعم نعم هذا واضح . كان كرشه المدور ، والمحشو بفضلات الطعام مثل كتله من المطاط ، مستودع لكل الأمراض ... لكن لسانه غدر أخيراُ بسره وقال أن والده أحضر له بسكليته صغيرة مستعملة عندما كان في الصف الرابع يلعب بها في الحارة بالصيف ... إلى أن قامت البلدية بهدم الدكان والدار لتوسيع الطريق العام . ( يتضمن الملحق رقـم 1 نص أقوال مروان لفرويد ) .
5- فقالوا لفرويد خلص فهمنا الموضوع ، وسارعوا في المغادرة إلا رجل منهم بقي ليدفع ثمن الزيارة . فالتفت فرويد إلى سكرتيرته فريدة ، قبل أن تعود أدراجها إلى مرقدها من جديد ، وقال لها مساكين هالناس كان بدي لسه أحكيلون كمالة القصة بره . فقام الرجل بوضع ورقة نقدية قيمة 5 شلن أمام فرويد وقاله خلص ما عاد بدنا نسمع شيء . تشوس . مد فرويد يده وأخذ الورقة وقام بدسها في جيبه وهو يقول لسكرتيرته ـــــــ ما فيش فايدة..غطيني يا فريدة .
في بيت الشيطان المظلم
6- وكان مروان قد انكفأ ، وهو يرتدي رداء الأفاعي ، إلى بيت الشيطان المظلم الذي طالت اقامته فيه ، وانطوى على نفسه بعد إحساسه في العمق بأنه الطرف الخاسر الذي سينحدر في نهاية المطاف إلى عتمة وظلمة أنفاق الكآبة حتى الوصول إلى حواف الجنون . كان مثل الضبع الجريح الذي يبتعد عن سربه ويتوارى في كهفه حتى يبرأ أو يموت .
7- وأخذت حالته تتطور من سيء إلى أسوأ حيث أصبح قرناه أطول مما كانا عليه وأثخن ، وأخذ شعر حواجبه المثلثة الثقيلة ينمو بكثافة حتى غطى عيناه شبه الزرقاوتان الغائرتان في رأسه الأجوف . وأصبح جسمه كله يُغطيه شعر اسود كثيف مثل سواد الليل الذي أتى منه . وبدأ وزنه يزداد باضطراب أكثر مما كان . وأخذ صوته يجف في حنجرته اليابسة التي تتقلص كل يوم حتى أصبح مثل فحيح الأفاعي ، وكذلك فإن ذيله كان يطول باستمرار حتى أصبح من المستحيل إخفاءه في ذلك السروال الذي استعاره من رفيقه غياس الذي أوهمه بأنه أحضره من مكة بعد أن غسله إيد بإيد مع مروانة ثلاث مرات بماء زمزم . وكان يشعر بأنه تحول تماماً إلى نوع غريب من البهائم الأليفة يمشي على قدمين . وكانت مخاوفه تتركز في أن من عادات أهل المدينة في العيد الكبير ذبح الأضاحي وتجفيف لحومها على خيوط العنكبوت الممتدة بين أغصان الأشجار والبيوت .
8- وكان طائر الصدى قد عَبَر بسلام برزخ الأمان في نهاية رحلته الطويلة من غابات الجبل الأسود ليأخذ بثأره . وأهتدى بدون عناء إلى بيت الشيطان المظلم من هذه الرائحة المبهمة التي تنبعث منه . وهبط برفق على النافذة التي يتركها مروان مواربة طيلة الوقت لتهوية البيت . وبدأ يرقب مروان وهو يترنم بصوته الجاف القبيح بأغنية يرددها دائماً .. طن التلفون يا حبيبي وأنا عالبكون .. طن التلفون يا حبيبي وأنا بالفيزون .. طن طن .. طن طن .. يا حلاوة يا حلاوة .
9- لم يتمكن مروان من سماع رفيف أجنحة الطائر القادم ليقبله قبلة الموت بعد أن يضع يده على أنفه ، ويستدرجه إلى أقبية العالم السفلي الذي يبدو أعمق غوراً من العالم الذي دمر فيه أرواحاً لم يكترث لها . كان مروان أوهج بطبعه لم تنزل السكينة يوماً على روحه القلقة ، يميل بشكل طبيعي للثرثرة بلسان ثقيل إلى درجة يشعر فيها من حوله بالغثيان ، ويُكثر من استخدام حركات يديه ، مثل قرد العم عثمان أول سوق الجمعة ، وهو يتحدث بصوت يخرج من أحشائه أقرب إلى الصراخ بسبب إصابته بثقب في طبلة أذنه اليسرى نتيجة لطمة قوية في المدرسة من جلاد على شكل معلم بسبب حركته الدائمة في الطابور خلال تحية العلم الصباحية .
10- وفي أحد الأيام صحا مروان من نومه إثر حلم مزعج انتهى بموته خنقـاً بحبل من مسد على يد شخص يعرفه جيداً منذ عشرات السنيين في ثلة من الرجال المفترسين كانوا يُمسكون بتلابيبه ويشدونه إلى الخلف وهم يُهمهمون بألفاظ مُبهمة . كان وجهه يُنذر بالشقاء ومثالاً للتعاسة والخيبة . وكان ينام بملابسه حيث الأنوار مضاءة وستائر الخوف مسدله طوال الوقت خشية تسلل أطياف ضحاياه بثياب الرهبة للانتقام منه في هذه الحياة الدنيا قبل أن تتناوله عدالة السماء في اليوم التالي . أبعـد مروان الستائر بحثاً عن نسمة هواء من النافذة يُنعش بها صدره المليء بنواياه العفنة . وأرسل بصره الغائم إلى ما وراء النافذة عبر قبة بلون الزمن ترفرف من ورائها راية وطنية كبيرة وعالية بألوان زاهية جميلة . وشعر باليأس يكتم آخر أنفاسه ، وبأنه يفتقد للطمأنينة النفسية والروحية ، وبأنه مجرد عابر للحياة يعيش في عالم الوهم والمال الأسود الذي يتدفق بين يديه .
11- وسرعان ما تَرَاءى أمام ناظريه أن القبة بـدأ ينزاح جزء منها كبيضة تتكسر قشرها لتخرج منها أطياف روحانية تمكن أن يتعرف على ملامح بعضها ممن قذف بهم خارج المخزن إلى المجهول تتراقص أمام مخيلته المريضة تحاول التسلل إلى البيت للوصول إليه ، وشعر كأن هذه الأطياف ربما كان عندها شيء تقوله ، ولكنها كانت من المؤكد تسعى لموته على الفور . فيحاول محوها بأقصى ما يستطيع من سرعة وعنف وهو يحدث نفسه قائلاً ــــــ لا لا أنا لم أرتكب أي خطأ .. إن الخطأ الوحيد الذي أرتُكب ارتكبه الآخرون بحقي عندما لم يُعيدوني إلى عملي ومنعوني من دخول المخزن ، ولم يكتفوا بذلك بل حتى نسبوني إلى الرذيلة وأنا لا أعرفها ولا أخواتها ... هؤلاء جنوا على أنفسهم . كان مروان يقف أمام النافذة وقد وصل إلى حافة الجنون وعيناه المنطفئتان في رأسه الأجوف تذرفان دموع حمقاء ملوثة لتبرير الفشل . كان يبكي ضعفه وهزيمته وهوانه على الناس . وبـدا عليه الرعب وكأنه بالفعل إنسان ملاحق من الجميع بمن فيهم حتى زوجته مروانة .
12- وأدرك مروان أخيراً أنه أمام مخلوق مجهول لم يتمكن من التعرف عليه في مرآة ذاته بعد أن تورط في الانزلاق في مسارب لا علم له بها ، ولا دخل له فيها . كان يُوهم نفسه بأنه يعيش في طمأنينة وسلام . فالبلاهة عادة ما تجلب لأمثاله مثل هذه المشاعر الخادعة . وُخيل إليه أنه يسمع وقع اقدام بطيئة وثقيلة قادمه نحوه تريد القضاء عليه فتهيأ لإطلاق صرخته الأولى . وراودته رغبة عارمة في الانقضاض على جرذان البيت المذعورة بذيول مبتورة والتي حسبها وليمة جيدة . فاطلق زفرة طويلة وأشاح بنظره عن النافذة حتى غرق على الفور في سبات عميق من شدة الخوف الذي يستوعب الصدر ، ولكنه حلم برجال يُلاحقونه في المنام بدون أن يعرف تماماً ما يُريدون منه .
فاستيقظ من جديد بشكلٍ عنيف ولم يكن أمامه هذه المرة إلا المصحة العقلية حيث كان هناك في انتظاره د. بيسان أحد أحفاد الشيخ ابن النفيس من الجد السابع عشر الذي استقبله ، وهو يضع يده على أنفه ، وأعلمه بأنه تلقى اتصال للتوصية به من المخزن ، وبأنه ربما كان يتعين عليه القدوم منذ وقت طويل . ولكن د. بيسان رأى أنه من غير المناسب ، بسبب وضع مروان المنهار، أن يقول له أن المتصل أكد عليه في نفس الوقت بأنفاس مضطربة بعض الشيء بأن لا يتركه يطلع لبره بأي حال من الأحوال .. اصحكن تفلتوه هااا .
13- ولكن ما أن سمعت زوجته بذلك حتى سارعت إلى إعادته إلى المنزل في نفس اليوم لكونها تعلم الظروف الصعبة التي يعيشها النزلاء هناك ، ولكون مروان على وشك الرحيل من هذه الدنيا كونه مصاب بمرض غريب من عنده تعالى ترك آثار تقرحات مائلة إلى الخضرة على لسانه الذي لم يكد يَسلم منه أحد . وكانت قد سمعت بعيادة تخصصية في الشيخ دنون للأمراض النفسية ، ورأت أنه قد يكون من المفيد الذهاب إلى هناك خاصة وأن سمعة صاحبها وصلت الآفاق .
عيـادة الشيخ كربوج التخصصية في خان دنون ..
14- كان الشيخ كربوج متخصص في معالجة كافة أنواع المخلوقات التي تسكن كيانات البشر. وهو يعتقد أن شهرته وصلت الآفاق بسبب نجاحه الدائم في اخراج هذه المخلوقات ، وتمكنه في إحدى المرات من عقل إحداها من قرونها إلى سارية في مدخل داره الخلفي المطل على ساحة السوق القديمة لكي يتمكن رؤيتها من يريد .
15- عمل الشيخ كربوج من قبل مداح للنبي يُنشد أحلى الأناشيد حتى أن الناس في إحدى الأمسيات شاهدوا فيما بينهم اشخاص لم يروهم من قبل ، فساورهم الشك بأنهم من العالم السفلي صعدوا لسماع صوت الشيخ ، ومن يومها اعتقدوا أن من كراماته إخراج العفاريت ، فالقادرعلى إخراجها من أغوار العالم السفلي قادرعلى إخراجها من البطون . وكان الشيخ كربوج تغمره سعادة كبيرة وهو يقوم بهذا العمل لشعوره بأنه يُخفف عن الناس آلامها ويُعيدها إلى حياتها الطبيعية . فكان يعمل بدأب ومثابرة على تطوير مهنته وعلى حضور المؤتمرات لكي يتمكن من متابعة آخر التطورات والمستجدات في هذا المجال ، واقتناء أحدث التقنيات الجديدة والاستفادة من تطبيقاتها .
وكان حريصاَ في نفس الوقت على أن يُلبي معايير حقوق الإنسان اثناء مزاولته لمهنته خشية مثوله أو أحد مساعديه أمام المحاكم الدولية بتهمة انتهاكها . وقام باستيراد مضخة خاصة تُركب على إذن المريض لكون ذلك هـو المخرج الذي ربما كانت تفضله تلك المخلوقات في الأوقات الراهنة .
16- بـدأ الشيخ كربوج مع أحد كبار مساعديه الشيخ شحتوت في إجراء فحص سريري على مروان . ونظر بشكل خاص إلى قدمي مروان ليرى ما إذا كان مشقوق الظلفين كالشيطان ، ولكنه لم يُشاهد إلا آدميته ، لكنه لاحظ أن أصبع قدمه الصغير أصغر من اللازم لا يكاد يُشبه أصبع الآدميين فهو قصير سميك كروي كأنه مخلب لنوع غريب من البهائم الأليفة . كما لاحظ أن اصابع قدميه متسخة وأظافرها سوداء . وكان مروان قد نسي أن يلبس حذائه قبل أن يخرج من بيت الشيطان .
17- وسأله.. من شو بتشكي ؟ فقال له إنه يُشاهد اثناء دخوله غرفته في المخزن أو البيت اشباح مرتعشة وعفاريت بأجنحة خفافيش تجلس في الزوايا تحدق فيه طيلة الوقت ترصد حركاته وسكناته وتحصي أنفاسه . وإنه يُشاهد في أحلامه رجال يُلاحقونه على الدوام بدون أن يعرف تماماً ما يُريدون منه مما يزيد من خوفه .. تعبوني يا شيخ صار بدي أرتاح .. كان لن دناب طويلة وهي أول مرة بشوف ناس دنبه من قدام . فقال له الشيخ كربوج أنا كمان متلك ما شفت بس كمان ما في شيء صعب على رب العالمين ..
بيجوز كانوا ضايعين بدن يسألوك عن الطريق .. وبعدين شو صار من شان أعرف كيف أبدا .. مشي الحال تركوني بعدين .. قلتلك بدي إرتاح .. تمام تمام فهمت عليك . طلب الشيخ كربوج على الفور حضور الشيخ فصيح أحد مساعديه للحالات الخاصة للانضمام والمساعده في علاج حالة مروان .
18- كان الشيخ فصيح يعمل في مركز لتحفيظ القرآن في أحد مساجد البلدة ، وامضى عامين في السجن لارتكابه جرائم أخلاقية . وكان على درجة من القسوة حتى أنه كان يضع بعض الأطفال في المركز لبعض الوقت داخل التابوت الخشبي الفارغ الموجود في المسجد لإخافتهم حتى ينال منهم ما يريد . وكانت له هزة واضحة في الرأس يُخيل للناظر كأنه مستغرق في الاستغفار والأذكار، وقد اصيب بها بعد انكشاف أمره ، وتمْكّن أهالي الضحايا من الوصول إليه والقيام بما يلزم قبل أن يتمكن من الهرب .
وكادوا يُذيقونه ما كان يُذيق أبنائهم لولا سرعة وصول الشرطة إلى باب المسجد . وما أن دخل الشيخ فصيح غرفة العيادة حتى رمق مروان بنظرة خاطفة لا يفهم معناها سواه . شخّص الشيخ كربوج حالة مروان على الفور بأن العفاريت تسكن كيانه وتتصارع في أعماقه . واعتقد الشيخ للوهلة الأولى أن حالته نمطية يُمكن معالجتها بسهولة وبدون ألم بواسطة التقنية الجديدة التي اثبتت فعاليتها في حالات سابقة ، وأخذ يتشاور في حالته مع الشيخ شحتوت في الوقت الذي كان فيه مروان يتحدث مع الشيخ فصيح وهو يمجد حياة العزوبية وجواز الأوضاع الخلفية .
19- أخرج الشيخ كربوج المضخة الحديثة ، وبدأ في خطوات تركيبها فلم يتمكن من ذلك . كانت أذن مروان كبيرة ولاصقة بالرأس ومجوفة مثل الصَدفة تدل على العناد والغباء لدرجة الإعاقة . فأوعز على الفور لأحد مساعديه لإرسال طلبية عاجلة لشراء جهاز جديد خاص بالمعاقين لكي لا يتعطل العمل في العيادة في المستقبل . ولم يكن أمام الشيخ كربوج من بد في هذه الحالة من اللجوء إلى الطريقة التقليدية المعتادة ، ولكنه آثر عـدم ربط مروان ، كما يفعل عادة مع الآخرين ، من قدميه وتعليقه بالمقلوب إلى وتد على الحائط بل عمد إلى تسطيحه في إحدى الزوايا على طرفه الأيسر كونه لا يبدو من أصحاب السلامة والدين وذلك لإفساح المجال أمام العفاريت للخروج من حيث وكيف شاؤوا.
20- وبـدأ الشيخان كربوج وشحتوت يُوسعان مروان ضرباً بقضبان رمان يابسة بعض الشيء لعدم استخدامها منذ فترة طويلة على جميع أطراف جسده المترهل ، وهما يقولان الواحد بعد الآخر .. ولكون اطلعوا أحسن ما نفلت عليكن المربوط هـااا .. وظل الشيخان منهمكان على هذا الحال لفترة ليست بالقصيرة حتى ابتدأت أبخرة كثيفة كريهة تنبعث من منخاري مروان وهو يصرخ مستجدياً وااعيوشاه .. أبوس رجلك يا شيخ كربوج .. أبوس ط..ك يا شيخ شحتوت . وشيخ كربوج يرد عليه خلص خلص رح نخليك تبوسها بس مو هلق بعدين بس نخلص .
وسارع الشيخ فصيح لفتح النوافذ ليُساعد في تهوية الغرفة . وقال الشيخ كربوج شايفين ابن المفروكة كيف عبيستنجد بأمه عيشة خانـم بهالموقف العصيب ولا يستنجد بالله . هؤلاء نسوا الله فأنساهم أنفسهم . فأيقن الشيخان عندئذ أن مروان بالفعل تسكنه العفاريت في أعمق أعماقه إن لم يكن هو إحداها بالذات ، فضاعفوا له الضرب بقضبان الرمان التي تكسربعضها بينما كاد الشيخ فصيح أن يصيح إشفاقاً على مروان وهو يُمسك بيده ويُهون عليه ، كما انهالوا عليه بالصفع والركل بكل قوتهما وبدون توقف إلى أن سمعا صوتاً لم يتمكنا من معرفه مصدره بشكل دقيق إن كان من داخل مروان أم عن أحدهما من شدة وعزم الضرب . فتوقفا برهة من الزمن ليتبينا حقيقة الصوت .
21- اقترب الشيخ كربوج من مروان ، بعد أن وضع يده على أنفه ، وأصغى السمع .. كان أحدهم يصرخ من داخل مروان بصوت يائس .. ولك والله بدنا نطلع بس مانا شايفين من وين . كان ظلام الكراهية والحقد الدامس قاطناً في جسد وروح مرون بالتمام والكمال . اقترح الشيخ فصيح أن يتولى بنفسه أمر متابعة حالة مروان المرضية في المنزل فوافق الجميع ، بمن فيهم مروان . وبينما كانت مروانة تستعد للخروج ، كان مروان يعرض على الشيخ كربوج أن يوظف له أحد أولاده في المخزن . وعند الباب أشاروا إلى مروان بأن يلبس شحاطة زنوبيا قديمة عند العتبة ليعود بها من حيث جاء .
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ فصيح يعرض على مروان المنتقم صداقة الجـن (3) ..
عمـد الشيخ فصيح إلى المسارعة في إجراء جلسات العلاج في منزل مروان ، واختار لذلك علية غير مضاءة بشكل جيد وبلا نوافـذ . وفي إحدى هذه الزيارات كشف لمروانة
https://www.facebook.com/you.write.syrianews
من الواضح ان شخصية الشيخ فصيح مفعمة بالنتانة والتشوه السلوكي ويا ريت لو يتركها الكاتب في خان دنون ويريحنا من مشهد كريه قادم في علية المنزل مثل ما ريحنا من معرفة ما حدث لمروان في الدكان والبيت اللي هدمتن البلدية . هيك بيكون أحسن لأن شخصية مروان في النهاية ضحية حماقاتها نتيجة ضعف امكانياتها ولا يمكن القول ان مروان بيستاهل حتى أكتر من هيك . ويمكن استبدال الشيخ فصيح بالشيخ شحتوت مثلاً ليشلحه المال الأسود الذي يجمعه مروان من وجوه الحرام على غرار مثل إنكليزي شائع ما يأتي بسهولة يذهب بسهولة . مجرد ا
شكراً لكاتب القصة موثقة متسلسلة أنيقة لا يوجد بها مسبات أو شتائم رغم تعرض الكاتب نفسو لظلم مروان المنتقم واللي هو رمز لشخصية حقيقية موجودة (هاء - ق )وشكراً لأنه قام بالاضاءة على هذا الواقع المرير والأهم ان يقوم المعنيين بالمحاسبة وفوراً