بالصدفة إكتشفت اليوم السر وراء نجاح أية مصالحة وطنية، فبينما أسير متجهاً إلى عملي صباحاً، وأنا أستمع إلى بعض أغاني فيروز من جهاز الموبايل وعن طريق سماعات الأذن. وهي عادة بدأت بإستخدامها مؤخراً لما لها من فوائد أهمها عدم سماع أصوات القذائف وهي تطلق وتلك التي تسقط في الجوار القريب وما يرافقها من توتر وخوف وضغط نفسي مزعج.
الحادثة الأولى التي إحتاجت لتدخل سريع وفوري كانت في ساحة باب توما أمام مخفر الشرطة الواقع في تلك المنطقة والمحصّن جيداً بتلك الكتل البيتونية، وعند محاولة أحد المواطنين وهو بحدود الستين من العمر، وأعتقد أنه محامي. حين حاول الدخول إلى ذلك المخفر وبعد أخذ موافقة العناصر عند الحاجز الأول، ومنعه من قبل عناصر الباب الرئيسي، لتتحول بعدها إلى مشادة كلامية سمعت بعضاً منها حين نزعت سماعات الأذن، ومن بعدها أنتقلت المشادة الكلامية إلى مراحل متقدمة كمحاولة الإبعاد باليدين وإستخدامهما للتدفيش وربما لو تطورت لوصلت للضرب !!!
عندها أعدت تلك السماعات إلى أذّني، لأسمع فيروز وقد وصلت في أغنية (شادي) إلى ذلك المقطع الذي يقول: (ركض شادي يتفرج). ولكن شادي لم يركض ليفرج، وإنما شادي بين أيديهم. ولإدراكي بإنه أصبح في موقف محرج. لم أكن أسمع مايقال بسبب تلك السماعات، ولم أنطق بأية كلمات مختلفة عما يمكن أن يقال عادة في مناسبة كهذه. من نوع (خلص ياشباب ... الموضوع ما بيستاهل ... الخ). ولكنني فوجئت بأنهم قد تراجعوا إلى الوراء. لأسير من بعدها مع ذلك الرجل بعيداً عن المكان لينبهني وأنا أتكلم معه بأنني كنت أتكلم بصوت عالي، وأدركت حينها أنّ تلك السماعات مازالت في أذنّي !!!
إذا عدم سماعي لما كان يدور أثناء المشادة الكلامية، ومن ثم كلامي بصوت عالي بدون قصد بسبب تلك السماعات كان السر وراء نجاح تلك المصالحة الوطنية بمرحلتها الأولى: فض النزاع ...
صحيح أن أغنية فيروز كانت قد وصلت لنهايتها، وضاع شادي. ولكن وبفضل سماعات الأذن تلك، لم يضع ذلك الرجل الشجاع وهو يدافع عن حقة في الدخول لإتمام عمله إلى مرفق خدماتي وجد لأجله ولأجل أمثاله من المواطنين.
لم أكد أبتعد كثيراً عن ذلك المكان، وأدخل في شارع فرعي يصب في شارع العمارة التجاري وسط دمشق، لأجد سيارة أجرة صفراء بمواجهة سوزوكي بيضاء محملة بالبضائع وجها لوجه، وكلاهما يرفض إفساح الطريق للآخر !!!
حان وقت تجريب تلك الوصفة السرية لفض النزاعات والمصالحات الوطنية، سماعة الرأس في
مكانها، وفيروز تتحدث في أغنيتها عن (لبنان الكرامة ... والشعب العنيد). كل مافعلته
هو أنني رفعت صوت الأغنية، ورحت أردد تلك الكلمات المألوفة في مثل تلك المواقف بدون
أن أعرف حتى من المخطئ، ومن عليه أن يفسح الطريق للآخر.
وماهي إلى ثوان ليتحرك سائق السوزوكي إلى الخلف قليلاً ليفسح الطريق، ليمر من بعدها سائق سيارة الأجرة ملتزما يمين الطريق ...
لم أسمع ما تبادلوه من شتائم، عند مرور أحدهما بجانب الآخر ولست متأكداً من أن ذلك قد حصل فعلاً أم لا. وغير واثق من أنني لم أتلقى بعضاً منها. وما كان يعنيني نجاح تلك المحاولة للمصالحة الوطنية بتلك الطريقة مرة ثانية !!!
كنت أظن أن تلك الأغنية موجهة للشعب اللبناني ولكنني من بعد تلك الحادثة أيقنت أننا فعلاً شعب (عنيد) واحد في بلدين، وما نغص عليّ سعادتي بإكتشاف السر وراء نجاح المصالحات الوطنية. أنني تذكرت أن الحرب الأهلية اللبنانية قد إستمرت لمدة خمسة عشر عاماً، بسبب تلك الميزة المشتركة !!!
https://www.facebook.com/you.write.syrianews