واشنطن
ــ 1_ قام الرئيس أوباما يوم أمس الخميس بتغيير موقفة بشكل كامل تقريباً حول العراق بإرساله مستشارين عسكريين في محاولة لوقف انهيار وتفتت هذا البلد في الوقت الذي يضغط فيه مسؤولون أمريكيون لإستبدال رئيس الوزراء المالكي الذي ساعدت الولايات المتحدة منذ ثمان سنوات مضت على تسلمه مقاليد الحكم في بغداد . هـذه الخيارات صحيحة ، ولكنها تكشف في نفس الوقت كم كانت خاطئة سياسة الولايات المتحدة هناك .
2- لقد خلص أوباما في تقييمه للوضع الراهن إلى أن العراق يُواجه التقسيم وحرب أهلية شاملة ما لم يتم استبدال المالكي بزعيم آخر يتصف بنزعة طائفية واستقطاب أقل حدة . ويقوم الآن دبلوماسيون أمريكيون بتداول أسماء مرشحين بدائل في بغداد . وفي الوقت نفسه ، قام أوباما بإرسال ما يصل إلى 300 من المستشارين العسكريين لتقييم إذا كان يُمكن انقاذ الجيش العراقي بعد انهياره في محافظات الانبار والموصل وتكريت .
3- إن الرجل الذي سوف يُنهي وجود المالكي في الحكم هو الزعيم الكردي مسعود بارزاني ، والزعماء الآخرون صانعي الملوك في العراق . وتقوم الولايات المتحدة بدفعهم للإشارة بشكل لا لبس فيه بأن المالكي قد انتهى . ويعرف أوباما تماماً أن هذا الانقلاب الصامت يُمكن أن ينجح فقط إذا كان يحظى بتأييد ضمني من إيران التي تملك فعلياً حق النقض على رئيس الوزراء المقبل .
وإحدى مظاهر هيمنتها في العراق تكشّف في الأسبوع الماضي في قيام الجنرال قاسم سليماني ، رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني ، كما قيل ، بزيارة تلعفر قرب الحدود السورية لتقييم أوضاع وسير المعارك هناك ضد المتطرفين السنة .
4- إن تشكيل حكومة موسعة في العراق يُمكنها محاربة التمرد العنيف الذي يقوده تنظيم
داعش الآن ، يتطلب من الولايات المتحدة وحلفائها سرعة الحصول على تأييد زعماء
العشائر السنية في البلاد . لقد سبق وأن التقيت بالعديد منهم في عمان قبل شهرين ،
وكان واضحاً أنهم على الرغم من تخوفهم من قوة داعش ، فإنهم كانوا يستخدمونها
لمهاجمة المالكي . ويُمكن عكس اتجاه هذا السلوك الانتهازي لهؤلاء
السنة . وقد قال لي زعماء العشائر بوضوح أنهم يُريدون مساعدة الولايات المتحدة ،
وأنه يجب أن يحصلوا عليها .
5- وقد بدأت السعودية والأردن ، اللتين لهما نفوذ واسع داخل العشائر السنية ،
بالتحدث هذا الإسبوع مع زعمائها لإزاحتهم عـن داعش . وهذا أمر ايجابي ، ولكن
الرشاوي التقليدية كحافز لذلك لن تكون كافية هنا . السنة يُريدون مشاركة حقيقية في
الحكم . ويقوم الآن مسؤولون أمريكيون كبار بمناقشة كيفية البدء في استهداف داعش في
الوقت الذي تقوم فيه طائرات أمريكية بدون طيار بجمع معلومات استخبارية في المناطق
التي يسيطر عليها التنظيم أملاً في تحديد مواقع القادة الرئيسيين .
6- كما سيقوم المستشارون الأمريكيون بعد انضمامهم إلى القوات العراقية أيضاً بجمع معلومات استخباراتية حاسمة ، وإجراء تقييم ميداني للوضع بشكل أفضل لكي تقرر الولايات المتحدة الطريقة المثلى لتدريب وتقديم الاستشارة والدعم لهذه القوات التي تتقدم لمواجهة داعش . وإحدى المناطق الممكن استهداف داعش فيها في البداية قد تكون ملاذاتها وطرق تسللها على طول الحدود السورية العراقية حيث تقل فرصة تعرض هذه العشائر لخطرالضربات الجوية . يقول مستشار القيادة المركزية الامريكية ديريك هارفي " نحن نعرف مواقع معسكرات القيادة ومعسكرات التدريب . وهذه هي المواقع التي يُمكن أن نبدأ منها " .
7- إن حملة هزيمة داعش بحاجة لغطاء سياسي لكي لا تنفر الحلفاء السنة مثل السعودية والأردن . وأحد الاحتمالات الذي اقترحه مصدر مقرب من الحكومة الأردنية سيكون مجلس التعاون الخليجي . وكان هذا التحالف لدول الخليج أحياناً بلا أسنان في الماضي ، ولكنه في الآونة الأخيرة عمل بشكل فعال في الحفاظ على وحدة اليمن ، وهو يُمكن أن يلعب دوراً رئيسياً الآن جنباً إلى جنب مع ملك الأردن عبد الله .
8- وفي هذه الحالة سيكون على السعودية القبول على مضض بحقيقة أنه لا يُمكن وقف تقدم
داعش بدون بعض التعاون مع إيران . وإحدى الطرق لتحقيق ذلك قد يكون عقد قمة لدول
المجلس مع الإيرانيين لمناقشة الازمة في سورية والعراق . ويُمكن للمجلس حتى أن
يقترح انشاء قوة سلام لتحقيق الاستقرار يتم نشرها في المناطق السنية في العراق
وسورية . وهذا في الحقيقة مجرد تخمين قد لا يكون دقيقاً ، ولكن السعوديين منذ فترة
طويلة دعموا فكرة مماثلة وهي" قوات الردع العربية " التي أعادت للبنان الإستقرار
بعد أسوأ سنوات الحرب الأهلية في عام 1975 و1976.
9- إن السياسة الناجحة حيال الوضع في العراق وسورية لا يمكن أن تعتمد على القوة
العسكرية وحدها . والخطوب التي تعرضت لها الولايات المتحدة بعد غزو العراق عام 2003
تُعلمنا ذلك الدرس بالتأكيد . والذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى إستقرار هذا الجزء
من العالم ( رويداُ ، رويداً ) هو عمل سياسي تدعمه قوة عسكرية تعمل تحت 3 مظلات
كبيرة : المظلة الأولى تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة ؛ والثانية اجراء حوار بين
الولايات المتحدة وإيران تنضم إليه لاحقاً السعودية وشركائها في مجلس التعاون ؛
والثالثة انشاء تحالف دولي يحظى بدعم الأمم المتحدة .
10- ومن سخرية الأقدار أن تكون كردستان المنطقة المستقرة الوحيدة في خضم الفوضى التي تعصف بالعراق الآن . وربما بات زعيمها بارزاني أقوى شخصية سياسية في البلاد . وإذا أحجمت إيران في الموافقة على استبدال المالكي في بغداد ، فينبغي على الولايات المتحدة عندئذ أن ترد على ذلك من خلال تعميق علاقاتها مع الأكراد ــــــــ خطوة في الطريق نحو كردستان مستقلة ، وخريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط . الصحفي ديفيـد إغناتيوس .
الجمعة 20 حزيران 2014
https://www.facebook.com/you.write.syrianews