syria.jpg
مساهمات القراء
قصص قصيرة
مواسم المونة الماردينية ...بقلم : أحمد النبعوني

( السليقة )
لقاء ومحبة وتعاون وبركة


اشتهرت الأسرة الماردينية في الجزيرة السورية بجودة طبخها ونكهته المميزة منذ القدم وبشهادة معظم الملل والطوائف الأخرى ... فكيف لا يكون لموسم المونة لديها أهمية خاصة .
أعمال المونة في وقتنا الحاضر أخذت تنحسر وحلت محلها الأغذية الجاهزة والمغلفة . لكننا لا نستطيع إن ننسى طفولتنا وأنشطة الأم التي كانت طوال فصل الصيف تجهز وتحضر لأسرتها مونة فصل الشتاء
واحد أنواع هذه المونة ما كان يسمى باللهجة المحلية ( السليقة ) ، أي سلق حبوب القمح .


كنا أطفالاً صغاراً ننتظر بفارغ الصبر هذا اليوم الذي كان يسمح لنا فيه بمساعدة الأهل في إشعال النيران تحت السليقة ، والطفل يجد متعة فائقة عندما يسمح له بإشعال النار ....
في نهاية موسم حصاد القمح والشعير كان يبدأ المزارعون بتوزيع قسم من إنتاجهم كهدايا وزكاة على الجيران والأصدقاء والأقارب أو يتم شرائها من أحد التجار.


يحدث ذلك عندما نكون جالسين في فترة ما بعد الظهر في أرض الدار والذي كان يسمى بالحوش تحت شجرة التوت التي كانت متواجدة في معظم الأحواش نشرب الشاي مع أفراد العائلة فنسمع فجأة صوت العربة التي كان يجرها الحصان فنعلم بشكل مسبق بأن هناك كيس من القمح قد أرسله لنا احد الأقارب أو الأصدقاء ، وبالمناسبة إن كيس القمح الذي كان يزن تقريبا /120/ كغ كان يسمى بالجوالة ، فنقول جوالة القمح أو جوالة الشعير .

وأهم ما كان يميز قمح الماضي عن اليوم أنه كان يزرع بعلاً وبدون أي أسمدة كيماوية لذلك تجد أن طمعه أطيب وألذ بكثير من القمح المروي .
قبل عملية السلق هذه كان هناك نسوة متخصصات بعملية غربلة جوالة القمح والتي تحتاج لجهد عضلي لتخرج منها حبوب القمح الغير مقشرة أو قطع السنابل والأتربة وغيرها .


بعد هذه العملية تبدأ عملية سلق القمح حيث يجلب وعاء كبير يسمى بـ ( النقرة ) أو النقرية والذي كان يتسع أحيانا لكيس قمح كامل ويوضع عادة في الشارع أمام الدار ويملأ بالماء وتشعل تحته النيران إلى أن يصل لدرجة الغليان ومن ثم يوضع القمح فيه ليتم سلقه وكان يجتمع حول هذه النقرة معظم أطفال الحارة وكل طفل يحمل بيده صحناً صغيراً وينتظر حصته من هذه الحبوب المسلوقة التي يأخذها معه للبيت ليرش عليه قليلاً من السكر أو الملح فكانت تشكل للأطفال وجبة غذاء كاملة تساعدهم على النمو وتقوي أجسادهم .


وعندما ينضج القمح يتم إفراغه من النقرة ويفرش على شوادر فوق اسطحة المباني الطينية حتى يجف لمدة ثلاثة أو أربعة أيام وذلك حسب درجة حرارة الشمس ويتم تقليبه يومياً بقطع خشبية صغيرة حتى لا يتعفن هذا القمح و يجف بشكل جيد ..


ثم تجمع هذه الحبوب الجافة وترسل إلى الطاحونة لجرشه ثم يجلب إلى البيت حيث يبدأ عمل النسوة اللواتي يقمن بعملية فرز وغربلة جديدة لتخرج منه حبوب كبيرة والتي كانت تسمى بالخشانة وحبوب متوسطة تسمى بالبرغل وحبوب صغيرة والتي تسمى بالسميد بالإضافة إلى قشور القمح والتي تسمى بالنخالة والتي كانت تباع كعلف لأصحاب الحيوانات من بقر وغنم .


وأذكر أن والدتي كانت تحتفظ بقليل من هذه القشور ( النخالة ) لتصنع منه مخدة صغيرة يتنافس فيها أفراد الأسرة على امتلاكها ..
جميع هذه المكونات كانت توضع في غرفة صغيرة تسمى بـ ( البخيري ) أي بيت المونة .


ما أجمل أيام زمان وما أجمل أصالتها ..
على الرغم من هذا العمل الشاق والمتعب للأم التي كانت تجهز لأسرتها مونة الشتاء طيلة فترة حياتها وحتى الممات .
ليست هناك في الحياة امرأة واحدة تهب كل حياتها وكل حنانها
وكل حبها، دون أن تسأل عن مقابل . . إلا الأم . . فامنحها يا الهي عمراً اطول من عمر الإنسان....

 

https://www.facebook.com/you.write.syrianews

2014-07-09
التعليقات