في الوقت الذي حثت فيه واشنطن في إطار رد فعلها على التصعيد الإسرائيلي ضد غزة على ضبط النفس بين الجانبين، قالت إن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها في مواجهة الصواريخ التي تطلقها المليشيات الفلسطينية من غزة، وإن إسرائيل تحت الحصار بواسطة حماس الإرهابية
بهذه الكلمات أعلنت واشنطن عن موقفها من الحرب المشتعلة بين حماس وإسرائيل، ويبدو أن واشنطن تعتبر أن إسرائيل هي الضحية, وليس عشرات الأبرياء والعزل من الفلسطينيين الذين يسقطوا بشكل يومي جراء الحرب بين إسرائيل وحماس, كما أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر ضمنياً للإحتلال لتكثيف هجماته على قطاع غزة، وخاصة بعد رفض المقاومة في فلسطين لمبادرة القاهرة التي تعد إستهدافاً للمقاومة وإستئصالها بشكل كامل .
تباينت المواقف وإختلفت الطرق لسياسات أمريكا الخارجية، فالدولة الأمريكية التي وقفت يوماً تطالب الإسرائيليين بوقف المذابح ضد الشعب الفلسطيني، هي نفسها التي تدعم القصف الإسرائيلي لأراضى غزة، وأمريكا التي ساهمت في نشر الفوضى بالمنطقة تحت شعار الربيع العربي، وتدخلت في شؤون الدول تكيل بمكيالين، فالشعب الفلسطيني المحاصر والمظلوم والذي تنتهك حقوقه أصبح في قاموسها السياسي مجتمع إرهابي، وآلة القمع والإرهاب الإسرائيلي أصبحت حمامة السلام التي تحتاج الدعم والمساندة.
وبالتالي فإن الإرهاب والعدوان الإسرائيلي الذي يستهدف الشعب الفلسطيني هو ضمن إستكمال حلقة المشروع الصهيوني الأمريكي للشرق الأوسط الجديد الذي يهدف الى الفوضى الخلاقة، فالهدف الإستراتيجي لحكومة الإحتلال الإسرائيلي من فتح المعركة مع الشعب الفلسطيني هو التمهيد لتغيير عناصر وقواعد أي عملية مفاوضات سياسيه مع الشعب الفلسطيني في المرحلة القادمة وذلك من خلال ضرب المقاومة الفلسطينية في قطاع غزه وإضعاف القيادة السياسية للشعب الفلسطيني بما يسهل تركيع الشعب الفلسطيني وفرض إملاءات وشروط شرعنة وتكريس الإحتلال الإسرائيلي والتعايش والخنوع له الى الأبد.
وفي إطار ذلك تكرر السيناريو الأمريكي الإسرائيلي الفاشل عدة مرات خلال كل عدوان على غزة، وفي كل مرة ووفقاً لحسابات خاطئة تعتقد إسرائيل إن الفرصة أصبحت سانحة لها لتوجيه ضربة قاتلة للمقاومة في غزة، فتقوم بإختلاق حجج للعدوان وتحدد أهدافاً تحلم في تحقيقها، وتبدأ بعد ذلك بشن عدوانها بتواطؤ أمريكي واضح وصمت عربي فاضح، إلا إنها وبعد أيام من إرتكابها المجازر الوحشية ضد الأطفال والنساء، وتكبدها خسائر فادحة في الضباط والجنود والعتاد، تعطي الضوء الأخضر لأمريكا للتدخل من أجل إخراجها من ورطتها دون أن تحقق أياً من أهدافها التي أعلنتها في بداية العدوان.
فالسياسة الأمريكية المشرعة للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني إنما بموقفها هذا تعرض الأمن الإقليمي للخطر وتدفع بالمنطقة برمتها لأتون الإرهاب المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، فالضغوط الأمريكية التي تمارسه من خلال مجلس الأمن ومعارضتها لإصدار أي قرار أو بيان يدين إسرائيل هو دليل على إن أمريكا تشكل الحاضن الرئيسي للإرهاب الصهيوني الممارس ضد الشعب الفلسطيني وإن أدوات الإرهاب الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني هي أمريكية الصنع والمصدر وإن قذائف الموت التي تستهدف الفلسطينيين مصدرها أمريكي، وهذا هو دليل دامغ على أن أمريكا التي تدعي صنعها للحرية والديمقراطية هي التي تصنع الإرهاب الذي تشكل الحاضنة له والذي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني .
وهنا يمكنني القول لقد أظهرت الحرب على غزة حقائق كانت غائبة، وهي أن الفلسطينيين والمقاومة لا زالت حيّة في قلوب ومشاعر الناس، وبأن العالم المتمدن الذي يتخذ القرارات الدولية في الأمم المتحدة عالم كاذب و لا هم له إلا مصالحه وعلاقاته ولو على حساب الشعوب المقهورة، إجتماعياً وسياسياً وإقتصادياً، كما أظهرت أن العالم العربي يعيش في عصر إنحطاط واضح، يعتمد فيه على من يملي عليه قواعد لعبة سياسية "قديمة جديدة" لخدمة المصالح الشخصية ومصالح المستعمر الجديد الذي يعيث فساداً في أراضيناً.
وأنا على يقين بأن الذين يحلمون بالقضاء على المقاومة في فلسطين يعيشون في وهم كبير، بعضهم ليس لديهم قدرة على الفهم ولا إستيعاب حقائق الواقع الإيماني أو التاريخي لأصحاب العقيدة، فأصحاب العقيدة الذين هم على إستعداد للتضحية بأنفسهم في سبيل عقائدهم يستحيل القضاء عليهم، ومن هذا المنطلق كلي أمل أن يعم الأمان والأمن في سوريا والعراق وغـزة واليمن وليبيا وتونس ومصر والجزائر لأنها كلها تعاني من مؤامرة ليست خافية عن تفكيرنا, مؤامرة أدواتها الإرهاب الإسـلامي التكفيري المتطرف والتي سوف تحرق الجميع لتستفيد من نيرانها "إسرائيل ودول الغرب وأمريك" , لذا علينا أن نشمر سوعدانا ونستنهض الهمم لبناء الوطن ونبذ كل ما من شأنه تعكير الحياة التي يرنو لها شعبنا للعيش فيها.
وأخيراً ربما أستطيع القول إن إنتصار غزة هو إنتصار للمقاومة في لبنان، كما أن انتصار المقاومة في لبنان هو انتصار لفلسطين، ودعم سوريا للمقاومة الفلسطينية بالصواريخ لحماية غزة وتقوية المقاومة فيها هو وسام شرف لها بالرغم من أنها مستنزفة بنار الفتنة التكفيرية، بينما العرب يصدرون السلاح والمال والنفط لقصف دمشق ويحجمون عن تقديم رصاصة واحدة للمقاومة في غزة، فمحور المقاومة سيبقى في الموقع المتقدم لنصرة ومساندة ومساعدة الشعب الفلسطيني، وستبقى القدس قبلتنا مهما كانت الإنشغالات الداخلية والإستفزازات الإرهابية، لا عودة الى الوراء، واليوم سلاح المقاومة سيصنع معادلة ردع ويخلق توازنات جديدة، بينما فشل العدو من تحقيق كافة أهدافه، وأمام هذه الفاصلة التاريخية نقول: نحن نعيش عصر المقاومة لطرد المحتل من أراضينا والعيش بأمن وسلام.
الدكتور خيام محمد الزعبي-صحفي وكاتب أكاديمي في العلاقات الدولية
https://www.facebook.com/you.write.syrianews