- ألم تدفع في حياتك ضريبة الدخل ؟
- لا أعرف مبنى المالية حتى ... ولم أدخله في حياتي ..
- وضريبة العقارات ؟
- أية عقارات ؟
لا يوجد عندي غير البيت الذي أسكنه ، والمكتب و..!!
فانفجر الجميع ضاحكين علي ..
ثم اكتشفت بعد برهة وبعد أن أفهموني ألف باء الضرائب ، أن هنالك تراكماً كبيراً عليَّ من الضرائب لم أدفعه ، وأنني أمام مبالغ طائلة ستظهر في وجهي ، خصوصاً أننا في نهاية العام ، ولم يبق للعام التالي (2011)سوى أيام قليلة ، وإن عليّ أن أبادر بالدفع خوفاً من زيادة التراكم والغرامات وغيرها ....
كان هذا الحوار الخميس الماضي ..انتظرت حتى صباح الأحد دون أن تغمض عيني طيلة هذه الليالي من الأرق والقلق ، ثم ذهبت صباح الأحد إلى الدوائر التي كان يجب أن أذهب إليها من مدة لا تقل عن ثماني سنوات ..تبرع أحد أصدقائي لمساعدتي ، وأرسلني إلى معقب معاملات "مخضرم" ، فهو يعرف ( دهاليز) هذه الدوائر ، فقبلت ممنوناً لأني فأنا لم أدخل في حياتي دائرة سوى مكان دفع فواتير الهاتف والكهرباء فقط ! وقد زرت البلدية مرة أو مرتين يوم أن اشتكى علي جاري !! وقبلها لم أكن أعرف ماذا يعني "بلدية" ..
قدمت الأحد إلى مبنى المالية في الطلياني قبل الموعد بساعة .. فقدم عليّ مشرق الوجه ، يبتسم لي ، فلم استطع مجاملته ولو ببسمة !!
أدخلني إلى المكاتب التي يبدو أنه يحفظها عن ظهر قلب .. وبدأ بالمعاملة ..
كنت قد أخذت معي كل ما طلبه من الأوراق ، وكذلك هويتي ، وشهادة القيادة ، وجواز السفر .. ومبلغاً كبيراً جداً من المال ،
كنت قد وضعت في ذهني كلّ شيء ، بدءاً من أن ادفع مليون ليرة ، إلى أن أعتقل بتهمة التهرب الضريبي ... خرجت من البيت دون أن أشرب قهوتي مع زوجتي (التي اعتادت أن تشربها من يدي كل صباح ) ، ولم أحصل على قبلات الصباح من أولادي ..وخرجت وأنا متأكد أنهم سيحزنون أنهم لم يروني هذا الصباح ، ولكن الهم الذي جثم فوق صدري أنساني أولادي ...
جلس المعقب أمام الموظف وتكلم معه لفترة طويلة .. لم أعر اهتماماً لكل الأوراق التي خرجت ، ولا للمصنفات الكبيرة ، ولا للتواقيع ، ولا لشيء ..
فقد كنت أدعو بسري ألا يصل المبلغ إلى درجة أنهار معها وأضطر لبيع كل شيء من أجلها
..ابتسم المعقب ثم قال :قم معي ..ذهبت إلى عدة مكاتب ، وعدة أمكنة في جولة دمشقية لم أرى فيها من دمشق إلا المكاتب والمراجعين ومعقبي المعاملات وازدحام الناس .. وفي كل مكان نزوره كان المعقب يبتسم ، ثم يقول : قم معي ..
عند انتهاء الدوام جلست في السيارة أنتظر الخبر ، ابتسم ثم قال لي :
- ضرائبك كلها مدفوعة ..!!!!!!!
- كم دفعت ؟
- لم أدفع شيء .. إنها مدفوعة .. بل ومدفوعة حتى نهاية 2010 !!
- كيف ذلك ؟؟ مستحيل !
- هذه نسخ عن إيصالات الدفع .. وفيها تواريخ الدفع والمبالغ المدفوعة ، بل واسم وتوقيع
من دفع ..
- ألا يمكن أن يكون أحد يدفع عني بالخطأ ؟؟
ابتسم وقال :
- ماذا يقربك "فلان" ؟؟
- إنه والدي .. رحمه الله ..
- وهل توفي ؟
- نعم .. منذ أشهر قليلة ..
- مسكين ..
- لقد مات شهيداً .. صدمته سيارة في طريقه لصلاة الفجر ..
- ليس هو المسكين .. بل أنت !
- لماذا ؟
- لن تجد من يدفع عنك الضرائب بعد اليوم ....!!!!!!
تركني المعقب أمام كومة من الأوراق ومضى ..
أمسكت الأوراق بين يدي وفوجئت بتوقيع أبي الذي أعرفه على كل الإيصالات ..
تفحصتها ، قرأت التواريخ ، ثم انهمرت دموعي وبدأت أبكي كأطفالي الصغار عندما كانوا يمرون أمام بائع الألعاب ولا أشتري لهم لعبة .. بكيت اليوم أكثر مما يبكي أولادي ..
وتراءت أمامي طفولتي كلها وأنا بين أحضان والدي ..
وتخيلت نفسي كيف أنني أكبر ، وأكبر ، وأكبر ..ووالدي ما يزال قربي يرعاني ، وكأنني لم أكبر أبداً ..
تخيلت نفسي وأنا المعتد بنفسه الواثق برجولته وقد عدت فجأة طفلاً صغيراً .. طفلاً لا يستطيع مجاراة الحياة دون والده ..طفلاً صار يتيماً بفقد والده ..طفلاً فقد شطر الحياة - إن لم يكن كلها - بفقدان والده ..
طفلاً لا يمكنه أن يلعب إلا لم يركّب له أبوه اللعبة .. ولا يمكن أن يقرأ، إن لم يفتح له أبوه القصة ويقرأها له .. كنت أستوقف أبي وهو يقرأ القصة عند كل كلمة ، وكل صورة ، وكل شارة تعجب ..
كان يشرح لي كل شيء بصبر وهدوء ، ويستمع لي بأسئلتي الكثيرة المملة ، والفارق بيننا يزيد عن الأربعين عاماً ..!
كنت أكبر يوماً وراء يوم ، حتى بدأت أشعر أنني لست بحاجة إلى من يشرح لي القصة ، أو من يركب لي اللعبة ..واليوم ، وقد مضت سنون طويلة ، رجعت فيها إلى الوراء أكثر من خمسة وعشرين عاماً أشعر فيها أنني بحاجة لذلك العملاق ..
ذلك العملاق الذي كان وقد تجاوز السبعين يسعى على أولاده ويرعاهم ويحضنهم ويهتم بهم واحد واحد وكأنهم لم يتجازوا سنواتهم الخمس .. كان يتفقدنا ويرعانا ، ويهتم بأدق التفاصيل في حياتنا لدرجة أننا إن لم يشتر لنا حلوى العيد لا يعيّد أبناؤنا .. !!
وإن لم يقدم لنا كل شيء فإننا سنبقى أطفالاً لا نعرف ما الذي نفعله ، ونصبح مع أطفالنا في سويّة واحدة نحتاج من يركّب لنا .. هم ألعابهم ، ونحن مفاصل حياتنا ...
رحم الله والدك سيد ابراهيم. بعد ان قرات مقالك توقفت لبرهة لارى والدتي تتاكد من اصغر التفاصيل التي قد احتاجها قبل خروجي من المنزل. لا شك ان للاباء وقع يمتد مدى العمر على حياتنا، فالحمد لله الذي جعلهم اباء صالحين.
و الله المقالة كلها مسك , و لاأحد يعرف معنى الأب كاملا الا بعد فقدانه , رحم الله اباك و اسكنه فسيح جناته
رحمة الله عليه يا صديقي.. آباؤنا هو ما تبقى من الزمن الجميل.. زمن الحق والصفاء
هذا هو الحب بمفهمومه الصافي ....أن تعطي دون أن تنتظر كلمة ثناء أو حتى دون أن يعلم أحد بذلك ....شكراً للكاتب ...مع تحياتي
رحم الله والدك أخ ابراهيم .. ورغم حزنك إلا أنه عليك أن تفرح لأن والدك لم يحتج أن تصرف عليه .. فكم يصعب على الأب في أرزل العمر أن يحتاج أحد حتى لو كانوا ابنه .. لذلك علينا تقديم الدعم والمساعدة لهؤلاء الكبار كي لايشعروا بالمذلة في كبرهم .. فعندما يرى الأبناء آبائهم المتقاعدين محتاجون سيسعون للرشوة والسرقة لكي لايحتاجوا أحد عند تقاعدهم وتلك مسألة هامة جدا وأظن أنها السبب الأول بانتشار الفساد والرشوة .
رحم الله والدك أخ ابراهيم .. ورغم حزنك إلا أنه عليك أن تفرح لأن والدك لم يحتج أن تصرف عليه .. فكم يصعب على الأب في أرزل العمر أن يحتاج أحد حتى لو كانوا ابنه .. لذلك علينا تقديم الدعم والمساعدة لهؤلاء الكبار كي لايشعروا بالمذلة في كبرهم .. فعندما يرى الأبناء آبائهم المتقاعدين محتاجون سيسعون للرشوة والسرقة لكي لايحتاجوا أحد عند تقاعدهم وتلك مسألة هامة جدا وأظن أنها السبب الأول بانتشار الفساد والرشوة .
والله كل كبيره وصغيرة تحصل معي اتمنى وجود ابي معي وقد توفي من عشرين سنة, الله يرحم ابي وابوك , وفعلا يلي مالوه كبير مالو تدبير
أنها قصة رائعة يا أخ ابراهيم .. وختامها مسك . على مسك .. يا ريت أبنائنا يستوعبون كم هذا الوالد يضحي من أجل أبنائه ومن حيث لا يدرون .. وأنا اتسائل لماذا لا يحس الأبناء بتضحيةهذاالأب .ألا بعد وفاته ..؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مبدع كعادتك ورحم الله والدك وأسكنه الفردوس الاعلى ربما قصتك تذكرة لمن لا يعرف قيمة الأهل إلا عند فقدهم ولذلك ينبغي برهم وكسب رضاهم في حياتهم والدعاء لهم في المحييا والممات ونسأل الله عز وجل أن يرضى عنا وعن والدينا ويرحمهما كما ربيانا صغيرا ويعطيهم الصحة والخير والعافية ويسعدهم في الدارين.. آمين
والله يا أخ ابراهيم . مساهمتك كلها مسك في مسك .. بارك الله فيك .. أنه موضوع شيـــق جدا جدا ...يا ريت أولادنا يشعرون ويحسون .. بما يقدمه الأباء لأبنائهم ..سلمت يداك ..
مقال حلو و معبر .
و الله لقد صدقت و كان ابي قد اخرجني منذ سنتين من ورطة كبيرة جدا و الحمد لله لقد رايت ابي بعد ذلك بعيون جديدة و بالفعل لقد تغيرت بعد ما حصل
ما بعرف ليش كلما أرى إسمك برتاح..شكرا على المساهمة.
مين خلف ما مات يا مسك ما اجمل ان تذهب للمالية فتجد فواتيرك مدفوعة . وما اجمل ان تكتب لنا القصة فنتدبر
رحم الله والدك أخي الكريم وأمدّ الله بعمرك كي تحذو حذوه مع أولادك، ربما كتابتك هذه تنبهنا إلى قيمة ذلك الدور الذي يجب أن نمارسه كآباء ونورثه أولادنا وبدورهم لأولادهم شكراً لك.
الله يرحملك الوالد وتكون الجنة مسكنو، ذكرتني بابوي الي صرلي سنة واكتر ما شفتوا، وانا في بلاد الغربة البعيدة.
لقد أدمعت عيني يا إبراهيم فهكذا يكون الاباءوإلاّ فلا داعي لان ينجبوا.
فاضت عيناي بالدموع حين قرHتها.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. تذكرت شيخنا سعيد والدك رحمه الله وتذكرت أبي المرحوم (أبو عبدو) كيف كان يسعى إلى آخر نفس في حياته كي يرعانا ويؤمن لنا لقمة العيش.. وكي يسعى لتعليمنا وتقدمنا ولكي يوقفنا على أرجلنا.. حقاً إن اليتم من الأب ليس له عمر فالحياة ليس لها جدوى دون وجود الأب مهما صار عمرنا لكن هذا قضاءالله وقدره والموت حق على العباد.. سندعو لهما إن شاء الله
مقالة تحمل كثير من الاحاسيس الدافئة - لقد لامست قلبي وروحي - الاسلوب رائع يدل على انك شخص حنون وحساس - شبكرا لك
إنها لمقاربة رائعةوبديعة لوصف الأب الحنون أحييك على هذا العمل وأشكرك لإمتاعي بكلماتك ووصفك الجميلين لحالة إستخدمتها مدخلا لهدفك الأسمى . شكرا مرة ثانية ، فقد أسعدت صباحي .
سامحك الله ... بقدر ما استمتعنا بروعة الموقف وجمال الأسلوب بقدر ما بكينا حين تذكرنا آبائنا في مثل هذه المواقف.
رحمة الله عليه ، وعلى كل من فقدناهم ،كم تركوا من فراغ كبير في حياتنا ، لن يملؤه أحد مهما كان ، جعل الله مثواهم في خير الجنان يارب.
أخي الكريم، لا أعرف إذا كانت هذه القصة حقيقية أم لا. إذا كانت حقيقية فرحمة الله على والدك الكريم. وبكل الأحوال مقال يستحق التوقف عنده. شكراً
مع تقديري لفكرتك الرائعةلكن لماذا بحر الاسطر هذا(خير الكلام ما قل و دل)
رحم الله والدك يا أخي الكريم و شكراً لك على الكتابة البديعة التي أدمعت العين. يقال بأن الانسان يبقى طفلاً إلى أن يتوفى والداه و عندها يشيخ فجأةً.
شكرا لك سيد ابراهيم .. رحمة الله على والدك وأطال الله بعمر الاحياء من الاباء
الأب والأم يمنحون اولادهم الحب والحنان ,يعطون دون مقابل,يحتضنون مشاكلهم وآلامهم يالروعة الأب وحنان الأم .رحم الله أباك وأبي.. لك مني ألف تحية
اخي الكريم على بساطة ما كتبت و على طبيعية ما القيت على قدر ما كنت مميزا بالفعل نحن لن ندرك فضلهم علينا حتى نفقدهم ,,, اسال الله العلي القدير ان يرحم والدك و يحسن مثواه و ان يعلمنا قدر اهالينا بحياتهم لا بفقدهم اشكرك مليا و اجزل لك المديح على اسلوبك القصصي المميز محبتي وتحياتي
أخي إبراهيم مبدع كعادتك كلماتك التي ترقى بمستوى البيان وتحمل الكثير من المعاني الراقي وبأسلوب جميل... رحم الله والدك وأقرعينيك بأطفالك وأعانك الله على ان تكون لهم كما كان والدك لك... وإنني أقدر كم من الألم يشعر به المرء عندما يشعر أنه مهما كبر يبقى طفلاً صغيراً يشتاق لحضن والديه ودعم والديه وحنان والديه... دمت مبدعاً قادراً على نقل وهج قلبك إلى قلوبنا ونبض كلماتك إلى عقولنا.. لك مني كل التحية والتقدير