هل سنذهب الى المدرسة هذا العام يا أبي؟ لم يخطر في مخيلة الأب إن أولاده الطلبة في مرحلة التعليم الأساسي والثانوي سيسألونه في يوم ما هذا السؤال، وهو محرج بماذا سيجيبهم، فجوابه قرار مصيري بالنسبة إليه وإليهم، وما كان منه إلا أن أجاب وقلبه مليء بالحسرة والحزن والألم على ما جرى ويجري في سورية: لن نستسلم سنذهب الى المدرسة ونتعلم ؟
أطفالنا كلما سمعوا ألعاباً نارية تتهاوى أمام النوافذ يسألوا: هل بدأت الحرب.. إن قلنا نعم.. أدمعت أعينهم وهم يقولون: يعني لن ندرس.. وإن قلنا لا، سألوا: متى سندرس !.
لا يعرفون أن مستقبلهم معلق بيد مراهقون لم يذهبوا إلى المدرسة يوماً، في ظل ظرف أمني سيء مليء بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة وقذائف الهاون والمواجهات التي تتفجر بين الحين والآخر والتي تحصد الأخضر واليابس دون تمييز يتوجه أكثر من خمسة ملايين طالب وطالبة إلى مدارسهم في العاصمة دمشق وعموم محافظات الجمهورية إيذاناً ببدء العام الدراسي الجديد 2014- 2015م، إذ سيصطفون طلابنا رغم الألم وعمق الجراح ويقرأون الفاتحة على أرواح شهدائهم، ويحيون علمهم السوري وهم يتلون تحية العلم (حماة الديار عليكم سلام...)،
وأرواحهم تنشد في اللحظة ذاتها أن العلم زاد السوريين قوة وعزيمة فهم لا يستغنون عنه مهما كانت الظروف، بل هو ثروتهم التي يحرص عليها الآباء والأمهات على حساب قوتهم، هؤلاء الطلبة يباشرون فصلاً جديداً من مسيرة التعليم في ظل ظروف بالغة التعقيد بسبب الأوضاع السياسية والإجتماعية والأمنية التي تعيشها البلاد ومع ذلك فإنهم يتوجهون إلى مدارسهم حاملين مشاعل الأمل ويحدوهم الكثير من التفاؤل والإستبشار بقادم أفضل يحمل الخير والبشرى للوطن وأبنائه.
يعتبر هذا العام هو الأكثر سوأ وتأزماً لدى الأهالي والتربويين والطلاب أيضاً، عام فيه القلوب منقبضة تنتظر الحرب أو الفرج... ملايين الطلاب سيتوجهون إلى مدارسهم هذا العام، وأولياء أمورهم وأهاليهم يتقلبون على جمر المخاوف، ما الذي ستقرره المليشيات المسلحة من الإسلاميين المتطرفين هل سيدعهم يدرسون ويبنون مستقبل أمتهم، أم سيصدونهم عن الدراسة ؟، خاصة بعد سيطرة هذه المجموعات المسلحة على عدد من المناطق السورية والتي فرضت مناهج غير مناهج وزارة التربية في هذه المناطق، كما بلغت أضرار القطاع التربوي نحو 115 مليار و28 مليون ليرة، وعدد المدارس المتضررة 1.385 مدرسة، إضافة لإستشهاد أكثر من 500 شخص من الكوادر الإدارية والتدريسية والطلاب، وخروج أكثر من 5500 مدرسة من الخدمة
وبالمقابل تعمل الوزارة على محورين أساسيين، الأول تقديم الخدمات المساندة للتعليم من خلال توفير مختلف التجهيزات التي تحتاجها كل مدارسها لإتمام سير العملية التعليمية، إلى جانب تأهيل المعلمين والمعلمات، والمحور الثاني يتعلق بخدمة التعليم نفسه، من خلال خطط تصدرها للمعلمين والمشرفين لتقديم التعليم داخل الفصول الدراسية، والمتابعة، وتأهيل الطلاب والطالبات كل في مجاله، وإدراكاً منها للظروف الإقتصادية الصعبة التي تمر بها كثير من العائلات السورية، تخلّت وزارة التربية عن فكرة التشديد على الإلتزام باللباس المدرسي وهذا ما جاء على لسان وزيرها، الذي أصدر تعميماً وزع لكافة مديريات التربية في المحافظات، مشدداً على ضرورة عدم إرهاق الطلاب ماديا بسبب الظروف الإقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن السوري جراء العقوبات الإقتصادية الجائرة المفروضة على سورية
كما تجدر الإشارة إلى أن وزارة التربية أطلقت ولأول مرة في تاريخ العملية التربوية حقيبة مدرسية إلكترونية للكتب المدرسية، تمكّن الطالب من تصفحها أو تنزيلها على أقراص أو فلاش ميموري وذلك بالتعاون بين مديرية المعلوماتية ومديرية المناهج والتوجيه في وزارة التربية وذلك بغية سهولة تداول هذه الكتب، وظهورها بصيغة الكترونية، ولم يغب عن بالها هذا العام ضرورة وصول التعليم إلى المناطق المتضررة جراء الأعمال الإرهابية للمجموعات المسلحة وذلك عبر تعاونها مع منظمة اليونيسيف والأمانة السورية للتنمية لتلبية حاجة المناطق الأكثر تضرراً وإحتياجاً،هذا فضلا عن توزيع أكثر من مليون حقيبة مدرسية على جميع المحافظات دون إستثناء وفق جداول معدة مسبقاً في كل محافظة وبإشراف مدير التربية وممثل اليونيسيف وممثل الأمانة السورية للتنمية.
هنا لا بد من القول بأن وزارة التربية السورية نجحت في تحقيق هوية المواطن السوري العربية والإسلامية من خلال الإستعانة بنخبة من الخبراء المختصين في إعداد وتطوير المناهج التربوية التعليمية التي حرصت على إختيار أمثلة متنوعة تتلاءم والمراحل العمرية للفرد، حيث أن المناهج التربوية جاءت منسجمة بين الظاهر والمضمون ومتوازنة من حيث العمق والأصالة، وتعانقت الأمثلة الدينية بالأمثلة النثرية لتغرس المثل العربية في ذهن الطالب وتنمي القيم الروحية في سلوكه، كما حرصت على ترسيخ البعد القومي في نفوس أبناءها الطلاب فكانت رائدة في قطاع تطوير المناهج التربوية التعليمية الذي جعل للأمثلة الواردة في الكتب المدرسية دوراً فاعلاً ورئيسياً في ربط الماضي بالحاضر وبث روح التجديد
وأخيراً أختم مقالتي بالقول رغم كل ما تعرض له قطاع التربية من تخريب وسرقة وإستهداف للمدارس والمؤسسات التربوية والتعليمية إلا أن إرادة الحياة لدى التلاميذ والمدرسين والمعلمين أقوى من أي إرهاب، فالهمم وإرادة هؤلاء الأطفال وذويهم تأبى اليأس أمام التحديات التي تواجه وطنهم، فسورية وبالرغم مما تتعرض له من حرب كونية ظالمة وخيانة بعض الأنظمة العربية لها ستبقى قلب العروبة النابض وفيحاء الأمم بفضل صمود شعبها الأبي وتضحيات جيشها الباسل.
https://www.facebook.com/you.write.syrianews