ليس خافياً على أحد إن تفاقم خطر الإرهاب في المنطقة كان المتسبب الأول فيه هي إدارة أوباما، التي مكنت داعش وجميع تفريعات القاعدة من التغلغل في الساحة السورية والعراقية، والتي هي أشبه بالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال كي لا يراها الصياد، أليست هذه الإدارة هي نفسها التي تلكأت طويلاً في تسليح الجيش العراقي وتجهيزه؟
وليس أدل على تخبط السياسة الأميركية في المنطقة من
طريقة تعاملها مع إنتفاضات الجحيم العربي وتحالفها مع جماعات الإسلام السياسي، ومن
هنا كان التعامل مع الأزمة السورية منذ بدايتها أكبر مؤشر على تخبط هذه السياسة
وترددها وعدم وضوح الرؤية بالنسبة لها، خاصة بعد أن تبنت سياسة دعم المعارضة
السورية بالتنسيق مع تركيا، وهو أمر أدى في النهاية بإدارة أوباما للتغاضي عن دخول
التنظيمات الإرهابية إلى داخل الأراضي السورية، على أمل إمكان التغلب عليها
مستقبلاً من قبل المعارضة المعتدلة، ولكن الذي حدث هو العكس.
واليوم تقوم الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة بشن هجمات جوية على تنظيم داعش
في سورية كما تقوم بتدريب القوات العراقية لدحر تنظيم داعش في العراق إلا إنها في
نفس الوقت تقوم بتدريب اكثر من 5 ألاف معارض سوري في السعودية ما يعني إنها تحارب
في أكثر من جبهة النظام السوري وداعش، وفي إطار ذلك ندرك تماماً إن الولايات
المتحدة الأمريكية غير جادة بالقضاء على الإرهاب وتجفيف منابعة، وإنما تقوم بدور
المسك بورقة محاربة الإرهاب لتمرير مصالحها، وهذا ما أكدته التجربة التاريخية مع
القاعدة، فلو عدنا قليلاً الى الوراء في فترة الحرب الباردة الوقائع أكدت أن
الإستراتيجية الأمريكية لمحاربة الإتحاد السوفياتي دفعها لتبني خطط عملية لصناعة
مجموعات متطرفة لمحاربة السوفيات في هذا البلد او ذاك ومنها افغانستان, فسعت أمريكا
لتحقيق هذا الهدف في صناعة القاعدة في أفغانستان لمحاربة القوات السوفياتية في
أفغانستان بعد إجتياحه من قبل هذه القوات, وهكذا تكونت الشراكة بين الولايات
المتحدة والمجموعات المتطرفة.
وفي سياق متصل عبّر الرئيس التركي أردوغان عن الإختلاف في وجهات النظر بينه وبينه
حليفته الكبرى، الولايات المتحدة، بشأن برنامج العمل في سورية ووصل هذا الإختلاف
إلى حد الإفتراق بين أنقرة وواشنطن في واحد من أكثر الملفات أهمية وخطورة في المشرق
العربي، المتمثل بالحرب على تنظيم داعش، فتركيا لا تزال مصرة على عدم المشاركة في
قتال داعش، وواشنطن لا تزال متمسكة بعدم إتخاذ خطوات من شأنها إسقاط النظام السوري،
فأنقرة لن تساعد في قتال داعش، إلا إذا منحتها واشنطن غطاء لإقامة منطقة عازلة في
الشمال السوري، وخطوات جدية تكون كفيلة بإسقاط الرئيس الأسد
لكن أولوية الولايات المتحدة تتركز حول نقطتين أساسيتين هما إضعاف داعش، وتقوية المعارضة السورية لإستنزاف النظام وإجباره على تقديم تنازلات في عملية سياسية، وبالمقابل فإن أردوغان لا يكترث لهذين الهدفين الأمريكيين، هاجسه هو إسقاط الأسد، ولهذا السبب عبّر عن خيبة أمله لعدم إستجابة واشنطن وحلفائها للشروط التي حددتها بلاده لكي تؤدي دوراً أكبر في التحالف ضد داعش في سورية، وبالتالي فإن التحالف الخفي الذي شاركت تركيا فيه من أجل إسقاط النظام السوري، كان تعمل فيه بشكل واضح على تحويل سورية إلى فناء تركي ودولة موالية للمصلحة التركية، إلى جانب القضاء على مشروع نقل طاقة آسيا الوسطى إلى أوروبا عن طريق البحر المتوسط مروراً بإيران والعراق وسورية، وهو مل يسمى بـ "الخط الإسلامي"، وسعت إلى تحويل مسار طاقة المنطقة الآسيوية عن طريق الأراضي التركية مثل خط "ترانس الأناضول" بما يوفر لتركيا الطاقة اللازمة لإدارة مصانعها، وتعزيز أهميتها لدى الرجل الأوروبي
وللأسف بمساعدة بعض الدول العربية التي لا
تعي أن الغرب لا يهمه منها إلا مصالحه وسيطرته على مقدرات هذه المنطقة، مهما كان
الثمن المدفوع باهظاً، وها هو الثمن المدفوع اليوم يأتي على حساب تدمير وتقسيم
المنطقة وسفك دماء أهلها، وقد ارتفعت في الفاتورة نسبة الدم العربي، وبات بعض
الحكام العرب يحمون عروشهم على أكوام جثث الشهداء، بل أصبحوا الأداة الأقوى في
تنفيذ الأجندة الاستعمارية الجديدة التي يرى الغرب بموجبها أن إشعال المنطقة
وتقسيمها طائفياً هو النتيجة الأسلم للسيطرة والهيمنة عليها بعد فشل جميع
الإستراتيجيات السابقة.
إن أكثر المتحالفين الذين تعمل معهم الإستراتيجية الأمريكية في الحرب على داعش
ركزوا كل جهودهم وسعيهم على العراق لإضعاف داعش وطرده من المناطق المأهولة بالسكان،
وفي نهاية المطاف زيادة الهجمات في سورية والتخلص من الرئيس الاسد وإنشاء قوى
معارضة معتدلة لتأسيس بنية أمنية جديدة في المنطقة
ولكن هذه السياسة لم تثمر أي ثمرة حتي الآن،
ولهذه الأسباب نشاهد فضائح إستراتيجية في مواجهة داعش من قبل الولايات المتحدة
وحلفائها، خاصة بعد أن وقف الجيش السوري في وجه السياسة الأمريكية وفرمل الأهداف
والغايات، لكل أقطاب المؤامرة، ولا شك أن تصريحات أوباما بشأن التحالف الدولي
ومحاربة الإرهاب يطرح تساؤلات كثيرة عن جدية إدارة أوباما في مكافحة الإرهاب،
وإمكانية نجاح التحالف ضد داعش، وحول النوايا الأميركية الحقيقية من وراء قيادة هذه
الحرب التي يراد لها أن تستمر سنوات طويلة، وكأن داعش أقوى من ألمانيا النازية،
ومدى جدية واشنطن في الضغط على تركيا لوقف دعمها لداعش، وسعيها للإستثمار في هذا
التحالف من أجل إحتلال أجزاء من شمال سورية، شكوك كثيرة يغذيها تخبط سياسات واشنطن
وتناقضاتها، خصوصاً أننا لم نر منذ بداية ضربات التحالف ضد داعش سوى تزايد في تمدد
التنظيم داخل سورية والعراق.
ومع تمدد داعش الآن كل المعطيات تؤكد إن الولايات المتحدة الأمريكية تأخذ بنظر
الإعتبار موقف تركيا المهادن لداعش, فأمريكا تدرك تماماً إن تنظيم داعش لا يزال
يعبر من الحدود التركية وإن هنالك تنسيق بين داعش والحكومة التركية, وإن تركيا
مستفادة من داعش, ليس فقط لهدف الإطاحة بالنظام في سورية وإستمرار تمددها في العراق
وإنما لتقوية مركزها ونفوذها الإقليمي تحسباً لأي تغيير في خارطة الشرق الاوسط ,
ولأضعاف أكراد سورية والعراق, وهذا يساعدها على إضعاف نفوذ حزب العمال التركي, من
هنا أكدت التجربة التاريخية لمواجهة الإرهاب إن الإستراتيجيات الأمريكية لا تقضي
على الإرهاب وإن الإستراتيجية الحالية هي عقيمة في محاربة الإرهاب أيضاً وفيها
أجندات وحسابات أمريكية لخدمة مصالحها الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط ومناطق
أخرى
وبإختصار شديد تحاول تركيا بشتى الطرق،
المحافظة على قوة داعش من جهة والقوى المناوئة له من جهة أخرى حتى يصل التحالف إلى
الإقتناع بلزوم التدخل البري ضد داعش في المرحلة الأولى، والنظام السوري في المرحلة
الثانية، وبالتالي يتحجم دور الأكراد في سورية الذين يشكلون عمقاً لوجيستياً لأكراد
تركيا، وأخيراً يمكنني القول إن الحرب المعلنة الآن بذريعة القضاء على الإرهاب إلا
جولة جديدة للهيمنة على مستقبل المنطقة وسرقة ثرواتها.
الدكتور خيام الزعبي- صحفي وكاتب أكاديمي
https://www.facebook.com/you.write.syrianews