جلس بمنتهى الحزن يتأمل بياض السماء الذي لطالما كان صديقه الوحيد كانت الدنيا تمطر وكان المطر مليئا بالخير في كل قطرة رأى عيون حبيبته.
وضع الكأس على الطاولة وبدأ بتحريك الملعقة بداخلها كي يذوب السم تماما ثم قال في نفسه :لقد اتخذت قراري لم أعد أريد البقاء في هذه الدنيا لم يعد يلائمني هذا الجو المليء بالأحقاد والمشاحنات والخسارات سئمت الناس سئمت جو النفاق والتظاهر فيما بينهم سئمت حقيقة أن يتزوج الجميع ممن لا يحبون سئمت حقيقة الوحدة التي لا تنتهي معي.
التفت إلى الجانب الأيسر ورأى المطر يصبح غزيرا أكثر فأكثر اقترب من النافذة وقال: نعم لقد أصبحت السماء الآن تماما مثل خدودها عندما تشعر بالبرد ,لا أعرف ماذا يحدث لي ولكن كل شيء يشبهها إنه وقت الغروب احمرار الغروب وبياض السماء الناصع صارا يديها ما هذه الحياة التي تمنع عاشقا عن حبيبته لأنه لم يتجاوز نقطة الصفر بعد ,ولن نتجاوز نقطة الصفر إلا إذا أصبحنا في العقدين الأخيرين من عمرنا هكذا كان يقول لي والدي.
عاد إلى الطاولة وجلس ثم أمسك الكأس وأخذته أفكاره بعيدا عن الطاولة وبدأ يتخيل ماذا سيشعر عند الموت وبعده ومن سيحزن عليه ومن سيزور قبره ثم قتل كل هذه التساؤلات ليؤكد لنفسه رغم عدم اقتناعه بذلك أنه اذا ما مات انتهى كل شيء ولن يشعر بشيء بعد الآن.
عندما شعر بالوحشة نتيجة الصمت أشعل التلفاز ليشاهد امرأة فلسطينية تم تدمير بيتها من قبل القوات الإسرائيلية بشكل كامل وماتت جميع عائلتها أولادها الشباب وبناتها الصبايا أما هي لم تمت فعندما تم القصف كانت خارج المنزل سألها المراسل:ماذا ستفعلين الآن يا حاجة؟ هل تناشدين أحدا أن يساعدك أجابته:سبقوني للشهادة أولادي الخمسة عندي ولدين وثلاث بنات أتمنى أن أراهم في الجنة. قال لها: أين ستنامين؟ قالت له: عندما تدمر بيوتنا ويستشهد أولادنا أشعر بنشوة النصر يا بني لم يكن القاتل يوما منتصرا على المقتول وإنما كان أضعف منه فقتله وما بيتي وأولادي إلا فداء لهذه الأرض المقدسة.
جاء كلام السيدة الفلسطينية على مسامع الشاب في العشرينيات من عمره ليبكيه بحرقة لقد ماتت عائلة السيدة لقد دمر منزلها وهي سعيدة وتبتسم أما أنا ما عدت أستطيع أن أكمل الحياة دون فتاة أحبها هل النصر بالموت أما الموت بالنصر وهل علينا أن نخسر ونستمر ونخسر ونستمر على أمل قد لا يتحقق بأننا سنربح يوما.
نحن لا نملك من أمرنا شيئا لا نملك يوم مولدنا ولا نملك يوم مماتنا نحن نستطيع فقط أن نحدد كيف نعيش وبما أن الحياة سلبتني حبيبتي رغم إرادتي وإرادتها إلا أنها لن تسلبني استمرارية حبي لها ولن تسلبني استمرارية البقاء سأبقى هنا وليأتي الموت عندما يريد رمى الكأس باكيا وخرج يقول صفعني كأس السم عندما لم يذب فورا وصفعتني السيدة الفلسطينية عندما علمتني معنى الانتصار الحقيقي.