العملية الإسرائيلية في القنيطرة أدخلت المنطقة في منعطف خطير وهو التدخل الأكثر وضوحاً لإسرائيل على خط الأزمة السورية، في إطار هذا لم يكن العدوان الإسرائيلي على مدينة القنيطرة الأولى من نوعها منذ بدء الحرب السورية، بل سبق لها أن إستهدفت قاعدة صواريخ لحزب الله على حدود سورية
ومع ذلك، فإن
هذه الغارة من دون أدنى شك، الأكثر خطورة على الإطلاق، من حيث التداعيات المحتملة،
وهذا يشكل دليل واضح إلى التورط الإسرائيلي في الحرب السورية خصوصاً على جبهة
الجولان، بدليل أن سيطرة المجموعات المسلحة على الجانب السوري من معبر القنيطرة على
الحدود مع إسرائيل كانت بمثابة خدمة وهدية مجانية قدمتها إسرائيل لهذه المجموعات من
دون أي مقابل، التي سبق أن حصلت من إسرائيل على كل أشكال الدعم اللوجستي والعسكري
فضلاً عن إسعاف جرحاهم وتقديم العلاج لهم، من هنا هدفت إسرائيل من هذا الدعم تحقيق
بعض الأهداف الإستراتيجية، أهمها ضرب بعض مواقع الجيش السوري التي من الممكن أن
تشكل خطراً في أي مواجهة فعلية.
في سياق متصل إن الثمن الذي دفعه حزب الله بفعل الإعتداء الإسرائيلي كبير، لكن من
شأن هذا الإعتداء أن يساعد الحزب كثيراً في تثبيت الصورة الحقيقية للصراع الدائر في
سورية ، بإعتباره صراعاً مع إسرائيل ومشروعها التوسعي في المنطقة، وبالتالي بعد
اليوم لن يكون هناك إلتباس في طبيعة المواجهة التي يخوضها حزب الله في سورية، بعدما
تأكد بالعين المجردة أن إسرائيل أصبحت جزءاً مهماً من المعسكر الساعي الى تغيير دور
دمشق وموقعها الإستراتيجي تمهيداً للقضاء على المقاومة في لبنان، وما ترمز إليه في
المعادلة الإقليمية والدولية
ومن هنا يمكنني
القول إن الغارة الإسرائيلية هي إعتداء جديد على أراض عربية وتدخّل سافِر في الأزمة
السورية، إذ كشفت حجم التنسيق بين إسرائيل وبين المجموعات المسلحة التي تواصل
عملياتها العسكرية في المنطقة المواجهة للجولان المحتل، بمعنى إنها خطوة تمهيدية
لتسهيل سيطرة المسلحين التابعين لإسرائيل على تلك المنطقة، ورسالة إقليمية من قبل
تل أبيب على الإتفاق النووي الإيراني الذي سيحدث حتماً بين طهران والدول الست، حسب
رأي المراقبين والمهتمين بالشأن الإيراني .
في الواقع إن إسرائيل قامت بعدوانها في الوقت الحرج، وهو الوقت الذي تجري فيه
مفاوضات حول الملف النووي الإيراني، وإجتماع قريب بين النظام السوري والمعارضين في
موسكو للبحث عن حل للصراع السوري، ما يجعل الرد على إسرائيل الآن يصب في خدمتها إذ
يقضي هذا الرد على كل هذه المفاوضات والإجتماعات والحوارات ويدخل المنطقة كلها في
حرب إقليمية ليس وقتها الآن، لذلك لا ردّ على إسرائيل في الوقت الحاضر، بل في
إنتظار معرفة نتائج المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، ونتائج المساعي الروسية –المصرية
لحل الأزمة السورية، ونتائج الحوارات الجارية بين الأقطاب في لبنان لترسيخ الأمن
والإستقرار فيه وليس زعزعته
وبالمقابل تعلم
إسرائيل علم اليقين أنّ المقاومة لم ولن تكرّس معادلة السكوت على دماء شهدائها، أي
أن ردّ حزب الله على هذه العملية لن يكون رداً عادياً، بل رداً قاسياً سيؤدي إلى
تبديل موازين القوى في محافظة القنيطرة، عبر السعي إلى القضاء على المجموعات
المسلحة هناك أو إضعافها على أقلّ تقدير، والتي كانت إسرائيل تراهن عليها لتحقيق
أهدافها المخفية في هذه المدينة وبحسب تقديري أن رد حزب الله آت لا محالة، وأن في
إنتظار الجيش الإسرائيلي أياماً صعبة من التوتر والقلق والإستنفار غير المسبوق، مع
تقدير أن الردّ لن يكون فورياً، لكن التساؤل الذي يفرض نفسه هو: كيف سيرد نصر الله
على الهجوم، وكيف سيرد على مقتل هذا الشخص \"جهاد مغنية\" الذي سلب النوم من
عيون الجيش الإسرائيلي وزرع الرعب والخوف في قلب قادته؟
اليوم تنشغل إسرائيل في البحث في إحتمالات الرد المؤكد والمحتوم لحزب الله على
إعتداء القنيطرة وزمانه ومكانه وحجمه، وسط إجراءات وتدابير إحترازية إعتمدها الجيش،
من بينها منع المستوطنين من الإقتراب على طول الحدود مع لبنان وفي الجولان، فالكثير
من الإسرائيليين أبدو تخوفهم من حرب لبنان الثالثة وأبدى آخرون خشيتهم من تصعيد
شامل في حين إكتفى بعض آخر بالحديث عن لعب بالنار ومجازفة خطرة، وكان واضحاً للجميع
أن ثمة ربطاً بين العملية
ومقابلة السيد
حسن نصر الله الأخيرة مع قناة الميادين التي وجّه فيها الكثير من الرسائل الواضحة
الى إسرائيل أن كل الإحتمالات والسيناريوهات واردة فيما يتعلق بردّ حزب الله على
عملية القنيطرة، ومن بينها إطلاق صواريخ أو زرع عبوات أو عمليات من أنواع أخرى، لكن
رد فعل حزب الله حتى الآن هو تحريك قواته على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، ولا
يوجد أدنى شك في أن الحزب سيرد بقسوة على الهجوم الإسرائيلي، لكنه لن يفعل ذلك إلا
وفق جدول زمني يناسب قدراته، لذا لن تكون هناك استجابة فورية، وربما تكون هذه
الاستجابة في غضون الشهرين القادمين قبل انتخابات الإسرائيلية، بما يعرض حظوظ
نتنياهو الانتخابية للخطر.
السؤال الأكثر أهمية هو ماذا سيحدث الآن؟ واضح جداً أن حزب الله غير معني حاليا
بالتصعيد مع إسرائيل، والسبب الرئيسي هو أن الإيرانيين لا يرغبون بحرب جديدة بين
اسرائيل وحزب الله في هذه اللحظة، فقد درّبوا مقاتلي حزب الله وأرسلوا ترسانة ضخمة
من عشرات آلاف الصواريخ الى لبنان من شتى الأنواع بهدف توجيه ضربة قوية ضد التجمعات
السكانية الإسرائيلية والبنى التحتية، في حال هاجم الجيش الإسرائيلي المنشآت
النووية الإيرانية، أما السبب الآخر هو الوضع الميداني في كل من سورية واليمن
ولبنان، وبالتالي حزب الله سيكون حريصاً على عدم فتح جبهات جديدة، والحزب لن يتصرف
بإنفعال وإرباك، وإنما سيأخذ الوقت الذي يراه مناسباً لتحديد الخطوة الآتية بهدوء
وحزم، وهذا ما عكسه البيان الصادر عن الحزب والذي إكتفى بنعي الشهداء، تاركاً باب
التأويل مفتوحاً.
أخيراً يمكنني القول إن حزب الله يرى في الهجوم الإسرائيلي تحدياً له، وهو ملزم
بالرد كي لا يبدو ضعيفاً في نظر أعداءه، إلا أنه قد يؤجل الرد إلى أن تنشأ ظروف
تنفيذية ملائمة لإعتماد خياراته، بإختصار شديد إن إسرائيل أمام منعطف إستراتيجي لن
تسعفها كل بشاعة القتل والدمار التي تمارسها أن تخفي إخفاقها في الخروج من مأزق
عدوانها البغيض، وإرباكاتها التكتيكية أمام حركات المقاومة التي أصبحت مؤشرات
معالمها واضحة للجميع، فشروط المقاومة اليوم قد تغيرت وإرتفع سقفها، وباتت في
الصدارة، ومبادرات الخنوع والإستسلام لم يعد لها بين محور المقاومة، والكلمة الفصل
والقرار اليوم لم يعد لأحد سوى للأبطال في الميدان، فهم باتو الأمل الوحيد للأمة
المكلومة في رسم خارطة طريق جديدة لسورية وللأمة بأسرها.
الدكتور خيام الزعبي- مدير مكتب صحيفة العالم الجديد بدمشق
https://www.facebook.com/you.write.syrianews
شايف حزب الله رد ولم يرد عليك هذا يعني حسباته غير منطبقة مع الواقع أو قراره من أطراف أخرى أو حساباتك خارج المنطق وكذلك تم الانتهاء من ملف التصعيد