إن أساس تقدم الدول العظمى هو التطور والتقدم الصناعي, وإهتمامها بالتعليم والتدريب المهني, فكثير من الدول المتقدمة أولت التعليم المهني جل إهتمامها فإنعكس ذلك على تقدمها مثل ألمانيا التي إهتمت به حتى أصبح أحد الأسباب الأساسية التي قادت إلى نهوض ألمانيا من أنقاض الحرب العالمية الثانية
أما في سورية فقد عاش التعليم المهني مخاضات كثيرة،
فمنذ الإستقلال وحتى عام 1986 ظلّ مقتصراً على 10٪ من حملة شهادة الكفاءة آنذاك، ثم
رُفعت النسبة فجأة إلى 70٪ وجرى تخفيضها إلى 50٪ ثم 40٪ وبعد ذلك 30٪ علماً أن
تقدّم الدول الصناعية بُني على خريجي المدارس الصناعية في تلك الدول، وأن هذا
التعليم المكلف جداً يتيح لطلابه إلى جانب المعارف النظرية والثقافة العامة، مهارات
يدوية ثمينة تساعدهم على إمتلاك مفاتيح فرص العمل.
اليوم لا يوجد نقص في التصريحات التي تذكرنا بأن سورية تحتل مرتبة رائدة في المنطقة
العربية في مجال التعليم، وهذه حقيقة تدعمها الأرقام، وشهد العقد الماضي عدداً
كبيراً من المبادرات التي تهدف إلى إصلاح التعليم المدرسي وتطويره، خاصة التعليم
المهني الذي يعتبر جزءاً من عملية التعليم الرسمية في سورية والتي بدأت تخضع لعملية
تحديث ومراجعة وتطوير إمتدت إلى مفاصله الأساسية على مدى الفترة الماضية، الأمر
الذي حدا بوزارة التربية إلى التأكيد على ضرورة تنشيط وتحفيز هذا النوع من التعليم
والتدريب على المستوى المحلي وأصبح ينظر إليه كجزء أساسي مكمل للحياة، بإعتباره
وسيلة رئيسية لتحسين المجتمع ورفع مستواه على كافة الصعد.
كانت تجربة التعليم المهني في سورية منذ عشرات السنوات بسيطة وتطورت عاماً بعد عام
نحو الأفضل ومنذ تلك الفترة إلى وقتنا الحاضر خرجت دفعات كثيرة من الطلاب المهنيين
متسلحين بالمعرفة والخبرة العملية وساهموا في تطوير هذا البلد سواء على مستوى
القطاع الحكومي أو القطاع الخاص ومن ثم أخذت أعداد المدارس المهنية تزداد في جميع
المحافظات السورية وتزداد أعداد الطلبة المتقدمين إليها، وبالمقابل إستوردت وزارة
التربية المكائن والآلات الخاصة بالتدريب وجهزت المدارس بكل ما يلزمها من معدات،
ورغم ما تعرضت إليه مدارسنا المهنية الى النهب والسلب والتدمير من قبل العصابات
المسلحة سعت الوزارة الى إعادة تأهيل وتجهيز المدارس بالآلات اللازمة للتدريب
ولأجل هذا إنطلقت الأسبوع الماضي في وزارة
التربية بالتعاون مع منظمة اليونسكو ورشة عمل حول تطبيقات التربية من أجل التنمية
المستدامة ومهارات العمل والحياة في التعليم المهني والتقني، أعطت هذه الورشة لمحة
عما آل إليه حال التعليم المهني في سورية من تحسن وتطور، وناقشت التحديات التي
تواجه هذا التعليم، وتوطين مفهوم التنمية المستدامة في مناهج التعليم التقني
والمهني، وبشرت بقدوم جيل جديد مسلح بالعلم والمعرفة وقادر على الدخول في سوق العمل.
في هذا السياق حقّق التعليم المهني في سورية نصراً كبيراً على النظرة الدونية إليه،
وعلى كثير من معوقاته، إذ تم إفتتاح كليات جامعية في العلوم التطبيقية لإستيعاب
أكثر من 75٪ من خريجي الثانويات المهنية والمدارس المهنية في عدّة وزارات، وأصبح
هناك ما يسمى التعليم المزدوج الذي يتم بالتعاون مع بعض غرف الصناعة و التجارة، كما
خطت الوزارة شوطا متقدماً في مجال تطوير مناهج التعليم المهني بجميع إختصاصاته وتم
تشكيل لجان للقيام بهذه المهمة وفق نظام المعايير والوحدات التدريبية التعليمية، و
قد بوشر هذا العام ببعض المهن الجديدة وإستحداث أقسام وتخصصات جديدة، لإعداد الطلاب
وإكسابهم المعارف والمهارات التي يتطلبها سوق العمل
وهناك تنسيق بين الوزارة وبعض الجهات في
الدولة تقوم بموجبها هذه الجهات بإرسال إحتياجاتها من الخريجين في تخصصات مختلفة
وتقوم الوزارة بسد احتياج هذه الجهات، لذلك ندرك الأهمية الكبرى للتعليم المهني
لتغطية العجز في سوق العمل ورفده بالقدرات والكفاءات المختلفة التي تتطلبها التنمية،
ولهذا فإن الإقبال على التعليم الفني والتقني من قبل الطلاب في الفترة الأخيرة يمثل
كثافة اذا ما قورنت بإقبالهم عليه فيما سبق ولعل من أهم اسباب إقبال الطلاب على
التعليم الفني هو إهتمام القيادة السياسية بهذا النوع من التعليم، وذلك لما له من
أثر في القضاء على البطالة بين اوساط الشباب.
بالرغم من كل هذا ما زال نظام التعليم المهني والتقني في سورية يعاني عدداً من
المعوقات التي وقفت ولا تزال تقف في وجه تطوره، وإذا كان النظام التربوي جاداً في
الإرتقاء بهذا القطاع لا بد من:
-تبني إستراتيجيات واضحة تؤدي إلى تنظيم قطاع التعليم المهني والتقني وتضمن تماشي مدخلاته ومخرجاته مع عالم المعرفة والتكنولوجيا الجديد
- تعزيز مفهوم العمل المهني والتقني في المجتمع من خلال برامج التوعية والتوجيه والإرشاد المهني وترسيخ أهمية دراستها والتدريب عليها في أفكار المواطنين، وسن تشريعات وقوانين منظمة لقطاع التعليم المهني والتقني ـإعادة النظر بآليات القبول في الثانوية المهنية حيث لا يقتصر ذلك على العلامة في شهادة التعليم الأساسي وإنما من خلال مفاضلة تراعي تعدد رغبات الطالب ومشاركة أسرته في الإختيار وذلك وفق معايير محددة
- إيجاد آليات تنفيذية تشجع الإقبال على هذا القطاع من خلال توفير محفزات مختلفة للدارسين وإيجاد فرص عمل لهم في القطاعات العامة والخاصة
- فتح آفاق للتعليم المهني والفني والتقني من خلال أنماط التعليم المسائي أو التعليم العالي أو نظام التجسير ومتابعة شؤون الخريجين ومواءمة إختصاصاتهم مع سوق العمل بالمشاركة مع الفعاليات الإقتصادية ولاسيما على صعيد عملية التأهيل والتدريب المزدوج
-إعادة النظر بوضع بعض المهن التي لم تعد تتواءم مع
إحتياجات المجتمع وسوق العمل واحداث معاهد وإختصاصات جديدة تتوافق مع التطور
الإقتصادي وإحداث مهن تراثية ذات جدوى وأهمية إقتصادية وإجتماعية.
وبالمقابل يمكن زيادة أعداد الطلبة في المدارس المهنية من خلال :
-منح مخصصات مالية معقولة للطلاب المتقدمين للمدارس المهنية
-تهيئة فرص عمل للخريجين من المدارس المهنية
-زيادة نسبة قبول خريجي المدارس المهنية في المعاهد والكليات وفق إختصاصاتهم
مجملاً...إن الطموح الأكبر لوزارتنا هو تخريج كوادر فنية بدرجة عالية من المهارة
تستطيع أن تجد فرصة حقيقية لها في سوق العمل أو أن تقدم خدمة للمجتمع أو أن تواصل
دراستها العليا في مختلف الجامعات، بالتالي يحظى هذا التعليم في بلدنا بإهتمام كبير
كونه يعزز النهوض الإقتصادي ومجالاً لكسب المعرفة والخبرة العلمية والعملية في
العديد من الميادين الحرفية والمهنية، وبإختصار شديد إن المعلم في مدارسنا المهنية
ليس كمعلم في المدارس الإبتدائية فهو مدرب فني وبإختصاصات مختلفة وهو ثروة وخبرة
سنين طويلة من الصعب التفريط به كونه يعمل على نشر وتنمية الوعي الصناعي والتقني
بين مختلف شرائح المجتمع.
https://www.facebook.com/you.write.syrianews