*على مهلكم يا شباب ويا صبايا ويا عجائز ، على مهلكم ، تشاوروا ، تشاوروا ، حتى تشبعوا تشاوراً للأخير ، ما فيه شيء يستحق العَجَلة .. العَجَلة من الشيطان ، كل ما في الأمر شوية تفجيرات وشوية مفخخات وشوية صواريخ وشوية ضحايا جدُد كل يوم على الحواجز، وبالأحياء وبالقُرى ، وكل شيء صار عادي ، ولا شيء يستحق العجَلَة والإعلام المُغرِض يبالغ ويُضخّم الأمور ، وهيَ عادية جدا .. والناس عايشة وما أحلاها ، وعين الله عليها مو ناقصها شيء ..
* سبقَ وكتبتُ عن رؤيتي للحل في سورية في مقالي يوم
13/ نيسان 2015 تحت عنوان "المأساة السورية في عامها الخامس" بعد لقاء موسكو
التشاوري الأول .. وقد تابعتُ اللقاء الصحفي يوم الجمعة 10/ نيسان عمّا تمخّضت عنهُ
نتائج مشاورات موسكو 2 ، وتمنّيتُ (على زميلي وابن دورتي الذي كان مقتنعا بالكامل
أنّ غياب الديمقراطية يكمن خلفَ كل أشكال الفساد والترهُّل حينما كنا نتناقش في
أواسط التسعينيات) تمنّيتُ لو كان هناك ابتعاد عن أسلوب الخطابة والوعظ وعدم
الإسهاب في آخر اللقاء بشرحِ أمورٍ أضحتْ من البديهيات وقد شَبِعتْ شرحا وتحليلا
ونقاشا وتفنيدا وتوضيحا في كافة وسائل الإعلام منذ زمنٍ بعيد ولا أحد سيأتي بجديد
حول ذلك .. ولم يعُد الحديثُ عنها يشدُّ الاهتمام لأنها واضحة، والجميع بات يعي
ويُدرِك منذ سنين أن المشروع الصهيو-أمريكي للمنطقة يهدف إلى تحطيم الجيوش العربية
ويهدف إلى تفتيت المُفتّت من جديد !.
*الشعب السوري ، وأنا أحد أبنائه يباركون أي جهدٍ ومساعٍ تخرجه من هذه الدوّامة
التي تكادُ تُغرِق الوطن كله وتبتلعه ، ولكن هل يُعقَل أنه بعد ثلاثة أيام من
الاجتماعات في موسكو بين وفدي الحكومة والمعارضات المُشارِكة ، خرجوا فقط بوثيقة
حول تقييم الوضع الراهن في سورية وموقف السوريين من الإرهاب ولم يتمكّنوا من معالجةِ
سوى بندٍ واحدٍ !. يا فرحة السوريين !. لو كانت المشاورات بين وفد إسرائيلي ووفد
حكومي حول عملية الانسحاب من الجولان ربّما لكانت أسهل منها بين السوريين أنفسهم ..
هذا ما تُوحي به نتائج المشاورات .. وهذا ما يعني
أن الدرب طويلٌ طويل .. بينما طموحات السوريين هي في الوصول لحل بأسرع ما يمكن لأن
الناس كَرِهت حياتها .. فهل يعي ذلك أولئك (المناضلون) المقيمون في العواصم
الأوروبية والخليجية والعربية مع عائلاتهم (ويجعرون) على الشاشات ويُحرِّضون على
مزيدٍ من القتال ويشتمون أمريكا والأطلسي ليل نهار لأنهم لم يُعيدوا سيناريو العراق
أو ليبيا في سورية ؟.
*سورية التي صُبِغت أرضها وسمائها وبحرها وأنهارها وسهولها وجبالها وصحاريها
وبواديها ، وحتى أشجار زيتونها باللون الأحمر هي أمام مُنعطَفٍ تاريخي خطير.. ومع
ذلك ما زلنا نمضي الأوقات في اجتماعات تشاورية لا يتمخّضُ عنها إلّا نتائج متواضعة
جدا لا ترقى إلى واحد بالألف مما ينتظره السوريون !.
*أمرٌ عجيبٌ غريبٌ .. هل من سوري واحد بعد كل هذه السنين (الجميلة السعيدة
المُفرِحة) لا يعرف ما هو الوضع الراهن في سورية ؟. هل من سوري واحد لا نعرفُ ما هو
موقفهُ من الإرهاب ؟. المصيبة لا يوجد إجماع بين السوريين حول معنى الإرهاب وتعريف
الإرهاب ، فكل طرفٍ ينعتُ الآخر بهذه الصفة ..
*يا ليتهم ذهبوا لمدرسة المبعوجة الابتدائية بريف السَلمية أو مدرسة عكرمة
الابتدائية في حمص ليشرح لهم الطلاب الوضع السياسي والعسكري والاقتصادي والمَعَاشي
والأمني وأوقات انقطاع الماء والكهرباء ومناطق الخَطر وغير الخَطر وكافة التفاصيل
بما فيها أنواع الأسلحة والقذائف وأسماء الصواريخ التي باتَ يحفظ أسمائها الأولاد
الصغار ويُخبِرونك بنوع القذيفة مجرّد أن يسمعوا أزيزها أو صوت انفجارها ، ونوعية
المتفجِّرات في السيارة الملغومة التي فجَّروها في حمص بعد وقتٍ قليلٍ من اللقاء
الصحفي كنوعٍ من التحية لاختتام المشاورات الثانية في موسكو ، وكذلك نوع الصواريخ
التي دمّروا فيها البيوت فوق رؤوس أصحابها في حلب باليوم التالي كاحتفاء بنتائج
مشاورات موسكو !.
* تلاميذ الابتدائي في سورية باتوا خبراء في كل أوضاع البلَد أكثر من المقيمين في
نيويورك وموسكو وباريس وواشنطن ودُبي وأبو ظبي وموسكو والقاهرة وكييف .. أو أي مكانٍ
آخرٍ خارج سورية ..وربّما أكثر مِمن يقيمون في دمشق ولا يعرفون بسورية سوى تنظيم
كفرسوسة أو تنظيم مشروع دُمَر والمالكي والعزائم في مطاعم الخمس نجوم، بينما يحفظون
جيدا خريطة نيويورك وواشنطن وكندا .. وخبراء في الدّس والنميمة ومحاربة خيرة كوادر
الوطن ومن لا يصلون إلى رُكبِهم في الوطنية ..
*سورية (ما شاء الله ومن دون حسَاده) أطفأت شمعتها الحمراء الرابعة وأشعلت الخامسة
،بناء شعبه .
وما زالت أراضيها ترتوي بالدم بدل الماء .. ونساؤها يتّشحن باللون الأسود ، ليس
لأنه مَلِكُ الألوان ، ولكن لأنه رمز الحزن والأسى والألم .. حتى اليوم ملايين من
السوريين لا تصدِّق ما تراهُ وما تعيشهُ رغم أنها تتنقل يوميا بين القذائف في
الشوارع والحارات والأرياف ، ورغم أنها باتت تلمس أن الدولة أصبحت دُولا وأن الشعب
أصبح شعوبا وأن الوطن أصبح أوطانا ..(ومع ذلك على مَهَلٍ فلا ضرورة مُلِحّة لوضع حدٍّ
لمأساة السوريين، فلنتشاور .. لنتشاور )..
وبعد التشاور يغادر غالبية المشاركين إلى أين
؟ إلى باريس ولندن وواشنطن وأبو ظبي ودبي والقاهرة وغيرها من العواصم .. وبعضهم فقط
يعود لدمشق . فهل أولئك يحملون هموم السوريين ويعرفون معنى المعاناة أم أنهم
يتاجرون بمعاناة السوريين وهم يعيشون مع عائلاتهم بأمنٍ وراحةٍ وسلام خارج حدود
الوطن الملتهِب !.
*ما بين التشاوُر الأول في موسكو والتشاوُر الثاني الحالي ، لا نعرف كم تطايرت من
الأجساد إلى أشلاء ، وحتى يحين موعد الاجتماع التالي لا نعرف كم سيصبح عدد الشهداء
.. ولا كم ستُنزَف من الدماء .. بينما لعبةُ كسر العظم على الأرض السورية مستمرّةٌ
بين كافة الأعداء .. والسوريون يناجون ربهم للخلاص صُبحا وعشاء .. ولكن لا أحدا
معنيٌ بوضع حدٍّ بالسرعة المطلوبة لهذا العَنَاء.. ومن أشعلوا هذه الحرب هدفهم
لسورية الموت والفناء .. وليعبُر السوريون بأقصى سرعة لدار البقاء .. فالحوريات
بانتظارهم على موائد عامرة في السماء .. وشو بدهم بحياة الأرض ما فيها غير التعب
والشقاء !..
*حصلت نزاعات داخلية كثيرة عبر التاريخ بين أبناء الشعب الواحد في بلدانٍ عديدة
وأخذت طابع الحروب ولكن لا أعتقد أن أيٍّ منها قد وصل لدرجة الحقد والعنف والقسوة
والشدّة وسفك الدماء وحجم التدمير الذي وصل إليه السوريون ، فقد تقدّموا على
التوتسي والهوتو في رواندا ، وأهل الخمير الحُمر في كمبوديا .. ومع ذلك نفاخر
بحضارة عمرها آلاف السنين ..
* فأين نحن اليوم جميعا كسوريين وعلى امتداد ساحة بلاد الشام (يعني سوريا الكُبرى)
من تلك الحضارة التي نتغنّى بها ؟. لماذا لا نحمل في حاضرنا أيّة قيم وأخلاق ووعي
يُمكِّننا من قبول بعض والحوار مع بعض والتعامل مع بعض بشكلٍ حضاري وديمقراطي
ونتداول السلطة والحُكم بين بعض بشكلٍ حضاريٍ أيضا وديمقراطي بدل الانقلابات
والحروب والتآمر !.
*نعم نحن العرب أصحاب حضارة عميقةٍ في التاريخ ولكن أين هي اليوم قيم وأخلاق تلك
الحضارة ، ولماذا كل شعوب الأرض تغيّرت وانتقلت نحو التعامل داخل بلدانها برقيٍّ
وحوارٍ وديمقراطيةٍ إلا الشعوب العربية ؟. لماذا الشعب الأمريكي وشعوب أمريكا
الجنوبية التي ظهرت البارحة على خارطة الجغرافية والتاريخ تحكمها قيم الديمقراطية
واحترام حقوق الإنسان وسلطة القانون والعدالة وتكافؤ الفرص وحرية التعبير ، بينما
كل هذا ما زال محظورٌ في بلاد العرب ، بل هناك من يعتبرونهُ كُفراً بموجب فتاوى
يقولون عنها أنها فتاوى شرعية ؟. أليسَتْ كل مصائب العرب مردُّها أساسا إلى تلك
المحظورات ؟.
*لماذا من كانوا يفتكون بالشعوب الأخرى كما الوحوش، وفتكوا بشعب الهنود الحُمر
وغيره ، يتعاملون فيما بينهم اليوم بشكل حضاريٍ وديمقراطيٍ راقٍ ، بينما نحن العرب
أصحاب الحضارة العظيمة العريقة تحوّلنا إلى وحوش كاسرة تفتك بعضها أكثر مما تفعله
الوحوش المفترسة في الغابات ؟. والمُفارقة المُضحِكة أننا نتعامل مع الأجانب بشكلٍ
ودِّي ونحاول أن نظهر معهم بمظهر المتحضِرين بينما حينما يأتي الأمر إلى تعاملنا
فيما بيننا فننقلبُ حالا إلى وحوش مفترسة ، بعكس الأجانب الذين هم كما الأخوة مع
بعض وكما الضباع مع الأجانب .. لماذا العنصر العربي العدناني أو القحطاني خلافا لكل
الأقوام الساميّة الأخرى مازال أسيرا للعقل العشائري المتعصّب المنغلق والمحدود ضمن
قوالب وأطُر عشائرية وقَبَلية ، ثم أضفنا لها بعد الإسلام العصبيات الدينية
المذهبية والطائفية ؟.
*المناطق والمحافظات اليمنية حتى يومنا هذا مقسّمةٌ ومسمَّاةٌ بأسماء العشائر التي
تعيش فيها ، وهذا أصدق تجسيد للعقل العربي .. وها نحنُ في سورية نُحْيي وبقوة
العقلية العشائرية ونؤكِّد كل يوم على مجالس العشائر واجتماعات ممثلي العشائر ودَور
أبناء العشائر ... أي أننا نؤكِّد على انتمائنا العربي والعشائري السائد في شبه
الجزيرة العربية وفي اليمن السعيد ، فمن أين لنا أن نهرب من هذا الواقع وبالمقابل
نتغنّى بحضارة عمرها سبعة آلاف سنة ونقول أن أهل جزيرة العرب متخلفون وبداوة وكأننا
لسنا بالأصل منهم ومن شحمهم ولحمهم ودمهم وعقلهم وثقافتهم ؟.
*هاهم المثقفون السوريون ونُخَب الأمة العربية يعودون إلى بداوتهم (ولا أعتقد أنهم
غادروها إلا بالمظاهر الكاذبة والخادعة) ويتحدّثون بلغةٍ تحريضية سافلة حاقدة يخجل
منها رعاع البشرية (سُنّة، شيعة، علوية، نصيرية، دروز، اسماعيلية، مسيحيين، كفارا،
مؤمنين، مرتدُّين، مشركين، إيزيدية ، عربي ، فارسي ، مجوسي ، الخ).. يعني رسالة
المُثقَّف أصبحت التحريض على ثقافة الحقد والتعصُّب والكراهية بعكس رسالات كل
الشرائع السماوية والأرضية ، وغالبيتهم وُلِدوا وتربُّوا في بلاد الشام أبا عن جد
ومنذ أجيالٍ وقرونٍ طويلة ولكن ثمن أكبر واحد بينهم شيك بمائة دولار ويبيعك قلَمَهُ
وثقافتهُ وعقيدته وإيمانه ،وحتى مؤخِّرته ..
فأين هي الحضارة التي يتغنى بها البعض
ويرونها امتيازا لهم على غيرهم من شعوب الجزيرة العربية والخليج واليمن ؟. وما
فائدة أية حضارة إن بقيت تُحَفا وآثارا وأعمدة ونُحوتا ونقوشا ولم تترسّخ قِيما
وأخلاقا وثقافة في العقول وسلوكا في الحياة ؟. ما فائدة القول أن جد جدِّي كان ثريا
وغنيا ولكن نحن اليوم منتوفين نتوسل الناس لتتحنّنَ علينا برغيف خبزٍ يابس أو حذاءٍ
مهترئ ؟. ما فائدة القول أن أمي وجدّتي كانتا في غاية العفة والشرف بينما أنا اليوم
بائعة هوى أنتظر على المفارق كل يوم !.
*أليسَ السوريون هم أوّل من بدءوا الفتك ببعضٍ ثم جاءت الأغراب لتعينهم على ذلك ؟.
ها هي سورية تبدأ عامها الأحمر الخامس التي صبغتها الدماء من كل بيتٍ وأسرةٍ وعائلة
حتى بتنا ننفر من اللون الأحمر ولو كان لون الورد.. في الغرب (الكافر) يحتفلون كل
عام بعيد الحب ، والعرب (المسلمون المؤمنون) يحتفلون كل يوم بعيد الكراهية والحقد
وسفك الدم ، حتى من منهم يقيمُ في أوروبا فقد حَمَلَ معه إلى هناك كل عُقَدِهِ
وجهلهِ وتخلُّفهِ وحقارتهِ .. قرأنا عن أكَلة لحوم البشر واعتقدنا أنهم متوحشون
يعيشون في الغابات والأدغال البعيدة وإذ بهم يعيشون بيننا مختبئين خلف يافطة :
لا إله إلا الله ومحمد رسول الله .. ولَكْ يا
عمِّي اترِكوا كل واحد ودينهِ ، ما لَكُم وأديان الناس ؟. إذا واحد حابب يروح ع
النار شو دخَلكُم فيه ؟. أنتم من ستُحرَقون أم هو ؟. شو هالعقل العدواني الدموي
الشرِّير المتوحِّش غير المسبوق في الكَون ؟. ثم من أنتم حتى تقرِّروا أن هذا مسلم
وهذا مُشرِك وهذا مؤمن وهذا كافر؟. هل أصبحتم أنتم الله بذاتِهِ؟.
*آلاف المسلحين أصبح الانخراط في الحرب لديهم وظيفة لقبض الراتب على حساب سفك دماء
أبناء بلدهم وتدميره لمصلحة أعداء الوطن .. آلاف العصابات نشأت وترعرعت في هذه
السنين لتعيش على الخطف والتشليح والسرقة والقتل وتهريب السلاح والمحروقات .. أبناء
بعض القرى يخشون التحرّك بعد المساء حتى في قراهم ، لا خوفا من المجموعات المسلحة
فقط ، وإنما خوفا من بعض ، فلم يعُد هناك رادع لقتل أي شخص للآخر لتشليحه سيارته أو
درّاجته النارية أو حتى موبايله أو لنهبة أي مبلغٍ في جيبه مهما كان زهيدا ..
يحدِّثونك عن أثرياء خلال زمنٍ قصيرٍ وقياسي بعد أن كانوا يشحدون ثمن علبة السجائر
.. فالقتل باتَ أسهل من شرب الماء بعد أن ضعُفَتْ هيبة الدولة –قليلا- وأضحت شبهُ
غائبة في بعض المناطق ولا يحسبُ أحدٌ لها حسابا ، وكل ذلك على (عيونك يا تاجر) ..
ويأتي من يحدِّثونك عن شعبٍ حضاريٍ جذوره ضاربةٌ في التاريخ سبعة آلاف سنة ..
*على السوريين جميعا أن يدركوا (وخاصّة من يتحدّثون بعقلية أكثرية وأقليات وكلام
طائفي بغيض)أنه لا يمكنُ لأبناء وطنٍ في الكون أن يعيشوا أو يتعايشوا مع بعض على
قاعدة (أنا الأقوى وروح بلِّط البحر) . هذا لا يمكن أن يستوي لاْ على صعيد طوائف
ولا مذاهب ولا عشائر ولا أحزاب ولا أنظمة ولا حُكَام ولا حتى على صعيد عائلات في
قرية واحدة . هذا منطق الغاب وغير مقبول لا على الأصعدة الوطنية الداخلية ولا على
صعيد العلاقات بين الدول واضطهاد الأقوى منها للأضعف (وتروح الأضعف تبلِّط البحر) .
هكذا يصبح العالم كله شريعة الغاب يسوده منطق الوحوش لا منطق البشر على الأصعدة
الوطنية والدولية . وكما أن التوازن مطلوب على الصعيد الدولي فهو مطلوب أكثر داخل
الأوطان حتى لا تتولّد طبقة أسياد وحُكِّام وطبقة عبيد ومحكومين .
*أتحدّثُ كسوري مجبولٌ بالوطنية التي لا أسمح بالمزايدة عليها من مخلوق سوري ،
وأقول سورية لا يمكن اختزالها بِمن أعلن عن نفسهِ مُعارِضا أو مؤيِّدا، أي ليست
مُعارَضة فقط ، وليستْ موالاة فقط ..هناك من يطرحون مشروع (الديمقراطية العَلمانية
الإيمانية) الذي لا يتحدّثُ عنهُ أحد ، وذلك بكل ما تعنيه الديمقراطية من معانٍ
حُرّة وأوّلها حرية التعبير وانتخابات تعددية حرّة ونزيهة تُلبّي المعايير
المُعترَف بها عالميا وتداول سلمي على السُلطة ، وبكل ما تعنيه العَلمانية
الإيمانية بإبعاد الدين عن السياسة وعن نظام الدولة وحصرهِ في المجتمع .. وهذا ما
يكفل للسوريين الأمن والأمان والاستقرار والتطور والعدالة وتكافؤ الفرص .. فالدِين
هو الدِين نزلَ للعبادة ، والدولة هي الدولة يضع البشر قوانينها لتسيير أمورهم
وتطويرها وتغييرها بحسب ما تتطلب مصالح البشر ..
*نسمع كلاما عن الديمقراطية ولكن لا نعرفُ إن كان المقصود هو الديمقراطية بمعانيها
وأبعادها الراقية المُتعارفُ عليها عالميا ، أم لكلٍّ مفهومه الذي لا علاقة له
بالديمقراطية !. ونسمع أحاديث عن الدولة المدنية ولكن لا نعرفُ إن كان المقصود بها
هو (العَلمانية الإيمانية) المُطبٌّقة في العالم المتقدِّم أم أنها دولة إسلاموية
بتسميةٍ مختلفة ولا علاقة لها بالمدنية ولا بالحضارة والحداثة !.
*من حق الجميع أن يعرف تفاصيل كل ذلك .. ومن حقنا أن نطالب بالاستفادة من تجارب
الغرب التي أثبتت فاعليتها ونجاحها ونجاعتها وهذه التجربة لم تعُد مُلكا للغرب فقط
بل هي مُلكٌ للبشرية كما أية تجارب أخرى ناجحة في العالم سواء علمية أم طبية أم
دوائية أم تكنولوجية .. وتجربة الغرب في الديمقراطية التي فصَلت بين السياسة وبين
الدين واحترمت الدين في مجتمعاتها هي الدواء الناجح لكل المجتمعات وخاصّة المجتمعات
التعددية .. فلماذا نتناول الدواء الغربي من أجل شفائنا وصحتنا ولا نتناول النموذج
الديمقراطي الغربي من أجل شفاء وصحة مجتمعاتنا وشعوبنا !.
* وانطلاقا من وطنيتي كمواطن سوري أقول لم نرى في الدولة حتى اليوم ورغم كل ما جرى
أي تغيير قيد أنمُلة في نهج مسئوليها بطريقة إدارة الدولة وما زالت الشخصنات
والمحسوبيات والواسطات والقرابات هي من تحكم سلوكهم وعقلهم ، وبينهم من يدعس على كل
المعايير ، ولا شيء يُبشِّر بإمكانية بناء دولة مؤسسات في ظل هكذا عقول ،
والمُعارضة منها من هُم مُرتَهنون لمشاريع خارجية ويدعمون المجموعات المسلّحة
ويبررون لها كل أشكال العنف والقتل والاغتصاب والخطف والقصف على المدنيين تحت
عناوين مرفوضة ومُدانة ..
*فكيف لأي سوري وطني ، أو لديه ذرّة من الوطنية ، أن لا يحزن ويبكي حرقة على وطنه
!. فللعام الخامس القتال مستمر والموت مستمر وتمزيق الوطن مستمر وتشرُّد الشعب
مستمر ، وهدم ما بقي من الدولة مستمر ، إما من طرف المسلحين وإما من طرف مسئولين لا
يقلّون خطورة ، لم يسعوا في أي زمن لتأسيس دولة معايير والقيام بأي إصلاح إداري
يعتمد المعايير ، بل حسب تصريح أحد المستشارين في وزارة التنمية الإدارية وعلى
الشاشة السورية يوم 13/3، الإصلاح الإداري في سورية (يعني إصلاح الدولة) صعبٌ لأنهم
إن فعلوا ذلك فإن 90% ممن يشغلون المواقع التنفيذية والإدارية لن يبقوا في أماكنهم
.. وكلامِه صحيح تماما وينطبق كثيرا على من لا يُجيدون إلا تعريم الصدور والتعالي
على البشر والتبجُّح والغرور والكلام الخطابي والإنشائي الذي عفا عليه الزمن، ويحمل
واحدهم أدنى المؤهلات ولكن لا ينطرب إلا إذا قالوا له (دكتور)..
وبدلَ أن يُصلِحوا ويُرسِّخوا معايير فهناك
من دعس بوزنه وحجمه الثقيل على كل البقية الباقية من معايير في وزارته وحوّلها إلى
إقطاعية خاصة ورثها عن آل بيته لا مكان فيها إلا للمدعومين والمُلتَمسين ولأولاد
المسؤولين والمتنفذين مهما كانت نوعية شهاداتهم ومعدّلات تخرجهم ، ومنَعَ ذلك على
الآخرين ، وأولاد الآخرين الذين يحمل واحدهم أفضل الشهادات والمؤهلات ومعدلات
التخرُّج العالية .. وفوق هذا صَنَع قانونا تخجل منه أنظمة الفصل العنصري من تمييز
بين أبناء المؤسسة الواحدة والدورة الواحدة، يقوم على أساس مدعوم وغير مدعوم فالأول
ينصرف على الستّين من العمر والثاني مفتوح المجال أمامه حتى السبعين وبعد السبعين
بحسب الالتماس والتَبَنِّي والدعم !.
*أليسَ هذا استفزاز للناس واعتداء على حقوقها كأبناء وطن لهم ذات حقوق المدعومين،
ودفعٌ لهم للغضب على الدولة ؟.فكيف لأي وطني أن لا يحزن ويبكي حرقة على وطنه الذي
يسرح به المسلحون من كل حدبٍ وصوب ، وعلى دولته التي يخرِّب بها بعض مسئوليها وهم
إما يعقلون أو دون أن يعقلون !.
*ليس المطلوب من الحكومات مُعجزات كما تلك التي يأتي بها الرُسُل .. المطلوب فقط أن
تُثبِت أن الوطن للجميع وليس فقط لذوي الدعم والمال والجاه .. وأن تُثبِت أن الدولة
للجميع ولا يحكمها سوى المعايير والأسس والقواعد والأنظمة، وليس الأمزجة والشخصنات
والمحسوبيات والكيديات التي عشتُها وكنتُ من ضحاياها ، بينما أصحابُ القرار يقفون
إلى جانب المسئول مهما كان كاذبا وظالما ومفتريا وتافها ولا يمنحون الضحية فرصة
لتفنيد أكاذيب المسئول وافتراءاتهِ وكيدهِ ..
*فليست دولة تلك التي يأخذ البعض بها دورهم ودور غيرهم ويستمرون في المواقع
التنفيذية والإدارية سنين وسنين أو من منصب لمنصب ثم في المواقع الاستشارية (وهم
الأقل كفاءة) وكأن الأرحام عقُمت ، وغيرهم يجلسُ ويتفرّج .. فماذا يعني ذلك ؟. هل
يعني أنّ هناك أبناء وطن ذوي ماركات أصلية صُنِعت في نيويورك وواشنطن وباريس وروما...
وآخرون مُزَيَّفون وذوي ماركات تقليد مُصنّعة في تايوان لا ترقى لمستواها ، أو
مُستورَدون مع صفقات المَوز والقهوة والشاي من أفريقيا وسيريلانكا والبرازيل !.
*لقدُ قرأتُ كيف تم نقل السفيرين الفرنسي والأمريكي في بيروت مؤخّرا لأن فترة
ولايتهما قد انتهت .. وأعتقد أن فرنسا وبريطانيا تعرفان أنه لا يوجد رئيس اليوم في
لبنان ولا يمكنهما تعيين سفيرين جديدين بسبب ذلك ، ولكن معايير هذه الدول وأنظمتها
وقوانينها واحترام هذه المعايير هو أهم من مائة سفير ورئيس .. نعم هكذا تكون الدول
التي تحكمها القوانين والأنظمة والمعايير ويتساوى أبنائها بين بعض ولا يوجد (خْيار
وفقّوس وأبناء جواري وأبناء ستّات) .. وتكون الدولة للجميع وليس للبعض دون البعض ،
فلا يغضبُ أحد ولا يشعر بالظلم ولا يضطر بأن يخرج من بيته ليرفع الصوت عاليا ..
*وعلى من لا يؤمنون بالعَلمانية أن يعوا أن الدِين هو خصوصية ويمكنهم توجيه خطابهم
الديني إلى مجتمعاتهم ولكن لا يمكن ، ولا يجوز فرضَهُ على أنظمة الدولة وقوانينها
ومعاييرها .. فالدين لله وحدهُ بينما الدولة للجميع وليست لأي مذهبٍ أو طائفةٍ أو
دِين ولا يجوز الخلط بين أنظمةِ وقوانينِ الدولة وبين مفاهيم الدين وخاصّة حينما
تكون المجتمعات متنوعة ومتعددة الانتماءات الدينية والمذهبية والعرقية والقومية ..
فهؤلاء يجب أن يتساووا جميعا في الدولة لهم ذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات وهذا
يقتضي أولا الفصل بين الدولة والسياسة وبين الدِين ..
فحتى لو كان في أي مجتمع شخصٌ واحدٌ ويعبد الشيطان
فهذا شأنٌ خاصٌ به والله وحدهُ هو من له الحق في محاسبته ولكنّهُ في دولته يجب أن
تكون له حقوق الجميع وعليه واجباتهم ..لا أحدا معنيٌ كيف يعبدُ الٌآخر ربّهُ وإن
كان يُصلِّي ويصوم أم لا ،فهذا لا يؤثِّر على الآخرين ولكن كل مواطن معني بأي قانون
في الدولة لأنه سيخضعُ له ويؤثِّر عليه ومن حقه أن يُطالب بقوانين حديثة وحضارية
وعادلة لا يوجد فيها أي شكلٍ من أشكال التمييز بين مواطنٍ وآخر .
*وعلى من لا يؤمنون بالعَلمانية أن يعوا أيضا أن هذه ليستْ إلحادا كما يدّعون
ويروِّجون كذبا وافتراء وتضليلا أو جهلا ، فهناك عَلمانية إيمانية تفصل بين الدين
والدولة كما هو معمولٌ به في غرب أوروبا ، واليوم في كل أوروبا والأمريكتين (بل
اعتمدها أتاتورك التركي بعد سقوط الحالة العثمانية) وهذه لا تُحارب الدين بل تحترمه
ولكنها لا تسمح بأن تتحوّل قوانين الدولة وأنظمتها وثقافتها إلى قوانينٍ وأنظمةٍ
وثقافةٍ دينية .. الدولة ليست كائن بشري يأكل ويشرب ، إنها مجموعة القوانين
والأنظمة المتنوعة والمتعددة التي تحكمُ عمل الدولة والتي يجب أن تتطور مع تطور
الحياة وحاجات المجتمعات وتساوي بين الجميع بلا تمييز ..
*من أخطر المصائب في بُلدان الأمة العربية ، أو دُول الجامعة العربية : الإقصاء
والتعصُّب الديني ، والحل الوحيد لهذين الأمرين هو : الديمقراطية بكل معانيها ،
والعَلمانية بكل معانيها .. وإلا فالليالي الحمراء والأيام الحمراء المُبَلَّلة
بالدماء مستمرة إلى ما شاء الله ..
*لقد شاهدنا ما حصل في إمارة الرقة من تطبيق لحكم (الشريعة) بنسخته القاعدية في
أفغانستان سابقا .. واليوم نشاهد ذات النسخة في إدلب ، فهل تقبل القوى السورية
المُعارِضة ، العَلمانية واليسارية والماركسية والقومية والديمقراطية والتقدمية
والليبرالية ، في الداخل والخارج أن يتم تطبيق حكم (الشريعة) في إدلب كما تم
الإعلان عن ذلك ؟. إذا أين هي الشعارات العَلمانية والمدنية والديمقراطية والتساوي
على أساس المُوَاطنة التي كنا نسمعها منذ سنوات ؟. هل كان كل ذلك كذبا وخداعا
وتضليلا ؟. أليسَ هذا النوع من الحُكم هو وصفة خطيرة لتفتيت سورية ؟.
* أليسَ من المخزي أن نسمع أصواتٌ لمُعارضين مُلحدين وماركسيين ، وآخرين ليبراليين
وعَلمانيين وقوميين مؤمنين بقيم العَلمانية الأوروبية التي يعيشون في كنفاتها منذ
عقود، يعربون عن سرورهم عن نظام "الشريعة" الجديد في إدلب مع أن هذا يبيح سفك
دمائهم شرعا باعتبارهم مشركين وكفارا ولا تشفع لهم حتى معارضتهم للنظام ..
*الأمم المتحدة غضِبت لِمَا أعلنتهُ جبهة النصرة في إدلب وخرجَ المتحدث الرسمي باسم
الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق يوم 2/4/2015 ليعلن أن : "الأمم المتحدة لا
تعترف بأن مدينة إدلب خاضعة لحكم جبهة النصرة"، معربا عن قلق المنظمة الدولية إزاء
أي انتهاكات لحقوق الإنسان أو لفظائع يمكن أن ترتكبها جبهة النصرة، بحق المدنيين
السوريين في المدينة..
فهل ستحذو القوى السورية المُعارِضة التي أشرتُ لها آنفا حذو الأمم المتحدة وترفض
تطبيق شريعة النُصرة وغير النصرة التي لا تقوم على أسس عَلمانية حضارية حداثية
ديمقراطية تساوي بين الجميع، أم كما يقول المَثل الشامي الذي كان يستخدمهُ الإمام
الألباني : نكاية بالطهارة شخ بِلْبَاسُو ؟. وكل مشاورات موسكوفية وانتو بخير ..
هَيْ إذا ما رحنا بطريق شي صاروخ أو سيارة مفخّخة .. أو شي تاني ..
https://www.facebook.com/you.write.syrianews
لنكن واقعين بدأت مقالك بادنة بسيطة لأصل المشكلة رأس هرم السلطة و بدأت باطفال عكرمة و لم تنتبه لحديثك و تحيزك بالمقال مثلا من بدأ الدمار من كرس السلاح من اعتقل مئات الالاف و هجر الملايين اليس النظام و عقلية انا و من بعدي الطوفان المشكلة اصبحت اكبر من ان نقول ممكن ان يتحملها الطرف الخاس الاكبر و الذي يعتبر ان طائفة بحد ذاتها هي من هجرته و قتلته و قتلت مليون من خيرة ابنائه حتى لو انتهت الحرب ستعاني هذه الطائفة لعشرات السنوات على ما جناه عليها هذا النظام و جنت على نفسها بدعمها له لاخر رمق
شْلُون طويل وممل يا بو ضياء ؟ تمتعت فيه للأخير طول وعرض والحين تكُول طويل وممل؟