حقق الاتفاق النهائي مع إيران حول برنامجها النووي ما لم يحققه من قبل أي قدر من المواقف السياسية ، والتهديدات الغامضة للقيام بالعمل العسكري . ويضع هذا الاتفاق ، المؤلف من ثمانين صفحة بالإنكليزية ومائة صفحة بالفارسية مع خمسة ملحقات ، حدود قوية قابلة للتحقق على قدرة إيران لتطوير السلاح النووي على الأقل خلال السنوات العشر وحتى الخمسة عشر القادمة .
ويُحتمل أن يكون هذا الاتفاق أحد أكثر
الاتفاقات المترابطة منطقياً في سياقاتها وأكثرها تأثيراُ في التاريخ
الدبلوماسي الحديث لجهة القدرة ليس فقط على منع إيران من الحصول على سلاح نووي
، ولكن أيضاً لجهة حتمية إعادة تشكيل السياسات في الشرق الأوسط . فالمنطقة ما
قبل هذا الاتفاق ، لن تكون كما بعده . ومن الواضح أن هذا الاتفاق ، الذي تم
التوصل إليه بعد عشرين شهراً من المفاوضات الشاقة ، سيكون بلا شك أكثر مدعاة
للاحتفال لو كانت إيران قد وافقت على تفكيك كافة منشآتها النووية بشكل كامل .
ولكن فرص حدوث مثل ذلك كانت من الناحية الفعلية معدومة تماماً . وحتى لو تم
تفكيك كافة المنشآت النووية الإيرانية ، فلا أحد يستطيع أن يمحي المعرفة التي
اكتسبتها القاعدة البشرية العلمية الواسعة من علماء وخبراء بعد العمل لأربعة
عقود متتالية على المشاريع النووية .
وكما وصفه السيد أوباما ومسؤولين آخرين ، يبدو الاتفاق مقبول ويصب بشكل واضح في
مصلحة الولايات المتحدة والدول الأخرى التي صاغته ودولة إسرائيل . وفي مقابل
رفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية الدولية ، تقوم إيران بخفض 98 ٪ من مخزونها من
اليورانيوم المخصب ، والذي يُمكن معالجته أكثر ليصلح كوقود للقنبلة النووية ،
وبخفض عدد الطرادات المركزية المستخدمة في تخصيب هذا الوقود بمقدار الثلثين
لمدة عشر سنين ، ليصبح عددها بما لا يتجاوز خمسة آلاف وستين طاردة . وتعني هذه
القيود أنه إذا ما قامت إيران في أي وقت بانتهاك بنود الاتفاق أو قررت الخروج
منه ، واندفعت نحو صنع القنبلة النووية ، فسوف يستغرق ذلك منها فترة سنة كاملة
على الأقل لإنتاج الوقود اللازم لصنع قنبلة نووية واحدة ، مقارنة مع فترة شهرين
أثنين فقط في الوضع الحالي .
وستكون الكثير من القيود المختلفة في الاتفاق سارية المفعول لمدة 10 إلى 25
عاماً . بعض هذه القيود ، ولا سيما موافقة إيران على أن الرصد المستمر بوسائل
تكنولوجية متطورة لبرنامجها النووي من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية سوف
يستمر إلى أجل غير مسمى . تماماً مثل التزامها المطلق بعدم إنتاج أي سلاح نووي
بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية . وقد أكد الرئيس أوباما أن المفتشون
الدوليون سيكونون قادرين على الوصول إلى المواقع المشبوهة حيثما وكلما كان ذلك
ضرورياً . وقال أنه إذا قامت إيران بخرق بنود الاتفاق وممارسة الخداع ، فسوف
يتم كشف ذلك في وقت مبكر بما فيه الكفاية للتوافق على تنظيم رد منسق بما في ذلك
إعادة فرض العقوبات أو القيام بعمل عسكري .
وكاد الاتفاق يتعثر تقريباً بسبب طلب إيران وروسيا رفع الحظر الذي تفرضه الأمم
المتحدة على شراء وبيع الأسلحة التقليدية والصواريخ البالستية بشكل فوري . ولكن
في نهاية المطاف ، جاء في سياق الاتفاق أن الحظر المفروض على الأسلحة التقليدية
يبقى ساري المفعول لمدة خمس سنوات ، والحظر المفروض على الصواريخ لمدة ثماني
سنوات ـ على افتراض أن إيران ستفي بالتزاماتها ويتم تطبيق الاتفاق بشكل سليم .
ومما يدعو للقلق بشكل كبير أن رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو قد رفض بسخرية وعلى
الفور الإتفاق ، ووصفه بأنه "خطأ تاريخي" بحق العالم يضمن طريق إيران إلى
امتلاك السلاح النووي . لقد عارض نتنياهو والجمهوريون في الكونغرس ومعظم
المرشحين للفوز بترشيح الحزب الجمهوري منذ البداية إجراء مفاوضات مع إيران بدون
أن يقدموا أي بديل آخر ذي مصداقية عن هذه التسوية التفاوضية . وها هم المرشحون
الجمهوريون للرئاسة يُكررون هذه الصيغة اليوم ـ إدانة الاتفاق بدون تقديم أي
بديل آخر ذي مصداقية لهذا العرض الحالي .
الآن وبعد أن قلنا كل هذا ، لا ينبغي لأحد أن يكون واهماً حول إيران التي تعتبر
إسرائيل العدو اللدود ، وغالباً ما تشجب الولايات المتحدة في المحافل الدولية ،
وتدعم حزب الله ومنظمات إرهابية أخرى ، وتطمح إلى زيادة نفوذها في المنطقة .
ومتى تم رفع العقوبات ، ستتمكن إيران من استعادة أرصدة مجمدة في حسابات عديدة
في البنوك العالمية تقدر بحوالي 120 مليار دولار ، ومن تحصيل موارد مالية جديدة
من الصادرات النفطية والصفقات التجارية الأخرى .
ويقول مسؤولون أميركيون أن إيران سوف تستعيد في النهاية هذه الأرصدة المجمدة مع
مرور الوقت ، وستكون أولويات استخداماتها الفورية هي للتعامل مع الاحتياجات
المحلية الملحة . ولكن الأمر الأكثر أهمية أن العديد من العقوبات الأميركية
ستبقى سارية المفعول حتى بعد تنفيذ الاتفاق ، بما في ذلك العقوبات المتعلقة
بدعم إيران للإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان . ويتعين هنا على الولايات المتحدة
أن تكون يقظة للغاية في رصد كيفية استخدام ايران لهذه الأرصدة المستعادة ، وفي
ضمان أن تكون هذه العقوبات موضع التنفيذ .
وأخيراً ، يُعد هذا الاتفاق بمثابة الخطوة الأولى . وسيكون أمام الكونغرس
ثلاثين يوماً لمراجعة الاتفاق والتصويت للمصادقة عليه . جهات قوية ، مثل
نتنياهو، تعهدت ببذل كل ما في وسعها لمنع تمرير الاتفاق ، ولذلك سيكون من
المستحسن أن يفي السيد أوباما بتعهده باستخدام حقه الدستوري ـ الفيتو الرئاسي ـ
في مواجهة أي محاولة في الكونغرس لرفض المصادقة على الاتفاق . كما وسيكون بلا
شك إجراء غير مسؤول تبديد هذه الفرصة لكبح جماح برنامج إيران النووي . نيويورك
تايمز . الأربعاء 15-7-2015 .
الرابـط :http://www.nytimes.com/2015/07/15/opinion/an-iran-nuclear-deal-that-reduces-the-chance-of-war.html
_r=0#story-continues-2
https://www.facebook.com/you.write.syrianews