عندما سئل أحد السياسيين البارزين في إحدى الجلسات الخاصة عن سبب الموقف التركي الداعم ضمناً لتنظيم داعش، قال إن هاجس الأتراك يتمثّل في أمرين إستراتيجيين أساسيين هما :
إسقاط نظام الأسد في سورية، ومحاربة عدوّها "حزب العمال الكردستاني" المتواجدة مراكزه على الحدود مع سورية والعراق، وداعش يقوم بهاتين المهمتين على أكمل وجه، في إطار ذلك فمنذ نشوء تنظيم داعش في المنطقة وسيطرته على بعض المناطق في سورية والعراق، لم تتخذ تركيا أي إجراءات لمحاربة هذا التنظيم، بل بقيت مكتوفة الأيدي معتمدة مبدأ "عدو عدوي هو صديقي" كونها من أشد المعارضين لنظام الأسد الذي يحاربه التنظيم أيضاً
لكن في الآونة الأخيرة أعادت تركيا النظر في موقفها السياسي من هذا التنظيم، وسمحت للقاذفات الأمريكية بإستخدام قاعدة انجرليك الجوية في جنوب تركيا لضرب أهداف داعش في سورية ومعسكرات الأكراد في شمال العراق، هذا التطور يدفع للتساؤل حول جدية الموقف التركي، وكيف سيترجم لجهة وقف دعم داعش، وتسهيل إنتقاله إلى داخل الأراضي السورية خاصة عندما أدركت خطورة مغامراتها بعدما أصبحت أراضيها في مرمى نيران الإرهاب.
إختراق جديد في المواقف لا يمكن فصله عن التطورات الأمنية والسياسية الأخيرة في تركيا، خاصة بعد أن بدأت أنقرة حملة ضد تنظيم داعش بعد تفجير إنتحاري أسفر عن مقتل 32 شخصاً في جنوب البلاد قرب الحدود مع سورية، وذلك على مستوى قطع الإمدادات ووقف تدفق المقاتلين الأجانب المنضمين حديثاً لداعش، مع إجراءات أكثر صرامة وتشدداً لتأمين حدود تركيا مع سورية، التي كانت مسرحاً مفتوحاً لتنقلات وعمليات التنظيم
كما شملت حملتها إستهداف معسكرات حزب العمال
الكردستاني في شمال العراق ضمن ما أطلقت عليه جهود مكافحة المجموعات الإرهابية،
والتي ستفتح الأبواب مجدداً أمام تصعيد المواجهة الكردية مع الحكومة التركية،
وتوسيع فجوة الخلافات بين الطرفين، بعد أن كاد الممثلون الأكراد والحكومة التركية
أن يحققوا إتفاق سلام أوشك أن ينهي الصراع الذي أودى بحياة 45 ألف شخص منذ عام
1984.
اليوم هناك محاولات مستمرة لزعزعة الأمن والإستقرار في تركيا عبر عمليات متفرقة هنا
أو هناك، فقد إغتال مسلحون ضابطاً في قوات الأمن التركية، وتعرض الخط الناقل للغاز
الإيراني إلى تركيا للتفجير في تصعيد واضح لعمليات العنف شرقي تركيا، حيث تعكس هذه
المعطيات آنفة الذكر عدة تساؤلات مثل: هل وصلت الرسالة السياسية الى الحكومة
التركية؟، وهل ستشهد مناطق تركية مثل هذه الأحداث، وكيف سيتعامل حزب العدالة
والتنمية مع مثل هذا الأخطاء السياسية المكلفة؟، فالملاحظ بأن قضية الإرهاب تشكل
ضغطاً كبيرا داخل المعترك السياسي التركي حالياً.
في سياق متصل هناك قلق تركي حقيقي يتعلق بأمنها القومي من هجمات إرهابية محتملة قد
يشنها إرهابيون شاركوا الجماعات والمنظمات المتطرفة القتال في سورية، حيث باتت عودة
الإرهابيين الى تركيا مسجل خطر يهدد المصالح التركية على مختلف الأصعدة، حيث يرى
الكثير من المحللين أن هذا التهديد الأمني المضطرد في تركيا، هو نتيجة لسياسة
التخبط والتردد المتبعة في مواجهة وتوجيه الإرهاب من السلطة التركية، وخاصة عملية
تجنيد ودعم بعض المجاميع الإرهابية بصور غير مباشرة وزجهم في الحرب السورية، لكن
تظهر التطورات الأخيرة بالإنتصارات التي حققها الجيش السوري على حساب هذه المجموعات
الإرهابية إنقلب الإرهاب على داعمي الإرهاب، مما شكل تهديدا مباشرا لأمن تركيا الذي
يستعد للتصدي لهم.
لقد غيرت الأحداث الأخيرة وإستهداف تركيا نفسها من حسابات نظام أردوغان، ولكن ذلك
حصل بعد الصمت والتواطؤ اللذين عملا على تسمين الوحش"داعش"، في إطار ذلك بينت
التفجيرات المختلفة سواء في السعودية وفي الكويت واليحرين ومصر وتركيا و.... إن
داعش لم يعد تنظيماً يمكن إستخدامه لتحقيق غرض معين ومن ثم يعمل على ترويضه والتخلص
منه بسهولة، بل أصبحت جميع دول المنطقة تواجه خطر كبير، وإذا كان التنظيم قد أقام
هدنة مع تركيا في الماضي، كونه يحصل على أدوات دعمه عبر البوابة التركية المفتوحة،
وعندما أراد الرئيس اردوغان تلبية طلبات الغرب بإقفال الحدود، بعث داعش برسالة
دموية الى تركيا عبر التفجير والإغتيال والحرائق
لذلك إن ما تواجهه تركيا اليوم هو مأزق صنعته
هي لنفسها عندما تبنت الخيار العسكري لإسقاط النظام السوري بأي ثمن، فإذا بالأعداء
يتكاثرون على الضفة الجنوبية للحدود، ومن هنا فإن تركيا لا تخشى داعش فقط بل تخشى
ان ينتصر أكراد سورية في إعلان كيان سياسي تمتد تأثيراته الى داخل تركيا وفي الوقت
نفسه تخشى أن تستيقظ الخلايا الداعشية النائمة للإنتقام من السياسة التركية في
المنطقة.
ببساطة، إن قرار تركيا المفاجئ لنقل المعركة إلى داعش سيؤدي على الأرجح إلى هجمات
ناجحة كبيرة داخل تركيا، وهذا بدوره سوف يثبط معنويات المستثمرين في البلاد، ويجعل
العملية السياسية في تركيا أكثر تحدياً، فالذي تشهده تركيا الآن من تحول
لإستراتيجيتها سيؤثر بشكل كبير على دعمها لجماعة الإخوان، حيث لا يمكن أن تركب
تركيا حصانين، حصان الحرب على الإرهاب، وفى نفس الوقت حصان دعم جماعات تعد فى بعض
الدول جماعات إرهابية، بالتالي أن من يلعب بالنار يحترق بها
وما حدث لتركيا من عمليات إرهابية هى البداية،
فمنذ عدة سنوات قامت أمريكا بتحضير العفريت فى جبال أفغانستان ثم إحترقت منه،
والأمر يتكرر في تركيا حالياً، مجملاً...إن تركيا مرشحة اليوم لدفع ثمن فاتورة
تدخلها في القضية السورية بسبب سياسة التعنت واللعب بشكل منفرد في مسرح إعتقدت أنه
ساحة فارغة، ولهذا فأن طريق أردوغان الى المنطقة الآمنة ليست آمنة على الإطلاق،
والزمن وحده كفيل بتوضيح ما يتم وراء الكواليس في أصعب وأعقد فترة في تاريخ المنطقة.
https://www.facebook.com/you.write.syrianews