syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
نعم هو شرفٌ لكم يا سادة وسيدات أن تكونوا مكاتب خدمات لأبناء وطنكم... بقلم : د. عبد الحميد سلوم

** المشكلة وكما يقول المثل العامي : حارتنا ضيقة ومنعرف بعض منيح ... وربما هذه هي العقدة لدى بعض من عرفناهم من (مناضلين ومناضلات) قبل حوالي خمس وأربعين عاما ونعرف تاريخهم جيدا ، ونعرف أنهم لم يعطوا للوطن ولا للحزب واحدا بالمائة مما حصدوه من مكاسب وامتيازات ... منهم ، ومنهن ، من كانوا بارعين باقتناص الفرص والانتهاز ولا أذكر أنهم شاركوا حتى بمسيرة واحدة حينما كنا نجوب شوارع دمشق بالمسيرات في المرحلة الجامعية ... بل منهم ، ومنهن ، من لم يكن يحضر اجتماع مُصرِّحا بالفم الملآن أن دراسته أهم من أي اجتماع وليس على استعداد أن يحضر على حساب دراسته ، أو دراستها ، بينما كنا نحضر ونخرج للشوارع على حساب دراستنا ونعوِّض ذلك لاحقا ..


 بعض أولئك يتصدرّون اليوم المناصب وكنتُ أعتقد أنه ما زال لدى بعضهم أو بعضهن بقية من وفاء لا سيما إزاء من قدّم أضعاف ما قدّموه من نضال حزبي دون مقابل ، بينما هم استثمروا بالنضال وكان ربحهم أفضل مما لو كانوا مدراء لأكبر الشركات العقارية في دولة خليجية أو أوروبية .. أعرفُ مَن كانَ وضعي المادي أفضل بكثير من وضعهم حينما جئنا لدمشق أول السبعينيات ولكنهم اليوم يمتلكون المليارات من الثروات بينما بالكاد وفّرتُ أنا منزلا متواضعا بعد سنين طويلة من الاغتراب ، وبنيتُ منزلا في قريتي !!.. والطامّة الكبرى أنهم يسمحون لأنفسهم بتقييمنا بدل أن تكون الآية معكوسة !!.

 


** كنتُ أعتقد أنه مازال بينهم أو بينهنَّ من يُشبِهنا ، نحن الناس العاديون الذين كانت وطنيتنا وما زالت أصدق من كل انفعالاتهم وعصبيتهم الخطابية ولغتهم الإنشائية المملة البعيدة عن كل أشكال المنطق والاقناع ، وأنهم ما زالوا البعثيون القادمون من رحم الفقر والمعاناة الذين عرفناهم قبل خمس وأربعين عاما وكانوا يشبعوننا كلاما وطنيا ودفاعا عن المظلومين والكادحين والعمال والفقراء والمستضعفين ... الخ ...

 

 ولكنهم نسيوا طبقتهم وقيم ومبادئ الحزب الذي ارتقوا باسمه لأعلى المناصب وخذلوا رفاق الأمس وابتعدوا عن كل ما كانوا يتغنون به بالماضي لتصبح ارتباطاتهم ومصالحهم مع كبار رجا ل الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال بعد أن تشابهتْ وتشابكت المصالح ... فكيف لِمَن تعلّموا على معاطف فرو المينك وعطورات كريستسان ديور أن يشعروا بشعور مَنْ رائحة العرَق تتصبّبُ من جبينه وهو يحرث الارض ويحصد القمح ويُدير الآلة بملابسه الرثّة الملطخة بالزيت والشحم ....

 


** نعم لن أنسى الأصل الكادح والشريف والشبعان الذي انحدرتُ منه وسأبقى أفتخر به وسأبقى أشعر بشعور الفلاح والعامل والمحروم والمظلوم والفقير والضعيف لأن هذه هي العقلية البعثية الصحيحة والصادقة التي أعرفها والتي فهمتها والتي مارستها طيلة حياتي الحزبية وما عداها هو كذبٌ ونفاقٌ ودجلٌ وانتهاز باسم الفقراء والعمال والفلاحين والمستضعفين وخيانة لهم .. سأبقى أفكر بهموم أبناء الوطن من شباب وشابّات ضاقت بهم الآفاق وانسدّ أمامهم الأمل في إيجاد فرصة عمل في وطنهم لأن مسئولي ومسئولات دولتهم ليسوا معنيون إلا ببناتهم وأولادهم ، وما على غير المدعومين سوى مغادرة الوطن للبحث عن فرصة عمل في بلدان الخليج أو غيرها ...

 

 

 ومن هنا تتأتّى أيضا أهمية الديمقراطية والتداول لأنها النموذج الوحيد للقضاء على كل أشكال استغلال السلطة والهيمنة على المناصب والمراكز في الدولة ، ولأنها تدفعُ كافة الأحزاب والقوى السياسية للتنافس من أجل كسب رضا أبناء الوطن ، مما يفرض عليها فرْضا الشفافية والالتصاق بالناس ورفع راية همومهم ووقفِ كل أشكال الفساد والإفساد بدل تزيينها بالمساحيق التجميلية ، وتضع حدّا لأصحاب عقلية المزارع والإقطاعيات وثقافة احتكار الوطنية وكأنها ماركة حصرية أو سلعة يتم تصنيعها في هذا المصنع أو ذاك فقط .. الديمقراطية هي من ستدفع أيضا بكافة الأحزاب لتجديد قياداتها واختيار الأفضل والأكفأ والأقدر من القاعدة وحتى أعلى الهيكلية الحزبية بدل تعيينها بقرارات على أسس المحاصصات والمحسوبيات والشخصنات ومصادرة إرادة القواعد الحزبية وبالتالي سيادة اللامبالاة وانعدام الثقة بهذه الأحزاب ..

 


أصبحتُ أشعرُ وكأن هناك تخطيط ما لإفراغ الوطن من شبابه وشابّاته ودفعهم للهجرة بحثا عن لقمة العيش لأن الدولة لم تعد تتسع إلا للمسئولين والمسئولات ولأولادهم وبناتهم وما لفَّ لفيفهم من أهل وأقارب وأصحاب ... ولكن هل فكّر مسئولي ومسئولات الدولة كيف ستكون مشاعر أولئك الشباب والصبايا إزائهم وإزاء الدولة والوطن الذي لم يجدوا به عملا يسدُّ رمقهم ، مع أنهم مؤهلين أكثر من ابن أو ابنة أي مسئول أو مسئولة بالدولة ، وقد وجدوا ضالّتهم في بلدان الخليج !!.. ألَن تُصبح تلك الدول وأنظمتها الحاكمة أقرب لديهم بمائة مرة من نظام دولتهم الذي أدار لهم الظهر !!. من هو الذي سيشتم الدولة التي وفّرت له مُستقبَلا ويمدح الدولة التي انقطعت أمامهُ فيها كل آمال المستقبل وسُبُل العيش حتى لو كانت دولته !!..

 


** اعتقدنا أنهم تعلموا شيئا من هذه السنين السورية الحمراء بلون الدم وباتوا يعتقدون أن الالتفات لشباب وصبايا الوطن ومساعدتهم لحل مشاكلهم وخلق فرص عمل لهم تقيهم غربة الوطن وتبقيهم ملتصقين به هذه قد أضحت في طليعة الاهتمام لدى مسئولي ومسئولات الدولة ، ولكن تبين أن هكذا مسائل ليست من تفكيرهم وليست على أجنداتهم ، فالوطن يكفيه بناتهم وأبنائهم هُم فما الحاجة لبنات وأولاد الآخرين !!..

 


** كتبنا لشخصية مسئولة ومتنفذّة (وهذه تنطبق على المذكّر والمؤنّث) لإيجاد فرصة عمل لإحدى بنات الوطن مؤهّلة كما بناتهم وربما أكثر، مدفوعين بمعرفة عمرها أربعة عقود ونصف ، ومتسلحين بما كنا نسمعه في الماضي والحاضر عن ألسنتهم من وطنيات ومعاناة مع الفقر والتصاقا بهموم الناس، ولكن كان الجواب صادما ومفاجئا ومتوترا وهو : أنهم ليسوا مكاتب خدمات !!..

 


** نعم يا سادة ويا سيدات إنه فخرٌ لكم أن تكونوا مكاتب خدمات لأبناء وطنكم وليس فقط لبناتكم وأبنائكم وأصهاركم ومن لفَّ لفيفهم ، ولأصحاب رؤوس الأموال الذين تنفرج أساريركم وتعلو البسمة وجوهكم حينما تردُّون على مكالماتهم أو تستقبلونهم وهم يصطحبون ماقلَّ حملهُ وما غلى ثمنهُ !!! نعم أنتم في مواقعكم لتكونوا خدَما للناس وليس فقط أسيادا عليهم ، ومن منكم لا يعجبهُ ذلك فليترك ويغادر إلى بيته وبغضون ساعة سيكون هناك ألف واحد من أبناء الوطن ومن الحزبيين أنفسهم أكفأ وأقدر منه ويخدمُ الناس ليلا نهارا ولا يتذمّر ولا يتعالى ولا يتغطرس ولا يُصاب بمرض الغرور والعنجهية وجنون العظَمة !.. أمثالكم هم من كانوا السبب لتندفع البشر للشوارع لأنكم لم تكونوا في يومٍ من الأيام قدوة وإنما العكس .. أمثالكم لا يرحمون الناس ولا يسمحون لأي رفيق ينطق بالصدق والوضوح والصراحة ويضع النقاط على الحروف ، أن يصل إلى المراكز والمناصب كي يرحم الناس !!..

 

 نعم أنا من يتحدّث بهذه اللهجة وأنا من انتسبتُ لحزب البعث منذ عام 1969 في المرحلة الثانوية ، ولكن لستم الرفاق ولا الرفيقات الذين كنا نعرفهم حينما كانوا يعيشون الفقر والحاجة ويزايدون بالوطنيات ، واليوم لا تشبهوننا ولا نشبهكم .. والخلل لم يكن في أي يوم في المبادئ الحزبية العروبية والقومية التي ينحاز لها الغالبية العظمى وإنما في من يقولون ما لا يفعلون ،، ومن يبيعون الكلام ويمارسون عكسهُ وصرّفوا كل تلك القيم والمبادئ ثروات منقولة وغير منقولة !..

 


** إن كل مسئول (وأقصد من الجنسين ذكورا ونساء) يتعالى على الناس ويغلق أبوابه ويسدُّ أذنيه ويغمض عينيه ويحكم سلوكه العجرفة والغطرسة والغرور ، فإنما يسيء لدماء الشهداء ويسيء للدولة ويدفع الناس لمعاداتها ومعاداة النظام أو الحكومة التي تدير شؤون الدولة !.. فالناس تراقب وتتابع وتحكم على هذا وذاك ، واسمحوا لي فالناس أيضا لا تحترم إلا من يتواضع ويشعر بمعاناتها ويعيش همومها ويقف بجانبها ، ويكون لسان صدقٍ ، ويُؤثِر على نفسه ولو كان به خصاصة ، ومن هنا أطلب منكم أن تقفوا أمام هذه المقاييس وتنظروا إليها كمَن ينظر إلى نفسه بمرآة وتحكموا على أنفسكم بذاتكم : أين أنتم من ذلك ؟؟. على ضوء الجواب يمكنكم تقدير موقف الناس منكم وشعورهم إزائكم وتفهمون جيدا لماذا الناس لا تقبض كلامكم ولا تصريحاتكم ولا تحبُّ أن تسمع حتى بأسماء بعضكم ولا أن تراهم حتى على الشاشات وهم يتحدّثون بعصبية وانفعال لا مُبرِّر لهما .

 


** إن فتح مكاتبكم وتحويل جزءٍ من وقتكم للإصغاء للناس ومساعدة أبنائها ليس جريمة وإنما مرض النرجسية والغرور والتعالي هو الجريمة ... ليس المجرمُ من يخاطب شخصية يعرفها قبل خمس وأربعين عاما طالبا مساعدة ماْ وكلما كانت الصدفة تجمعهما كانت تلك الشخصية تعود لذكريات الماضي وأيام الطلبَة وذكرياتها ، وإنما الجريمة في انعدام الوفاء وموت المروءات ...

 


** هل تعتقدون أن الوطن لكم وحدكم ، وأن الدولة لكم وحدكم .. أم أن الله خلقَكم وكسرَ كل القوالب بعدكم حتى تنظروا للناس من أعلى سلطانكم باستخفاف واستهزاء وعدم احترام !!.. إن من يفعل ذلك فإنما يستخفُّ بنفسه فقط ويدفع الناس للاستخفاف به وعدم احترامه .. مع احترامي وتقديري الشديدين لكل من يُشغِل موقعا متنفذا في الدولة ولم يُصاب بلوثة النرجسية والغرور والعنجهية والتعالي وجنون العظَمة ، فهؤلاء هم موجودون أيضا حتى لا نُعمم على الجميع ...




https://www.facebook.com/you.write.syrianews

 

2015-09-05
التعليقات