*صدرتْ مؤخّرا عدة
تصريحات عن الزعماء الروس ، لاسيما رئيس الوزراء ميدفيديف تُحذِرُ من حرب عالمية ،
أو تُشيرُ إلى العودة لزمن الحرب الباردة !. فماذا يعني ذلك ، وهل خططتْ المخابرات
الأمريكية والأطلسية لجرِّ روسيا إلى استراتيجيةِ حربٍ باردةٍ جديدة بِهدفِ تفكيك
الاتحاد الروسي كما سبقَ وتمّ تفكيك الاتحاد السوفييتي دون أن تخسر واشنطن وحلفائها
جنديا واحدا ؟!.
* فبعدَ انهيار الاتحاد السوفييتي في بداية تسعينيات القرن الماضي استفردتْ الولايات المتحدة بشؤون العالم واختلّ التوازُن الدولي بالكامل وانعدمت فيه كل أشكال التعددية القطبية ، لاسيما أن بعض دول الاتحاد السوفييتي غرقت بحالة من الفوضى والحروب (إما في ما بينها كما حصل بين أرمينيا وأذربيجان، أو في داخلها كما حصل في طاجيكستان وجورجيا وأوكرانيا وشمال القوقاز الروسي في الشيشان وداغستان)!.
فكل العالم بات في تلك الحقبة تحت رحمة
الولايات المتحدة، وحتى روسيا باتت تتبع السياسات الأمريكية في أيام بوريس يلسين ،
وانضمت غالبية دول أوروبا الشرقية الشيوعية السابقة إلى منظومة حلف الأطلسي بعد
انهيار منظومة حلف وارسو، ولاحقا باتت غالبيتها جزءا من الاتحاد الأوروبي!. أي باتت
الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة اللاعبة على الساحة الدولية، وزادها الأمر غطرسة
وغرورا بعد أحداث أيلول عام 2001 والاعتداء على برجي التجارة العالمي في نيويورك
حيث أعطى هذا المبررات لواشنطن لاحتلال كلٍّ من أفغانستان في بدايات العام 2001 ثم
احتلال العراق في نيسان 2003 !.
*بُلدان العالم الثالث ، وحتى الصين ، كانت كلها تتوجّس من هذا الخلل في التوازن
الدولي وغياب القطبية الثنائية التي كانت قائمة في عهد الاتحاد السوفييتي، وزوال
مبدأ "توازن الرُعب" الذي ساد خلال كل سنوات الحرب الباردة !. الغطرسة وصلتْ
بالأمريكي في وقتٍ ما، لاسيما بعد أحداث أيلول 2001، للتصريح علنا : أن كل من ليس
معي فهو ضدي ، أي هو عدوي ومن حقي أن أُعلِن عليه الحرب !.
* العالَمُ كان كما الشخص الذي يلقى ضربة قوية على رأسهِ فيفقد وعيهُ وتوازنه
ويسقط أرضا ولا يملك من أمرهِ شيئا ، ثم بات الوعي يعود له رويدا رويدا حتى استعاد
توازنهُ وبدأ يقفُ على رجليه ويتحرك ليستعيد قِواهُ مُجدّدا !!.
*روسيا الاتحادية كانت هي ذاك الشخص الذي فقد الوعي والتوازن لِعقدٍ من الزمن حتى
استقال بوريس يلسين وتمَّ انتخاب رئيس الوزراء فلاديمير بوتين في آذار عام 2000 ،
وكان قبلها يقوم بمهام الرئيس بالوكالة بسبب مرض يلسين، كما كان قبلها رئيس وزراء
روسيا !.
*شغل بوتين منصب رئيس روسيا الاتحادية من العام 2000ـــ وحتى 2008 ، ثم عاد
ليُنتخَب مُجدّدا عام 2012 وما زال في الرئاسة !.
*كانت استراتجية بوتين الأساسية حتى مُذْ كان رئيس وزراء، هي إعادة بعضٍ من التوازن
الدولي الذي انعدَمَ بعد الانهيار السوفييتي !. ولتحقيق هذا الهدف قام بإجراءات
كبيرة أولا على الصعيد الداخلي ، لأنه لا يمكن تحقيق توازن خارجي وأنت ضعيف وطنيا
وشعبك مفكّكا!.
* كان يُفترَض بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي ونهاية حلف وارسو أن ينتهي زمن
الاستقطاب الدولي ،وخاصّة في أوروبا، وأن يلتغي حلف شمال الأطلسي ، ولكن ما حصلَ
كان العكس!! فقد مضت واشنطن وحلفائها بتقوية الحلف وتمديده شرقا ليشمل ويضُمَ
بُلدان أوروبا الشرقية ذاتها التي كانت في حلف وارسو!.
*في فترةِ انفراد القطب الواحد الأمريكي ، لم تبالي واشنطن بمصالح أحدٍ في هذا
العالم ، حتى بِحلفائها الأوروبيين، فكيف بمصالح روسيا أو الصين !.فقامت حالا
باستراتيجية نشر الدروع الصاروخية في منطقة المحيط الهادي والشرق الأوسط ، وشرق
أوروبا ، لاسيما في منطقة البلطيق(بولونيا) والبحر الأسود (رومانيا) وفي وسط أوروبا
(تشيكيا) !. وكل ذلك كان لمحاصرة روسيا والصين !.
*طبعا كل ذلك كان تهديدا للأمن القومي الروسي ، بل كان ذلك خرقا لمعاهدة "الحد من
انتشار الصواريخ الباليستية " الموقَعة عام 1972 بين الولايات المتحدة والاتحاد
السوفييتي !! وكأن واشنطن كانت تتقصّد عمدا جرَّ روسيا لاستراتيجية الحرب الباردة
من جديد وجرِّها لِسباق تسلُّح جديد يؤثِّر على كل خططها التنموية !.
*ماذا كان يمكن للرئيس بوتين أن يفعلهُ لإعادة التوازن للعلاقات الدولية وإبعاد
الأخطار عن الأمن القومي الروسي ، ومواجهة مُخططات الأمريكان وحلفائهم بجرِّهم إلى
حرب باردة جديدة؟. بدأ في الداخل باستعادة قوة الدولة ، والعزف على الإرث التاريخي
لروسيا وإحياء الثقافة القومية للشعب الروسي بهدفِ توحيده في مواجهة الأخطار ،
وإقامة علاقة قوية مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، والقيام بمشاريع داخلية تنموية
هائلة للحد من البطالة والفقر ، والاستفادة الممتازة من ثروة النفط والغاز لتطوير
روسيا في كافة المجالات وتحسين ظروف معيشة شعبها !.
*وعلى الصعيد العسكري فقد قام بتحديث وتطوير كافة أصناف الأسلحة الروسية وتوزيعها
على الجيش الروسي واستحداث ألوية عسكرية جديدة، ونشر قواعد صاروخية على أنحاء أخرى
من الأرض الروسية!. وعزّز قواعد روسيا العسكرية في طاجيكستان وقيرغيزيا وروسيا
وبيلاروسيا وأرمينيا !. وتمّ تطوير منظومة صواريخ باليستية جديدة وحديثة ومتطورة
جدا لمواجهة الدرع الصاروخي الأمريكي في شرق أوروبا وإبطال مفاعيله ، وهي منظومة
صواريخ (إر إس 26) العابرة للقارات، وهذا الصاروخ يحمل عدة رؤوس نووية ويجتاز مرحلة
الانطلاق إلى هدفه بخمسة دقائق، وهو الزمن الذي يصعب على رادارات الناتو في أوروبا
اكتشافه !. ورؤوس هذا الصاروخ موجهة ذاتيا ويمكنها المناورة السريعة جدا
والمُفاجِئة ولا يمكن رؤيتها بالرادارات المعادية !. طبعا عدا عن تطوير منظومة
صواريخ اسكندر العابرة للقارات !.
*كما قام ببناء صاروخ (سارمات) الاستراتيجي الذي يمكن له حملِ عشرة رؤوس نووية
وقادر على ضرب أهداف ليس فقط عبر القطب الشمالي بل حتى عبر القطب الجنوبي ،
ويُتوقّع أن يدخل الخدمة في العام 2018 !.
*بعد أن أدرك بوتين أن روسيا صحتْ من غيبوبتها ووقفت على رجليها، بدأت مرحلة
التكشير عن الأنياب ، وكانت أولها في وضْعِ حدٍّ نهائي للحركة الانفصالية في
الشيشان، ومن ثم دخول القوات الروسية جورجيا في آب عام 2008 بعد اندلاع النزاع بين
تبليسي وأوسيتيا الجنوبية، والوصول بغضون يومين إلى أبواب تبليسي، وكل استغاثة
ساكاشفيلي ،رئيس جورجيا في وقتها، بالغرب لم ينفعه بشيء!.
*إصرار بوتين على إعادة دور روسيا وهيبتها في محيطها الإقليمي والأوروبي والعالمي،
تجلّى بشكلٍ كبير بعد أحداث أوكرانيا عام 2014 وبعد الإطاحة بالرئيس فيكتور
يانكوفيتش الموالي لروسيا ، حيث قام بوتين بدعمَ الاوكرانيين من أصول روسية في شرق
أوكرانيا في مطالبهم بحُكمٍ مستقل، وضمَّ جزيرة القرم للاتحاد الروسي ، في خطوةٍ
أغضبت الغرب جدا ووصفوها بالخطوات العدوانية !.
*كل ذلك تسبّبَ في إغضاب الغرب وجرَّ إلى روسيا عقوبات أوروبية وأمريكية أثّرت
عليها بشكلٍ كبير ، لاسيما في وسط الانخفاض الرهيب لأسعار النفط !. وبدت ملامح
الحرب الباردة تطلُّ من جديد !.ونشرَ الأطلسي قوات عسكرية في البلقان وتعهد بحماية
حلفائه من أعضاء الحلف في دول البلطيق القريبة من روسيا !.
*ومما زاد من كل هذه الأجواء التي تُذكِّر بأجواء الحرب الباردة هو تدخُّل بوتين
العسكري بقوة في سورية مما زاد من غضب الغرب وزاد من حدّة التوتر العالمي!. وها هُم
في مؤتمر ميونخ للسياسات الأمنية يسعون لتضييق الصراعات وإنجاز ما يُمكِن إنجازه
لنزع فتيل نشوب حرب عالمية ، كما جاء على لسان رئيس الوزراء الروسي ميدفيديف !.
وكان من ثمرة ذلك، الاتفاق على وقف إطلاق النار في سورية خلال أسبوع من موافقة
الأطراف المتحاربة!. ولكن لا يبدو أن شيئا تحقق بخصوص أوكرانيا حيث هاجمَ وزير
الخارجية الأمريكي روسيا واتهمها بعدم الالتزام باتفاقية مينسك!.
*إذا أجواء الحرب الباردة تعود من جديد ، مما يعني أن لعبة الأمم وعض الأصابع بينها
مُستمرا، وستبقى المشاكل مترابطة من سورية إلى أوكرانيا إلى القرم إلى الدروع
الصاروخية، وإلى السعي لِتمدُّد الأطلسي شرقا ليضم دولا جديدة في حديقة موسكو
الخلفية ، كما جورجيا وأوكرانيا... وسيبقى كل طرفٍ يساوم الطرف الآخر مستخدما كل
الأوراق التي بيديه، وللأسف فإن سورية أصبحت إحدى هذه الأوراق بالنسبة لروسيا، وكان
مؤتمر ميونخ في يومه الأول والثاني يتركّز على الحالة السورية وتفرعاتها والصِدامُ
السياسي كان واسعا بين دول الأطلسي وبين روسيا ، وقد شاهدنا كيف أن روسيا شاركت
بهذا المؤتمر برئيس وزرائها ذاتهُ ، فضلا عن وزير خارجيتها
وهذا يعني أن روسيا تشعرُ بِمدى الخطر القادم
المُحدِق بالأمن الدولي وبِروسيا ، وتحذيرات ميدفيديف من العودة للحرب الباردة من
فوق منبر مؤتمر ميونخ ينضوي على قلقٍ روسي ، إذ أن الحصار الغربي لروسيا وعزلها
وفرض العقوبات عليها وتخفيض أسعار النفط قد أصابها بِوجَعٍ حقيقي !. فقد انخفض
الروبل بقوّة وتأثرت كافة المشاريع التنموية ، وتسبّبت بتراجُع الاقتصاد الروسي
وهروب ٍ كبيرٍ في رؤوس الأموال ، وذلك بعد فترة انتعاش اقتصادي كبيرة ، ويُخشَى من
ركود اقتصادي !.
*العقوبات الغربية لها أيضا مفعولا مُعاكِسا ، حيث أثّرت على الدول الأوروبية
،لاسيما ألمانيا التي تُعتبَر روسيا من أهم أسواقها ، ولكن العالم الغربي عالمٌ
ثريٌّ، ولديهم بدائل طاقة واسعة (وكذلك حلفائهم في العالم فهُم أثرياء) ويمكنُ
للغرب أن يتحمّل تبِعات العقوبات المفروضة على روسيا أكثر مما يمكن لروسيا أن
تتحمّله !.
*يُضافُ إلى ذلك أن هناك قِوى سياسية في روسيا ، على غِرار أوكرانيا ، ترغبُ
باللحاق بِركبِ الغرب ، وأن تُصبِح روسيا جزءا من العالَم الغربي ، وليست مع سياسات
بوتين ، وإن ما وصلتْ هذه القوى إلى السلطة فقد يتمكّن الغرب من إحداث تغييرات كما
يشاء في روسيا ، وقد تتكرّر نفس تجربة غورباتشوف زمن الإتحاد السوفييتي دون أن يخسر
الغرب جنديا واحدا !. فهلْ هذا ما يُخطِّط له الغرب !؟.
https://www.facebook.com/you.write.syrianews/?fref=ts098jmi
ان شاء الله تتركك روسيا إلى مدن و بلدات صغيرة غير قادرة حتى على الدفاع عن نفسها.
ليس المهم ان يبقى الكاتب ولا المهم ان يبقى احدا من الشعب السوري،المهم أن يبقى النظام برموز فساده السابقين واللاحقين لينهبوا ما بقي من ثروات الشعب هم وأولادهم والباقي يعيشون الفقر والحرمان.هل لديكم ذرة من ضمير لتسألوا من أين لِناسٍ كانوا من أفقر الفقراء وبعد المناصب صاروا من أثرى الأثرياء في العالم؟أليس نهب الثروات عن طريق استغلال السلطة هو جريمة جنائية،كما جريمةأي إرهابي؟ثم ألم تسمعين كل تصريحات الروسي أنه يدافع عن مصالح روسياوليس عن أرواح أحد؟مدير مكتب يمتلك جامعة تكاليف مبانيهاالمليارات،من وين