في يوم الجمعة 18/03/2016 تم التوقيع على اتفاقية بشأن اللاجئين بين الدول الأوربية وبين تركيا ودخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ يوم الاحد 20/03/2016. فما هو مضمون هذا الاتفاق ومدى توافقه مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان وما مدى قابليته للتنفيذ؟ هذه الأسئلة وغيرها سنحاول الإجابة عليها في هذا المقال.
أولا-مضمون الاتفاق:
1-أحد أهم أهداف هذا الاتفاق هو محاربة تجارة المهربين بأرواح اللاجئين
2-اعادة جميع المهاجرين غير الشرعيين الذين عبروا من تركيا الى الجزر اليونانية الى
تركيا.
3-يغطي الاتحاد الأوروبي تكاليف اعادة المهاجرين.
4-مقابل كل سوري تتم إعادته من اليونان الى تركيا، سيتم إعادة توطين سوري آخر
يستقدم من تركيا الى الاتحاد الاوروبي غير أن سقف هذا العدد في أوروبا حدد بـ 72
ألف شخص، وتكون الأولوية للذين لم يحاولوا الوصول الى اوروبا بصورة غير شرعية.
5-أشار أعضاء الاتحاد الأوروبي الى وجود 18000 مكان متاح لإعادة توطين المهاجرين في
القارة الاوربية وحوالي 54000 مكان على اساس طوعي من قبل الدول الاوربية.
6-الاتحاد الأوروبي سيعمل على تسريع الوصول لخارطة طريق للسماح بإعفاء مواطني تركيا
من تأشيرات الدخول إلى أوروبا في مهلة أقصاها نهاية يونيو/حزيران 2016.
7-الاتحاد الاوروبي وافق على المقترح التركي بمساعدة السوريين في المناطق الآمنة
التي ستقام داخل الأراضي السورية، حيث أكد البيان انه على الاتحاد الأوروبي والدول
الأعضاء، مساعدة تركيا في أي جهود مشتركة لتحسين ظروف السوريين داخل الاراضي
السورية في المناطق الشمالية القريبة مع الحدود التركية.
8-تقدم اوروبا مساعدة مالية لتركيا قدرها ثلاثة مليارات يورو من أجل تحسين ظروف
معيشة اللاجئين الذين يقدر عددهم بنحو 2.7 مليون لاجئ، كما سوف يقوم الاتحاد
الأوربي بتقدم تمويل إضافي عندما تصبح هذه الموارد على وشك النفاد، بحلول نهاية عام
2018.
ثانيا –الاتفاق الأوربي التركي الأوربي والقانون الدولي:
في تصريح له نشرته صحيفة غارديان، شكك المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي
في شرعية الاتفاق، ووصف برنامج تبادل اللاجئين بأنه مثير للجدل، لأنه بموجب الاتفاق
سيُعاد اللاجئون السوريون من الجزر اليونانية إلى تركيا، بينما تأخذ دول أوروبية
طالبي اللجوء الموجودين حاليا في تركيا.
أما المدير الأوروبي لمنظمة العفو الدولية فقد وصف الاتفاق بالمحبط في يوم كئيب،
وأنه إذا طبق بمعناه المطلق فإن عدد اللاجئين الذين ستأخذهم أوروبا سيتوقف على عدد
اللاجئين المستعدين للمخاطرة بأرواحهم عبر وسائل أخرى.
هذه البيانات وغيرها تدل على مدى الإحباط في الأوساط القانونية والحقوقية بسبب
المخالفة الصريحة لهذا الاتفاق لمبادئ وقواعد القانون الدولي.
وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق قد تضمن إشارة صريحة إلى احترام كافة الأطراف
لالتزاماتها بموجب القانون الدولي والأوروبي والاتفاقيات الدولية ذات الصلة خلال
عملية التنفيذ، فإن نصوص الاتفاق في حد ذاتها تخالف هذه القواعد الدولية، لاسيما
فيما يتعلق بالإعادة الجماعية للاجئين الذين يعبرون تركيا إلى اليونان اعتبارا من
20 اذار مارس 2016 بغض عما كانوا مؤهلين للحصول على صفة لاجئ في القانون الدولي
ويستحقون الحماية الدولية أم لا، وفقا لما نصت عليه اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة
بوضع اللاجئين، والتي ألزمت البلدان المستقبلة للاجئين بتقييم حالات طالبي اللجوء
كأفراد. (المادة 32-33 من الاتفاقية المذكورة).
كذلك فإنه وفقا لمعاهدة جنيف الخاصة باللاجئين والميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان فإن
أسباب اللجوء هي المعيار وليس البلد الذي قدم منه اللاجئون.
أيضا فإن هذا الاتفاق خالف ما نصت عليه اتفاقيات جنيف المتعلقة بالقانون الدولي
الإنساني وذلك بالنسبة للفارين من النازعات المسلحة وإعادتهم إلى دول غير آمنة.
إن معادلة «سوري مقابل سوري» أي أن يتم توطين لاجئ سوري من تركيا في دول الاتحاد في
مقابل كل سوري يُعاد من اليونان إلى تركيا، يعد بمثابة تنفيذا مشروطا لمبدأ إعادة
توطين المهاجرين مقابل وقف الهجرة غير الشرعية إلى الاتحاد الأوروبي.
وأخيرا لابد من التنويه الى أنه وفقا لمبادئ القانون الدولي لا يجوز إعادة اللاجئين
إلى دولة اخرى إلا إذا ثبت أن طلباتهم المتعلقة باللجوء سيتم البت فيها بشكل صحيح
وبعد ضمان حصولهم على اللجوء طبقا للمعايير الدولية وأن يتم توفير التعليم والعمل
والرعاية الصحية لهم، علما أن تركيا كانت قد صادقت على اتفاقية جنيف للاجئين عام
1951 تمنح بمقتضاها حق اللجوء للقادمين من الدول الأوروبية فقط، وتعطي حق الحماية
للقادمين من دول أخرى، وهو ما ينطبق على السوريين، والتي تعطي الشخص حق الإقامة
والتعليم والخدمات الصحية وتمنعه من حق التجنس والمعونات الاجتماعية، مما جعل مئات
الآلاف يغادرون تركيا إلى أوروبا.
ثالثا-مدى قابلية تنفيذ هذا الاتفاق:
لقد بدأت تركيا فعلا بتنفيذ تعهداتها قبل يوم من سريان مفعول الاتفاق، في مؤشر على
التزامها الجدي بالاتفاق؛ حيث أعلنت قوات الأمن التركية أن قوات خفر السواحل وشرطة
الدرك ألقت القبض على 1734 مهاجرا و16 مهربا في إطار حملة واسعة لمنع اللاجئين من
الوصول إلى جزيرة ليسبوس اليونانية.
إلا أن هناك شكوكا حول إمكانية هذا الاتفاق، من ذلك ما أعلنه الرئيس الفرنسي الذي
أكد على أهمية «التزام تركيا مكافحة شبكات التهريب والتعاون مع أسطول حلف شمال
الأطلسي من أجل استعادة المهاجرين الذين يغادرون ترابها ولا يستجيبون لشروط
اللجوء». وذكّر بأن «إلغاء التأشيرة (أمام الرعايا الأتراك) مرتبط بتنفيذ تركيا 72
معياراً».
كما يتطلب نجاح الاتفاق من الجانب الأوروبي «توفير إمكانات كبيرة لدعم اليونان ووضع
الآليات اللازمة وتنفيذ الاتفاق مع تركيا». وشرح هولاند أنه «إذا لم تتم معالجة أصل
المشكلة والسبب الرئيس لحركة اللاجئين وفرارهم من سورية، وإذا لم تمكّن المفاوضات
الجارية من استمرار الهدنة والانتقال السياسي فإن تدفق اللاجئين لن يتوقف».
من جانبه شكك الرئيس النمساوي هاينتس فيشر في نجاح اتفاق اللجوء بين الاتحاد
الأوروبي وتركيا، مؤكدا أن احتمال نجاح هذا الاتفاق لا يتجاوز 50 وربما يكون 35%
فحسب. كما قالت السلطات اليونانية إن "عدد المهاجرين الذين يصلون إلى اليونان لم
يتراجع، على الرغم من دخول الاتفاق حيز التنفيذ منتصف الليلة الماضية".
ولابد من التنويه الى أن إعطاء الدول الأوروبية حق وضع معايير قبول اللاجئين يفقد
أغلبية اللاجئين فرصة الهجرة إليها، باعتبار أن المؤهلين وأصحاب الكفاءات سيحظون
بالأولوية، أما الغالبية الساحقة فستبقى ضمن الأراضي التركية ضمن الإمكانيات
المحدودة التي لا تكاد تكفي خاصة في ظل الغلاء الكبير التي تشهده تركية وبالتالي
سيستمر هؤلاء في محاولة العبور الى الأراضي الاوربية بشتى الوسائل ودفع كل شيء في
سبيل تحقيق هذا الهدف وهذا ما سيجعل سوق التهريب مزدهرة.
وبالتالي فإن ملف اللاجئين سيبقى عاملا ضاغطا على الحكومة التركية وعلى الدول
الاوربية، في ظل استمرار الأزمة السورية وتداعياتها وفي ظل غياب الحافز للاجئين
السوريين للبقاء في تركيا لافتقادهم صفة "لاجئ"، وهو ما يحرمهم من فرص الإقامة
الدائمة والحصول على الجنسية مستقبلا وتأسيس حياة مستقرة أسوة بالدول الأوروبية.
وأخيرا لابد من القول بأن تركيا والدول الاوربية قد حققت الكثير من أهدافها من
الاتفاق، أما اللاجئون السوريون فسيبقون يعانون الامرين خاصة في ظل غياب قوانين
الحماية واللجوء في الدول المجاورة. وإذا كانت تركيا تُعدُّ أفضل مكان للاجئ السوري
في الدول الإقليمية، فإن هناك عدة عوامل -كالقوانين التركية والواقع الاقتصادي
التركي والمستقبل السياسي الغامض-لا تسمح بأن تكون تركيا هي البديل عن أوروبا.
https://www.facebook.com/you.write.syrianews/?fref=ts