syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
نظرة موجزة لدور ووظيفة الديمقراطية في أنظمة الحكم (2) ...بقلم : نبيل حاجي نائف

 السُلطة

أبسط تعريف للسلطة هو أنها "قدرة الفرد أو الجماعة على التأثير في سلوك الآخرين ، برضا الآخرين أو رغمًا عنهم " .
تشير الموسوعة الفلسفيّة إلى أنّ السلطة (Autorité,Authority)، » مفهوم يشير إلى النفوذ المعترف به لفرد أو نسق من وجهات النظر أو لتنظيم مستمدّ من خصائص معيّنة أو خدمات معيّنة مؤدّاة .


وقد تكون السلطة , سياسيّة أو أخلاقيّة أو علميّة , و ينضوي تحت هذا المفهوم عدة أنواع من السلطات:

1 ـ السلطة الفردية : و هي ما يطلق عليها اسم السلطان الشخصي ، و التي تتمثّل في قدرة الإنسان على فرض إرادته على الآخرين ، نظراً لقوّة شخصيته و شجاعته، و قدراته العقليّة المتفوّقة .
2 - سلطة الأب أو سلطة الأم على أولادهم , سلطة رئيس العشيرة , . . .
3 ـ السلطة الدينيّة أو العقائدية : و هي مستمَدّة من الوحي الذي أنزله الله على أنبيائه، و من سنن الرسل ، أومن المقدس أو غيرها من العقائد .
4 ـ سلطة البنيات الاجتماعيّة كالسلطة السياسيّة و القوانين والدساتير والتشريعات والأعراف والتقاليد وغيرها .
 

 


وفي أي نظام اجتماعي لا بد من وجود سلطة أو سلطات عليا مسؤولة عن كافة الأمور العامة , حتى تتمكن المجموعة من القيام بعمل مشترك ، وهذه السلطة تسمى السلطة السياسية ويمكن تعريفها على أنها مجموعة العمليات والأدوار الاجتماعية التي بواسطتها يمكن اتخاذ القرارات الجماعية وتنفيذها.
 

 


فالسلطة هي وسيلة تحكم وهي قوة , وكل سلطة تستمد قوها من بعض الأمور التالية :




1ً – المقدس الفكري الموروث , أو العقائد أو التشريعات والأعراف , أو الدساتير والقوانين الموضوعة مسبقاً.
2ً – القوة المادية أو العسكرية الثورة أو الإنقلاب . أو بالوراثة ( الملك والأمير .... )
3ً – القوة الاقتصادية والأغراء بالمال والجاه , والقوة السياسية المؤلفة من قوى متعددة .
4ً – قوة الفكر والإعلام والصحافة .
 

 


والسلطة يمكن توظيفها لتحقيق الكثير من الأمور أو الأهداف أو المكاسب إن كانت شخصية أو لمجموعة أفراد معين أو لكافة الأفراد , فالسلطة والإدارة ضرورية في تسيير الأمور الجماعة .
ولكن السلطة عوضا عن أن تكون في خدمة الأفراد وتحقيق مصالح الجماعة أو الدولة , قد تتحول إلى تسلط بخروجها عن قواعد العمل الجماعي .
 

 


لذا يجب أن تحدد مهام هذه السلطة وإلى من توكل بشكل واضح في القوانين أو الدستور , كي لا يختلط الحابل بالنابل وتميل الأمور إلى صراع على السلطة وتفتح الأبواب أمام الحيل والمناورات الهدامة . فالسلطة هي بمثابة تفويض من أعضاء الجماعة تعطى إلى الإداريين لتسيير الأمور بشكل يحقق الفائدة والنمو للجميع . لكن حين تنفصل الإدارة عن قاعدتها وتتحرك دون أي اعتبار لها، تتجه بذلك إلى منزلق خطير قد يطيح بالجماعة ككيان جماعي .
 

 


وقد رأى مونتيسكيو بأن كبح السلطة لما فيه صالح الجماعة ، هو توزيع السلطات وفصلها عن بعضها , وهذاما يحقق توازِن السلطات الثلاث . فينبغي ألاّ يمارس السلطة التنفيذيّة أعضاءُ السلطة التشريعيّة، بل أن تودع في عهدة الملك الذي يكون قابلاً للعزل إذا ما أتى أعمالا تتجاوز سلطاته .
 

 


وفي مقولته المشهورة "السلطة توقف طغيان السلطة" ومقولته "كل من له سلطة يميل إلى إساءة استعمال السلطة " رسم (مونتيسكيو) نظريته في السلطات، والتي جاءت بعد دراسته لأكثر من شكل من أشكال الأنظمة التي كانت تحكم في عصره، وأعتبر بها أن بناء النظام السياسي المتوازن يقوم على مبدأ السلطات التي تمارس الرقابة المتبادلة فيما بينها لتشكل بذلك حماية للنظام السياسي وضمان استمرارية هذا النظام من خلال توزيع واضح لاختصاص كل سلطة من السلطات الثلاث – التشريعية – والتنفيذية - والقضائية .



سوء استخدام السلطة وكيفية معالجته

 

 


بما أن السلطة قوة ولها تأثيرات كبيرة على الأفراد وعلى المجتمع فيجب العمل على ترشيدها وتوظيفها بما يخدم ويفيد الأفراد وبنيات المجتمع , والعمل على منع استغلالها من قبل بعض الأفراد أو الجماعات وتوظيفها لتحقيق مصالحهم الخاصة , والعمل بنظام حكم يعتمد السلطات المستقلة . وفصل السلطات عن بعضها هو أحد أهم طرق معالجة سوء استخدام السلطة , وبالالتزام بالتشريعات والقوانين ( الدستور ) وتنفيذها على الجميع , ومراقبة تنفيذها بدقة وشفافية وعدل على الجميع , وتداول السلطة عن طريق الانتخابات الحرة النزيهة .
 

 


و نظام الذي يعتمد السلطات الأربعة المستقلة هو نظام الحكم الذي استطاع التعامل مع القوى التي تتحكم في الانتخابات ,التي هي أساس الديمقراطية . فالمنتخبين لتولي الحكم هم مقيدين بأنظمة عمل السلطات الأربعة التي هي الأساس المعتمد من قبل غالبية الشعب , وإذا كان حكمهم سيئ ولم يرضى عنهم الشعب فسوف يعالج الوضع , ويتم الإسراع بإجراء انتخابات جديدة , فالتغيير دوماً متاح وخلال وقت قصير في ذلك النظام .
 

 


فيجب أن تفرض السلطات الأربعة قواها ولا يسمح باختراقها وتحكم بعض الأفراد أو الجماعات بها بتغيير أو تعديل مناهجها وأسس عملها إلا بموفقة غالبية الشعب , ويجب أن تكون السلطة العسكرية والأمنية تحت تصرفها بشكل كامل .

السلطات الأربعة
السلطة التشريعية
 

 


يقُصَد بالسلطة التشريعية، تلك الهيئة التي لها حق إصدار القواعد العامة الملزمة التي تحكم تصرفات الناس، داخل كيان الدولة وتتجه أنظمة الحكم الديمقراطية ، إلى إعطاء حق التشريع النواب الشعب الذي يمثلون السلطة التشريعية , بإيجاد تشريعات لما يستجد من الأمور نتيجة للتطور , وتنظيم العلاقات سواء كانت داخلية أو دولية فيما لا يوجد تشريعات له , وهذه التشريعات تكون نتيجة لضرورة ، وقد تتغير إذا ما رأى المشرع ذلك فالاحتياجات تتغير كما تتغير الرغبات .
 

 


السلطة التنفيذية



هي التي تسيّر أمور الدولة ضمن حدود الدستور والتشريعات وقوانين ، ولها صلاحيات اقتراح مسودة قوانين جديدة لدراستها من قبل السلطة التشريعية والموافقة عليها. هذه العلاقة بين التشريع والتنفيذ لا يصح بشكله الأفضل إلا في استقلالية الأول عن الثاني .
 

 


ولكن في الواقع هناك علاقات بين السلطتين في كثير من الحكومات الديمقراطية ، حينما تحصل الحكومة على الأغلبية البرلمانية. هذا يضعف من مزايا الديمقراطية. للخروج من هذه الإشكالية، يجب تفعيل آليات قانونية لحضور فعلي للمعارضة وعرض سياستها أمام الرأي العام .
 


السلطة القضائية



لا شك في ضرورة استقلالية هذه السلطة لحماية الديمقراطية . على القضاء أن يكون مستقلا في كافة مستوياته عن أي ضغوط سياسية أو اجتماعية أو مالية أو دينية ... , فهدف القضاء الأساسي هو العدل تبعا للقانون.
 


إن لاختيار القضاة اعتبار حيوي في الحياة الديمقراطية. اختيارهم يجب أن يبتعد أكثر ما يمكن عن اللعبة السياسية الضيقة للحفاظ على استقلاليتهم. لذا من الأفضل أن يختار نواب الشعب أعضاء المحكمة الدستورية العليا عوضا عن الحكومة. أما القضاة الآخرون فيمكن اختيارهم عن طريق أندادهم.
 


إن الرجوع إلى السلطة القضائية في الأمور السياسية بشكل متواصل للبت في شرح القانون وحل الأمور الشائكة أو المستعصية يضعف السلطة التنفيذية والتشريعية لأننا بذلك نعطي الاعتبار الأول إلى هيئة غير منتخبة مباشرة من المواطنين ونخفف من قيمة السلطة المنتخبة . هذا يؤدي إلى "حكم القضاة" وإضعاف الديمقراطية بشكل عام . لكي نبتعد عن إقحام القضاء في الأمور السياسية على النواب تحمل مسؤولياتهم كاملة وكتابة قوانين واضحة منسجمة مع بقية القوانين وغير قابلة لتأويلات متعددة.
 


لحسن إدارة الدولة الديمقراطية الحديثة يجب وضع رقابة قضائية تضاف على الرقابة الإدارية العاديّة على المؤسسات المتعددة في الدولة لكي لا تخالف القوانين وأنظمتها الداخلية.
 


السلطة الرابعة

 


قسم مونتيسكيو السلطة إلى ثلاث سلطات مستقلة وهي التشريعية والتنفيذية والقضائية ثم جاء بعده الفيلسوف الإنجليزي إدموند بروك وأعلن الاعتراف بنفوذ الصحافة وسماها السلطة الرابعة حيث قال: «ثلاث سلطات تجتمع هنا تحت سقف البرلمان، ولكن في قاعة المراسلين تجلس السلطة الرابعة وهي أهم منكم جميعا» .
 

 


وتتقدم أهمية السلطة الرابعة على السلطات الثلاث لسبب واضح وهو أن السلطة الرابعة تمثل الشعب تمارس دورها باستقلال تام ولقد مارس البشر حركة الدفاع عن الحرية منذ القرن السابع عشر، حين صدرت كراسة ميلتون التي اعتبرت من الأعمدة الرئيسية التي قامت عليها حرية الصحافة والتي انتشر بفضلها مفهوم «السوق المفتوحة للآراء» التي تقوم على مبدأ إتاحة مناخ التجادل بين الناس حتى تسود الحجج الجديرة بالسيادة. ثم كتب المفكر (ستيوارت ميل) عن تطبيق المبادئ العامة لحرية التعبير قائلاً : إذا كان البشر أجمعون متفقين على رأي معين وظهر بينهم شخص واحد له رأي مغاير فليس للبشر مبرر لإسكاته تماما كما أنه ليس من حق هذا الشخص الواحد إسكات البشر.
 


والآن وبعد ما يقارب أربعة آلاف سنة من المناضلة للانتصار لحرية الرأي تعلن منظمة «مراسلون بلا حدود» المتخصصة في شؤون الحريات الصحفية عالميا، أن ثلث سكان العالم مازالوا يعيشون في بلدان تنعدم فيها حرية الصحافة والإعلام بشكل عام والغالبية تعيش في دول ليس فيها نظام ديمقراطي أو حيث توجد عيوب خطيرة في العملية الديمقراطية .
 


وحرية الصحافة تعتبر مفهوماً شديد الإشكالية لغالبية أنظمة الحكم غير الديمقراطية ، سيما أن إحكام السيطرة على المعلومات وصانعيها ومروجيها في العصر الحديث يعتبر، لمعظم الحكومات من أهم الأمور .
 


لا يجوز في الديمقراطية الحد من حرية التفكير لأن للإنسان كل الحق في تحكيم عقله دون خوف أو محاسبة عشوائية من الحاكم أو المجتمع.

المجتمع الديمقراطي مجتمع مفتوح تعرض فيه الأفكار وتناقش علنا من المواطنين تحت حماية القانون. هذه الشفافية وعدم رهبة الحاكم هي عناصر حيوية في مجال الديمقراطية. الإنسان المنفتح والمحاور والمدافع عن حقوقه لا يبقي لنفسه حصيلة أفكاره ومواقفه بل يود نقلها إلى الآخرين لاقتناعه بما يفكر فيه وبما يفعله.
 


إذا دخلت هذه العقلية الانفتاحية في مجالات السياسة والنشر والصحافة والفنون وغيرها، تكون هناك صحوة نوعية عند المواطنين يتجاوزون فيها حدود إمكانياتهم الضيقة لإيجاد حلول جماعية أفضل من الحلول "المنزلة" من دماغ السلطان مهما كان قادرا وقديرا. فحصيلة مجموعة الأفكار هائلة بالنسبة لأفكار فرد واحد.
 


أما السرية وعدم الحوار والانغلاق والصحافة الموجه أو ما يسمى خبثا الصحافة "الملتزمة" واتخاذ "القرارات" ضمن حدود ضيقة وأقل ما يمكن من النقاش تؤدي إلى سياسات هزيلة لا تخدم المواطنين بل مجموعة من الحكام ومن يدور حولهم، كما يحدث غالبا في الأنظمة الديكتاتورية.
 


أثناء الحوار تنمو الأفكار وتتطور بسبب دخولها في مجابهة سلمية ومقصودة مع أفكار مناقضة أو موازية أو متقاربة أو مكملة. هذه الحركة بين الفكرة وغيرها ترفع المحاورين إلى مستوى أرقى من حيث فهم الأمور المطروحة.

لماذا كانت الصحافة ( والإعلام ) هم الأهم والأكبر تأثيراً .
 


إن ما يصل إلى مراكز المعالجة في الدماغ من أفكار ومعلومات ( أي إعلام )هو فقط الذي تجري معالجته . هذه الخاصية هي التي تتحكم في كافة استجاباتنا وتصرفاتنا الإرادية الواعية , فبناءً على ما يصل إلى هذه المراكز وتجري معالجته تنتج الاستجابات والتصرفات , وتسجل في الذاكرة النتائج أو يتم تعلم استجابات وتصرفات معينة يتم اعتمادها في التصرفات اللاحقة . فما يتم تعلمه يصبح كبرامج تشارك في المعالجات الفكرية ويفرض تأثيراته .
 


نحن الآن في وضع أصبح الإعلام بكافة أشكاله هو الذي يدخل أكبر كمية من الأفكار التي تجري معالجتها في أدمغتنا , وهذا يحدد غالبية استجاباتنا وتصرفاتنا .
 


فالآن عن طريق الإعلام يمكن توجيه استجابات وتصرفات غالبية الناس إلى الوجهة التي نريد , إن كان شراء منتجات أو خدمات , أو كان دفع لتصرفات معينة اجتماعية أم سياسية أم دينية أم عسكرية أم اقتصادية . , . وهذا ليس بجديد فهو كان يحدث دوماً , فنشر الأفكار والعقائد والتحريض على تصرفات معينة هو الموجه الأكبر لغالبية تصرفاتنا .
 

 


لذلك كانت السلطة الرابعة أو الإعلام هي أقوى السلطات وأكثرها تأثيراً على غالبية تصرفاتنا .
 


وهذه السلطة يملكها كل إنسان ويمكنه استخدامها , وبواسطة منح الجميع الحرية في إبداء أفكارهم وأرائهم نفتح المجال لتفاعل أكبر كمية من الأفكار والخيارات , وبنتيجة تفاعلها مع الظروف والأوضاع تبقى الأفكار المتكيفة أكثر مع هذه الأوضاع . ويتحقق بذلك توازن واستقرار المجتمع بكافة أفراده . ولكن هذا لا يتم الوصول إليه بشكل كامل , فتظل التطورات والحركة دوماً مستمرة والتكيفات تلاحقها ويحدث نتيجةً لذلك التقدم والارتقاء لبنيات المجتمع والأفراد .
 

 


كيف يتم تشكيل نظام حكم يعتمد السلطات الأربعة التي تعمل بشكل صحيح . إن تحقيق ذلك لا يمكن أن يتم بشكل فوري فهذا مستحيل , فيجب أن يتم ذلك بالتدريج وهذا يعرفه الجميع , فالامتثال للأنظمة والقوانين لا يتم بسهولة فهي تتشكل كما تتشكل الأخلاق والعادات نتيجة الممارسات وخلال زمن , فتعلم ذلك يلزمه إجراءات وممارسات مناسبة ويلزمه فترة زمنية مناسبة وهي ليست قصيرة . والشيء الأساسي والمهم هو حكم المؤسسات بالاعتماد على الدستور وليس حكم الأفراد , وتطبيق القوانين على الجميع وبنزاهة .
 

 

 


https://www.facebook.com/you.write.syrianews/?fref=ts

 

2016-05-05
التعليقات