syria.jpg
مساهمات القراء
قصص قصيرة
دموع غالية ... بقلم : مها الشعار

في حينا القديم ذي الشوارع الضيقة حيث اعراش الياسمين التي تمتد مصافحة الأخرى في الشارع المقابل كالأيادي البيضاء التي كانت تمنح سكان الحي طاقة من المحبة فتتآخى الأرواح وتتوحد كالجسد ، في البيت القريب من بيتي كانت تسكن غالية تلك الفتاة التي كبرت معي كنا نلعب تحت الدرج ونتسابق في التقاط حبات الياسمين الأبيض المتساقطة على الأرض لنصنع عقداً ابيض والتي تجمع أكثر تمتلك العقد الأطول.


 كان كل ما فيها يشبهني حتى أصبحنا نتقصد ارتداء نفس ألوان الثياب وكأننا توأم خلق من رحم واحد. كانت تعجبني تلك القلادة الذهبية التي تلتف حول رقبتها وكنت أحب لمعان الألماسات الأربعة على أطرافها وهذا ما جعلني أطالب عائلتي بشراء واحدة مثلها وعندما شاهدت الابتسامة على وجوههم أدركت باني سأمتلك واحدة قريباً ذات يوم وبينما كنت في بيت غالية العب معها ناداني والدي وقدم لي قلادة ذهبية لم اسعد بها كثيراً لأنها لا تشبه تلك التي كانت مع غالية

 

 

نظرت إلى والدي وقبل أن أتكلم خاطبني أنتي وغالية تشبهون بعضكم كثيراً وتقصدت أن اشتري لك شيئاً مختلفاً عنها حتى نستطيع تمييزكم عن بعض عقلي الصغير استوعب الفكرة وفرحت لأن هذا التشابه يمنع أفراد عائلتي وعائلتها من التمييز بيني وبينها إلا أنني مازلت أحب قلادتها وقد صارحتها مراراً بذلك.

 

 

 كبرت أنا وغالية ودخلنا المدرسة ولم نفترق فأنا وهي وبحسب ترتيب الأحرف جلسنا في صف واحد وفي احد الأيام دخلت المديرة وأخبرتنا بان المعلمة مريضة واعتذرت عن الحضور لأول مرة تبتعد ألعابنا عنا وجلسنا نتحدث كالكبار كنا نجاوب بعضنا عن أسئلة لا نعرف لها أجوبة حتى لم نفكر يوماً أن نتحدث عنها ولأول مرة اعرف بأن على رقبة غالية هو صليب وان والدي كذب علي فلم يأت لي بهذا المصحف الصغير لاختلف به عن غالية بل لان عاداتنا تمنعني من ذلك، الحيرة تملكت عقلي وأصبحت أتحدث مع روحي واسأل لم كذب والدي علي ومع مرور الوقت ووصلنا لمرحلة البلوغ أدركنا بانا من ديانتين مختلفتين ومع ذلك كنت أشاركها صلاتها في الكنيسة ولطالما ارتدت هي غطاء صلاة والدتي ووقفت جانبي في الصلاة التي كنت كثيرا اقطعها ضاحكة لأنها كانت تخطئ في الركوع والسجود فتبتعد عني لأكملها وحدي.

 

 

 

 لم يحصل ما يعكر أحلامنا ولا حتى دخل بيننا شعور الانزعاج من بعض إلا أنني وفي احد المرات طرقت بابها فقد حان موعد الدراسة فتحت غالية الباب وبسرعة اخفت وراء ظهرها شيء لم تستطع عيوني التقاطه لسرعة يديها ثم غابت ثوان وعادت يداها فارغتين لم استطع أن اسألها رغم فضولي فهي أول مرة تضعني في موقف كهذا وفي داخلي يسكن سؤالين الأول لما لم يخبرني والدي بالحقيقة والثاني ما الذي خبأته غالية وذات يوم جاء من قطع عرائش الياسمين فلم نعد لا أنا ولاهي نستطيع جمع حبات الياسمين فقد سلبوا منا الفرحة وسرقوا الأمان

 

 

 

 خرّبوا الحي وقتلوا كل شيء جميل لف الحزن عيون غالية وقتل ظلمهم نبض الحياة التي في داخلي فلا احد يمتلك جواباً لما يحصل في صباح يوم غابت عنه العصافير واحتجزت الشمس رهينة في سجن الظلام تطرق غالية الباب وتدخل دموعها تسرح على خديها ولونها الأصفر غطى على لون بشرتها السمراء مدت يدها وأعطتني مفتاح بيتها نظرت إليها باستغراب أجابت بصوت اقرب للصمت قررنا مغادرة الحي كلامها دخل إلى مسامعي قطع بها عقلي عن التفكير وشعرت وكان قلبي قد توقف لثوان صوتها مجددا أعاد لي الحياة - والدي قد أعطى والدك نسخة ولكن خذي مفتاحي لتتفقدي ثيابي نعم كانت تحب ثيابها كثيراً ثم تابعت هم أمانة عندك وان أحببت ارتداء أي قطعة لك فلن تكون اغلي منك.

 

 

 اقتربت منها وحضنتها بقوة تمنيت لو تمتزج الأرواح لنبقى جسداً واحداً بقينا دقائق نبكي وأنا على كتفها تذكرت كل شيء جميل مررنا به وبينما كانت ذاكرتي تسترجع ما كان ابتعدت عنها وبسرعة سألتها ما الذي خبأته عني في ذلك اليوم شردت غالية ربما كانت ذاكرتها تسترجع تلك اللحظات ابتسمت وقالت قد عرفت يومها انك تضايقت ولأنك لم تسألي آثرت عدم التحدث في الموضوع يومها كنت جائعة وطلبت من والدتي أن تصنع لي لفافة زعتر وحين ناولتني إياها طرقت الباب وعندما وجدتك أمامي خبأتها عنك لأنك كنت صائمة وضعتها على الطاولة واتيتك فأنا اعلم بان رائحة الزعتر جميلة وخفت أن تشتهيها روحك وتابعت حديثها عندما ذهبت عدت لآكلها وجدتها قد يبست فبسببك بقيت جائعة نعم كان هذا اليوم في رمضان لم استطع فعل شيء سوى البكاء وعدت لاحتضانها مجدداً وودعنا بعضنا وداعاً لا نعرف فيه إن كنا سنلتقي مجدداً أغلقت الباب ونظرت إلى عائلتي وسألتهم ما الذي يحدث في الخارج ؟

 

 

 

الصمت كان سيد الموقف وبصوت مرتجف يغلبه البكاء سألت والدي :لم لم تخبرني بأن على صدر غالية هو صليب قال بحزن كنت أشاهد هذا التقارب بينك وبينها وان ما بينكما اكبر من أن أخبرك بأنك مختلفة عنها بالدين وتركت ذلك للأيام فهي اكبر مني واعلم انك قد حصلت على الإجابة في نفس اليوم وبعد هذه السنين في صباح اليوم التالي سمعنا أصواتاً في مدخل البناء خرج والدي مسرعاً واتبعته كانت وجوه كالشياطين كانت تقف أمام بيت غالية رائحة عفنة تخرج منهم و من أجسادهم ومن عقولهم كانوا يريدون اقتحام المنزل والسطو على ممتلكاته منعهم والدي من ذلك بعد مشادة كلامية انتهت برحيلهم وبعد مدة قصيرة طُرق بابنا واقتادوا والدي إلى زعيمهم ..

 

 

 

حالة من الرعب عشناها حتى عاد والدي مصفّر الوجه ، نظر إلى والدتي وقال هل تذكرين هذا الذي كلما علمنا بخروجه من السجن نوصد الأبواب ونغلق النوافذ خوفاً من دخوله لسرقتنا أجابت اذكره جيدا قال ساخراً هذا هو زعيمهم ! ليعاود الصمت مجدداً جلوسه بيننا وبعد دقائق قصيرة قال والدي احزموا أمتعتكم قررت مغادرة الحي.... كل ما خطر في بالي حينها هو أنني كيف سأخبر غالية بأننا أيضا سنغادر الحي وان إرهابهم وظلمهم وزع الغربة على الجميع إلا أن انقطاع أبراج التغطية كان العائق الذي يقف بيني وبينها غادرنا الحي ومضت الأيام ودخلت السنة الثانية التي لا اعرف فيها عن غالية أي شيء وكنت أخشى أن يكون قد أصابها وعائلتها مكروه.

 

 

 

وجاء اليوم الذي أعلن فيه الحق تخليص مدينتي من نجسهم وعدنا إلى الحي والى البيت الذي كان غريباً .. لم يكن هكذا عندما ودعناه .. إنهم حتى الحجر قتلوه. .. رتبنا فوضاهم وغسلنا نجسهم من على جدران المنزل وكنت في كل يوم ادخل بيت غالية ارتب ما استطيع ترتيبه وأول ما فعلته تعليق ثيابها التي كانت مرمية على الأرض مبعثرة كالأوراق ومع كل قطعة حكاية ترويها لي أزرارها وخيوطها . صباحاً سمعت صوت والدي بنبرة لم أعهدها منذ سنوات فقد كان اغلب وقته صامتا وان تحدث كان ينطق بحزن نعم انه صوت والد غالية هرعت إليه وقبل أن اسلم سألته أين هي؟

 

 

 

أشار بيده إلى السيارة كان بيتنا في الطابق الثالث لم انتبه يوماً لعلو الدرج فيه فقد كان الوصول إليها شاقاً من بعيد لمحتها يا الله كم كبرت وتغيرت ملامحها كانت عيونها تلتفت حائرة تنظر إلى هذا المجهول الذي حط ظلمه على كل شبر هنا وصلت عيونها إلي نزلت من السيارة ومع دموع الفرح احتضنت روحي روحها مجدداً وعندما ابتعدنا عن بعضنا دخلت أشعة الشمس بيننا ما جعل الالماسات الأربعة التي على صليبها تلمع ..عيوني لمحت البريق وعيونها كانت ترقبني جيداً ابتسمت وقالت : هل مازلت تحبين ارتداءه وقبل أن أرد عليها رفعت يديها إلى عنقها وبدون شعور قلدت أنا حركة يداها البستني صليبها ووضعت أنا على عنقها مصحفي الصغير موقف حار اثلتجه دموعنا التي انهمرت حزنا على ما جرى

 

 

 

قالت مبتسمة لقد نسيت أن أهنئك بشهر رمضان ، لم أرد عليها كل ما فعلته أني أمسكت بيدها وصعدت معها بسرعة إلى منزلي ودخلت وإياها المطبخ أخرجت من الثلاجة الخبز وصنعت لها لفافة من الزعتر فقد كنت في غيابها وعندما المح في الطريق طفلا يأكل أتذكر غالية واشعر بالذنب لأنها بسببي بقيت جائعة هي لم تتكلم بأي حرف ربما عرفت ما أقوم به ناولتها اللفافة وبدأت تأكلها بصمت .. رائحة الزعتر عطرت المكان يا الله ما أجملها فأنا اعرف طعمها جيداً إلا أنها في هذه المرة ازدادت ملوحتها فقد امتزجت مع الخبز دموع غالية .

 

 

https://www.facebook.com/you.write.syrianews/?fref=ts
 

2016-07-21
التعليقات