syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
هل سيضع قادة أوروبا اليد على الجرح بأكملهِ بعد هجوم مدينة نيس الإرهابي .... بقلم : د. عبد الحميد سلوم

**بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت في حي الكرّادة في بغداد صبيحة 3 تموز 2016 ، وتلتها في اليوم التالي تفجيرات في بعض المدن السعودية ، كتبتُ مقالا في 7 تموز وطرحتُ بعض الأفكار عن كيفية مواجهة هذا العقل التكفيري الانتحاري الإرهابي الإجرامي ، ومن بين ما طرحتُ هو إعادة وصف الجنة لدى المسلمين وصفا روحانيا نقيا صافيا ، لا وصفا مادّيا حسيا شهوانيا يدفع الشباب إلى الانتحار طمعا بالظفر بالحُور العِين والغِلمان !!.


** وقد ركّزتُ أيضا على أهمية الانتقال إلى الديمقراطية (العَلمانية الإيمانية ، التي تحترم الأديان) وإلى التعددية والتداول على السُلطة في كافة بلدان العالمَين العربي والإسلامي (وخاصّة في جنوب المتوسط ) حيث تتشاطئ بلدانهُ مع بُلدان أوروبا في جنوب القارّة بحيرة واسعة اسمها البحر الأبيض المتوسط !. وكذلك الفصل بين الدين والدولة على غرار ما فعلوه في الغرب بعد اتفاقية ويستفاليا عام 1648 !..

 


** شعوب جنوب المتوسط كانت تتوقّع من أوروبا الكثير في مساعدتها والوقوف إلى جانبها لتضعَ أقدامها على سكّة الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والتداول على السُلطة !!. ولكن ميوعة زعامات الغرب ، ومسايرتهم لأنظمة القمع والفساد والاستبداد في الضفة الجنوبية للمتوسط ، وما وراءها في العالم العربي ، كان لها دورٌ أساس في تعزيز هذا الإرهاب والتطرّف ، وانتقاله إلى عقرِ دارهم !!.

 


**كان هناك إعلان برشلونة عام 1995وكل دول جنوب المتوسط أطرافا به ، ويُعرفُ أيضا (بالشراكة الأورو متوسطية) أو (عملية برشلونة) أو يوروميد EUROMED وفيه ثلاثة مسارات ، مسار اقتصادي ومسار سياسي ومسار إجتماعي وثقافي !!. وقد أشار الإعلان إلى العديد من السياسات من بينها الأمن والاستقرار في منطقة البحر المتوسط ، وتعزيز الديمقراطية ، والحكم الرشيد وحقوق الإنسان !!.

 


** ثم طُرِح في تموز عام 2008 وباقتراح من رئيس فرنسا آنذاك (ساركوزي) ما عُرِف بـ ( الإتحاد من أجل المتوسط) وبناء مؤسسات خاصة به دون أن يحل محل الشراكة الأورو متوسطية !!. وسكرتارية هذا " الإتحاد " موجودة في برشلونة أيضا !!. والسؤال : ماذا حقّقَ هذا الإتحاد ، وماذا حقق مسار برشلونة على الصعيد السياسي والديمقراطي وحقوق الإنسان على الضفّة الجنوبية للمتوسط ؟ أي بُلدان العالم العربي تحديدا ؟؟ طبعا لا شيء !!.

 


**قادة أوروبا الذين كانوا خلفَ فكرة الشراكة الأورو متوسطية ، وخلفَ فكرة الإتحاد من أجل المتوسط ، والذين كانوا يطمحون لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان على الضفّة الأخرى ، هم أنفسهم من كانوا يستقبلون حُكام العرب المستبدين القامعين لشعوبهم ، والداعسين على كل حقوق الإنسان ، وعلى الإنسان ذاته ، وعلى الكرامة الإنسانية ، ويحكمون بلدانهم بالحديد والنار والقمع والقهر وكل أشكال الطغيان والفساد والاستبداد !!.

 

 فأمَا كان بإمكان أولئك القادة الأوروبيون ومن خلال اهتمامهم في منطقة جنوب المتوسط الحيوية لهم ، والأقرب لهم ، أن يضغطوا على أولئك الحكام كي ينقلوا بلدانهم إلى أنظمة ديمقراطية تعددية يتم فيها التداول على السلطة من خلال انتخابات تعددية وحرة وشفافة ونزيهة ، ويشرف عليها الإتحاد الأوروبي بنفسه ؟؟. لماذا تغاضوا عن أنظمة الاستبداد والقمع والشمولية ، وعقدوا معهم شراكات وعلاقات قبل أن ينتقلوا نحو الديمقراطية كما حصلَ في شرق أوروبا !!.

 


**لم يقبلوا بلدا في شرق أوروبا بالانضمام للإتحاد الأوروبي ، أو حتى يقيمون برامج شراكة معهم إلا بعد تحقيق شروط عديدة أولها احترام الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والتداول على السُلطة !!. ولكنهم أقاموا شراكات وبرامج شراكة واتفاقات شركة مع أنظمة جنوب المتوسط العربية دون أن يرتقي أيٍّ منها إلى أدنى حدود الديمقراطية وحقوق الإنسان ؟؟. فماذا يعني ذلك ؟؟. ألَم يكُن اعترافا بـ (حق ) هذه الأنظمة بقمع وقهر شعوبها ، وإدارة الظهر لهذه الشعوب !!. الغرب هو من خلقَ مبدأ التدخّل الإنساني في العلاقات الدولية وشرعنهُ قانونيا ولكنهُ للأسف استخدمهُ انتقائيا على أسس سياسية ومصلحية ضاربا عرض الحائط بمصالح الشعوب !.

 


** كان كل طغاة العرب يُستقبَلون في قصر الإليزيه وعشرة داوننغ ستريت ، وفي برلين وبروكسل وروما ومدريد وووو.. وكل العواصم الأوروبية !!وأولهم أولئك الذين أطاحتْ بهم شعوبهم !!.

 


**كانت بنوك الغرب ،وما زالت، تختزن كل الأموال المنهوبة من أولئك الفاسدون الناهبون لشعوبهم ، دون أن يَرُفّ لها جِفنٌ ، ويحيطونها بالسرية المطلقة ، وهم يعلمون أنها أموال منهوبة !!. ألَم يكُن ذلك تواطئا من الغرب أيضا ضد شعوب جنوب المتوسط الفقيرة المفجوعة رغم إمكانات بُلدانها الضخمة ؟؟. أموال القذافي في بنوك الغرب كما تناقلت وسائل الإعلام مائة مليار دولار ، ومع هذا كانوا يستقبلون القذافي وينصبُ خيمتهُ في قلب روما وباريس وغيرها ، ويزورونه في عاصمة بلاده ، وهُم يعرفونهُ كم كان مُتجبِّرا ، على شعبهِ دون أن يعني هذا لهم شيئا !!.

 


**وفود الغرب هي من كانت تؤكّد دوما في كافة اللقاءات المتعلقة بحقوق الإنسان أن الفساد هو خرقٌ لحقوق الإنسان ، وأن انحدار الشعوب إلى دونِ مستوى خط الفقر هو خرق لحقوق الإنسان ،، وهم يعلمون مدى فساد الأنظمة العربية في جنوب المتوسط وفقرِ شعوبها ، ومع ذلك يتعاملون معها ، وهذا يعني أنهم كانوا يطلقون شعارات فقط دون السعي إلى اتّخاذ مواقف جادّة لتطبيقها ، وإلا لمَا تعاملوا مع هذه الأنظمة الفاسدة ولَما اعترفوا عليها ، وبدَلَ ذلك كانوا فرضوا عقوبات صارمة بحق كل المسئولين بتلك الأنظمة ومصادرة أموالهم وإعادتها لاحقا لشعوبها !!.

 


** ألا يعلم هذا الغرب أن الفساد ونهب الشعوب هي من أحد الأسباب ( وليس كلها طبعا) التي رمت بشعوب جنوب المتوسط في أودية الفقر والحرمان والمجاعة ، ودفعَ ببعض شبابها للتطرُّف وتفضيل الحياة على الموت ؟!. هذا إذا ما أضفنا الاستبداد والقمع والقهر والظلم أو احتكار السُلطة والمال ، وكل هذا يُحوّل الملائكة إلى عفاريت !!.

 


**غالبية سكان جنوب المتوسط هم من شريحة الشباب ، ويعيشون حالة بائسة ويائسة من البطالة والفقر والحرمان ، وأنظمتهم ليست مشغولة في إيجاد الحلول لهم ، وإنما مشغولة في كيفية ترسيخ السلطة ، والثراء ،وتكديس الثروات ، فماذا نتوقع من أولئك الشباب في هذه الحالة ؟؟.

 


**لماذا انتظر الغرب كل هذا الزمن حتى نفذَ صبر الشعوب في جنوب المتوسط وهبّت فجأة لتطيح بالحكام ثم كان ما كان من فراغٍ وفوضى في جنوب المتوسط وفّرتْ بيئة اجتماعية خصبة لتنمو وتزدهر فيها التنظيمات المتطرفة والإرهابية التي حرفَتْ كل تطلعات وطموحات تلك الشعوب عن سكّتها الصحيحة وعن غاياتها وأهدافها ؟؟.

 


**حينما مئات ملايين الشباب في جنوب المتوسط تنسَدُّ أمامهم كل فُرص العيش وآفاق المُستقبل ، ويعيشون اليأس والبؤس والإحباط ولا يستطيع واحدهم تشريج (ملء) هاتفه النقال بربع دولارٍ ، فيما يرى بأم عينيهِ أن هناك طبقة باتت ثرية جدا من خلال استغلال السلطة والنفوذ والفساد، ويعيشون هُم وعائلاتهم كل أشكال الرفاهية ، فأليسَ من الطبيعي أن يتحوّلوا إلى جيلٍ من المحتقنين الناقمين يبيعون أنفسهم للشياطين مقابل المال ومقابل الانتقام ؟!. أو يغادرون أمواجا بكل الوسائل نحو شمال المتوسط للعثور على فُرصٍ للعيش ، أو يتحولون إلى مجرمين وعصابات مخدرات وتهريب وقُطاع طرُق !!.

 


**طبعا كل ما تقدّم لا يعني أن أنظمة الفساد والاستبداد هي المسئولة لوحدها عن تفريخ التطرُّف (ولكنها تتحمّل مسئولية كبيرة) !!. فبُلدان جنوب المتوسط التي اندفعتْ شعوبها إلى الشوارع كانت أقرب للعلمانية ، ولم تكُن تمتلك مناهج دراسية وتربوية تدعو إلى الحقد والكراهية والتطرف ، ولكن كانت تمتلك أنظمة قمع وقهر واستبداد وفساد دفعتْ بالشعوب دفعا للتظاهر بالشوارع ، ثُمّ جاؤوا من ركبوا موجة المظاهرات تلك وحرفوا كل شيءٍ عن مبتغاهُ وأغرقوا جنوب المتوسط بالفوضى والإرهاب !! كيفَ ؟ ومن كان خلف ذلك وله مصلحة به؟ ولماذا ؟؟ اللهُ يعلم !!.

 


**وهناك أسبابٌ أخرى كثيرة ، تحدّثتُ عنها بالماضي كثيرا ، منها أساب دينية عقيدية صرفة تؤمن بأن هناك في هذا العالم (كفارا) وواجب أولئك الإرهابيين الديني والدنيوي هو في محاربتهم وقتلهم، وهكذا يظفرون بِحور العِين !. وهناك أسباب تربوية وثقافية ومذهبية وطائفية متعددة تلعب دورا بارزا في هذا المجال !!. فضلا عن الفتاوى التاريخية التي حللت سفك الدماء وسلب الأرزاق وهتك الأعراض ، ومنها فتاوى ابن تيمية التي لم يجرؤ حتى اليوم أحدٌ على الإفتاء ببطلانها وعدم صحتها ، وهم يعرفون كم كان ابن تيمية منبوذا من قِبل علماء عصرهِ بسبب تطرفهِ ، وكم من السنوات أمضاها في السجن ، وفي قلعة دمشق بِسبب تطرفه وفتاويه الغريبة التي كان يرفضها علماء عصره !!.

 


**وفضلا عن كل ذلك هناك أساب سياسية صرفة تتعلق بالصراع السياسي الفظيع بين الرياض وطهران ، والذي أهلكَ شعوب المنطقة وسَفك َدماء أبنائها !!. بلْ إنّ قيام كلٍّ من نظامي الرياض وطهران على العقائد الدينية والصراع على الزعامة الإسلامية كان لهُ دورٌ بارزٌ في خلقِ حالةٍ طائفية واحتقانٍ طائفي بغيض في كل المنطقة ، سرعان ما انفجرَ حروب ونيران ودمار ودماء ، وتطرّف وإرهاب !. فكل من تدعمه الرياض تحاربهُ طهران ، وكل من تحاربه طهران تدعمهُ الرياض ، وباتَ كلٍّ منهما يدعم حاكمٍ هنا أو هناك ويقول عنه أن هذا هو الحاكم الشرعي داعسَين على كل مفاهيم الشرعية ومعانيها !!. وخَلقَا حالة سيئة من الاستقطاب الطائفي في المنطقة وفي العالم الإسلامي ، وهمّهما الوحيد خلقُ حلفاء وتابعين لهما يخدمون مصالحهما المتناقضة بغضِّ النظر عن مصالح الشعوب !!.

 


**إن دول المتوسط العربية ، وما وراءها ، لا يمكن أن تتقدم خطوة واحدة للأمام ونحو الرُقي والازدهار والاستقرار والأمن والأمان ، ما لم تنتهي فيها كل الأنظمة الشمولية التي لا تعبّر عن إرادة شعوبها ومفروضة عليها بقوة البساطير العسكرية ، وما لمْ تنتقل هذه البُلدان نحو حُكم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والتعددية والقانون والمُحاسبة لمسئوليها الذين أثرُوا على حساب جوع الشعوب وفقرها وبطالة شبابها وصباياها ، وهم معروفون جميعا ، وثرواتهم هي من تدلُّ عليهم !. وحدها هذه المعاني والقِيم يمكن أن ترفعَ عن صدر هذه الشعوب كل مشاعر الظلم والقهر وكل هذا الهمّ والغمّ والبلاء الجاثم على صدورها ،ولا يترك لها خيارا سوى الاتجاه نحو التطرف !.

 


** مِن هنا يبدأ التحدّي أمام قيادات أوروبا ، في مدى المقدرة على مساعدة هذه الشعوب في تحقيق هذه الطموحات والتطلعات والأهداف ، ومواجهة التطرّف الديني من جهة ، والاستبداد السياسي من جهة أخرى !!.


**أنظمة الحُكم في العالم العربي لم يعُد لها مثيلا في العالم لِجهة الاستبداد والقمع والهمجية ،، اللهم إلا ، ربما ، في كوريا الشمالية حيث ما تزال عائلة (آل كيم سونغ) تحكم البلد بالحديد والنار منذ الحرب العالمية الثانية !!.

 


**فهذه شعوب ضعيفة ومُستضعَفة ، وتحتاج لمساندتها والوقوف بجانبها ضد التطرف الديني والإرهاب من طرف ، وضد الاستبداد وغياب الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان من طرفٍ آخرٍ !!. فكلاهما لا يُعبر عن حالة طبيعية ، وإنما عن حالة شاذة !!. فهل بعد هجوم مدينة نيس الفرنسية سيضع قادة أوروبا أياديهم على الجرح بأكمله وليس على جزءٍ منه ؟!.

 


https://www.facebook.com/you.write.syrianews/?fref=ts

2016-07-21
التعليقات