في سالف الأزمان عاش ناسك يدعى هاري في هندوستان وأمضى سنيناً طويلة متنقلاً في جبال الهملايا بحثاً عن شجرة نادرة تدعى شجرة الأماني.
الأساطير الهندية تقول أن هذه الأشجار العجيبة غرستها حوريات الجنة ولا يعثر عليها إلا المتوحدون مكافأة لهم على تقشفهم وممارساتهم الجادة للرياضات الروحية الصارمة. ويقال بأن لهذه الأشجار القدرة على تحقيق أماني وأشواق كل من يجلس تحت أغصانها.
الناسك هاري أحس في قرارة نفسه بأنه يستحق العثور على تلك الشجرة بفضل ممارساته الطويلة لتقشفات شتى وتذوقه الإختياري لشظف العيش والالتزام بنهج الإنضباط الدقيق الذي رسمه لنفسه. ولكن مع كل هذه النشاطات الروحية كانت هناك دروس لم يتعلمها بعد. صحيح أنه آان يرغب في الحصول على المعرفة الإلهية ولكنه كان يمتلك أيضاً رغبات أخرى أقل شأناً.
من بين تلك الرغبات كانت رغبة العثور على شجرة أماني.
فالمسالك الجبلية الوعرة أكلتْ شقفة أو شقفات من قدميه الحافيتين في بحثه المتواصل الحثيث عن مُنية القلب ورغبة الرغائب. وكان إحساسه الباطني يؤكد له دوماً أن تحقيق الوطر أمر حاصل وأن الشجرة بالإنتظار كثمرة طبيعية لجهوده الروحية التي تفوق طاقة واحتمال الشخص العادي.
كان صاحبنا مصيباً في حدسه. ففي إحدى الوديان في مرتفعات الهملايا عثر على شجرة ذات أوراق عريضة عرف للفور بفضل بصيرته الروحية أنها الكنز الذي طالما بحث عنه وتشوق للعثور عليه. وعلى الفور وبلهفة عظيمة اقترب من أغصان الشجرة المرحبة وجلس تحتها. ولكي يختبر القوى الخارقة لهذه الشجرة الفريدة أغمض هاري عينيه وقال :
في نفسه: إن كانت هذه شجرة أماني فلتجسّد لي قلعة حصينة وما أن مرّ الخاطر في ذهنه حتى بزغ بجانب الشجرة قصر فخم تحيط به حدائق غناء فيها ما فيها من الورود الناضرة والرياحين العابقة والأشجار الباسقة. ابتهج هاري لهذه المعجزة وغمرته نشوة الظفر بأعز أمنياته، إذ أخيراً عثر بالفعل على شجرة الأماني التي طالما بحث عنها.
ولم ينتظر طويلا قبل أن يعرب عن أمنيته التالية، فقال: اريد أن أرى من حولي جوقة من الصبايا الحلوات يقدمن لي أفخر وأشهى المأكولات على أطباق من ذهب ويسقينني شراباً ولا أطيب من أباريق فضية في كؤوس مشعشعة كالإبريز المتوهج.
ومثل لمح البصر تحققت أمنيته إذ وجد أمامه مائدة عامرة فيها من كل ما لذ وطاب في صحون ذهبية وحوريات بارعات الجمال يقدمن له ألواناً من الطعام والشراب تليق بالملوك والأمراء.
وإذ أدرك هاري أن القلعة الجديدة وما حولها من رياض وبساتين تحتاج إلى أمن فقد طلب من الشجرة أن تجسّد له جيشاً قوياً لحمايته وصيانة كنوزه الجديدة.
وعلى الفور ظهر جيش جرار وعسكّرَ قرب القلعة، وقد وقف الحراس بكامل عدتهم وعتادهم عند أبواب القصر لتوفير الحماية اللازمة.
وبعد أن استمتع بالمأدبة المترفة الباذخة راح صديقنا يتفقد صرحه الجديد. فصعد الدَرَج الرخامي الصقيل وتمشى في الحجرات المرصعة بالجواهر ذات البريق الأخاذ. أخيراً تعب ناسكنا المحظوظ من المشي فالتمس السكينة والراحة في إحدى غرف الطابق الأرضي.
وكانت النوافذ المنخفضة لتلك الغرفة تظللها الأغصان المديدة لشجرة الأماني المجيدة.
وإذ استلقى على سرير قريب من النافذة لاحظ أن الأغصان الكثيفة لشجرة الأماني قد حجبت النور عن النافذة فشعر بالوحدة وتسرب الخوف إلى قلبه. ولم يقطع حبل السكون سوى بعض الأصوات التي راح يتساءل ما إذا كانت آتية من الحديقة أو صادرة عن حيوانات الغابة الكاسرة التي تسرح وتمرح تصول وتجول خلف جدران القصر.
وإذ تعاظم قلقه اجتاحت عقله فكرة قوية فقال بينه وبين نفسه: صحيح أنه يوجد هنا جيش جبار لحمايتي، لكنني لا أرى جندياً واحداً يقف قرب هذه النافذة,والنافذة غير محمية بشبكة من القضبان الحديدية. فماذا لو تمكن أحد نمور الغابة من الدخول من النافذة؟ والحالة هذه سيفترسني وستكون النهاية بالنسبة لي.
وما أن راودته فكرة الخوف تلك حتى انقضّ نمر كاسر من النافذة فحمل الناسك المرعوب وانطلق به ليتعشاه وبئس المصير.
للأسف لم يكن هاري يدرك أن شجرة الأماني لا تميّز بين الأفكار الصالحة والشريرة. فغايتها هي تحقيق الأفكار التي تعتمل في نفوس أصحابها.
وبالفعل فقد جسّدت شجرة الأماني التصوّر الذهني القوي للناسك هاري وتلك كانت فكرته الأخيرة.
كل إنسان يعيش تحت شجرة أمانيه التي تحقق كل رغباته. تلك الشجرة هي الإرادة. فإرادة الإنسان التي هي انعكاس للإرادة الإلهية تملك في جوهرها القوة الكافية لتحقيق آمال وأماني الشخص و معظم الناس يتيهون فرحاً وفخراً إن أصابوا بعض نجاح في حياتهم دون أن يدركوا أن نجاحهم كان نتيجة جهد متواصل بذلوه إما في هذه الحياة أو في تجسدات سابقة (بالنسبة للذين يؤمنون بالعودة إلى التجسد.)
كما أن الذين يسيئون استخدام قوة الإرادة غالباً ما تصعقهم النتائج غير المتوقعة للإستعمال المغلوط لأفكارهم فمن لا يعرف كيفية التحكم بأمانيه ورغباته وأفكاره فليحمد ربه ألف مرة لأن أفكاره غير المنضبطة لا تتحقق على الفور، وإلا لتسببت الرغبات الجامحة بتجسيد تلقائي لنمور كاسرة جارحة تمزق طمأنينة النفس وتسحق عظم السعادة وتجعل واحة السلام الروحي قاعاً صفصاً وفي هذا موعظة حسنة لتركيز الفكر على الأشياء الإيجابية الطيبة أثناء الجلوس تحت أغصان شجرة الأماني التي هي ليست سوى إرادة الإنسان القوية وفكره الجبار.
وليحذر الإنسان من التركيز على، ومداومة التفكير بالخوف والفشل والمرض والجهل خوفاً من أن تبزغ هذه السلبيات كالغيلان من ظلمة المجهول وتخلق مشاكل خطيرة يصعب التعامل معها أو التحكم بها.
الأفكار السلبية لا تجلب على صاحبها سوى الضرر، فليستبدلها بالأفكار الإيجابية إن هو أراد الخير لنفسه ولغيره.
وبالله التوفيق.
*منقول
قصة رائعة المغزى وبتمنى الكل يقرأها