syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
التحدي...بقلم: وحيد كامل

اخترع الإنسان أجهزة معقدة، وآلات عملاقة ومكنات تقوم بالتصنيع الكامل لوحدها دون تدخل منه. لكنه لم يستطع أن يفك لغز روحه. ولو استطاع لتمكن من تأجيل موته سَنَةً، أو يوماً، أو ساعةً. فالأمر كله بيد الله سبحانه. وهذا تحدٍ كبير، وإعجاز قاهر لبني البشر جميعاً، بما فيهم: الأمير والغفير، والغني والفقير، والكبير والصغير.
يقول سبحانه وتعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا. (الإسراء 85)
فهل يستطيع إنسان مهما علا شأنه أن يثبت عكس هذا القول؟!
 


يزيد الله سبحانه وتعالى في التحدي، فيطلب من البشر أن يخلقوا روحاً لأي كائن حي مهما كان تافهاً، أو صغيراً، أو حقيراً؛ بنظرهم. لو اجتمع جميع البشر بكل أصنافهم، ومهما بلغوا من قوة يبقى الإنسان ضعيفاً، فهل استطاع الإنسان أن يخلق ذبابة أو بعضوضة أو أي كائن آخر؟ سبحانه وتعالى عما يصفون.
يقول جل في علاه في سورة الحج: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ
الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73).


كم هو أحمق الإنسان عندما يعرف أصله، وكيف نشأ، ومن أين خرج، ثم يتحول إلى خصم وعدوٍ؛ لخالقه المنعم عليه. ويزيد الإنسان في غروره وكبريائه، وينسى، أو بغباء يتناسى كيف كان ضعيفاً، ويذكر لحظة قوته فقط، فيتخذ من نفسه خصماً لله سبحانه. ويدعي أن عظامه لن تُجمع ولن يعود حياً بعد موته.


قال سبحانه وتعالى في سورة (يس) : {أَوَلَمْ يَرَ الإنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ(77)وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ(78)قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ(79)
مذهل تحدي الله للإنسان. وغبية ردة فعل بعض الناس تجاه هذا التحدي الصارخ القاهر.


كثير من الناس يشكُّون أو يشككون في أنهم سيعودون أحياء بعد موتهم. فلا تقبل عقولهم أنهم كانوا تراباً وسيعودون تراباً وسيبعثون من جديد. وسيحاسبون.
يقول سبحانه وتعالى في سورة الحج: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (5)


وهذا التحدي الآخر؛ فمهما بلغ الإنسان من القوة والغنى والجاه هل يستطيع أن يبعد شبح الموت عن نفسه؟ فهل هناك إنسان عمره خمسمائة سنة يبرهن عكس هذا القول؟ ما كان. ولن يكون.
في سورة (النساء) يقول جل في علاه: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ. 78


وعن بعض قوته، يخبرنا سبحانه وتعالى فيقول لمن يسأل عن مصير الجبال الراسيات يوم القيامة، وعن مصير من كان في حياته يصرخ أو يزأر أو ينبح؛ فيومها تُنسَف الجبال نسفاً، وتخشع جميع الأصوات للرحمن فلا تسمع منهم إلا الهمس.
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّي نَسْفاً فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً لاّ تَرَىَ فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً يَوْمَئِذٍ يَتّبِعُونَ الدّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرّحْمَنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً} [سورة طه:105-108].


لكن الإنسان المغرور لم يعطِ الله حقه، ولم يقدره حق قدره، وهو القوي العظيم. فإن القوة التي يتحدث بها الله سبحانه عن نفسه لا يمكن أن يدعيها إلا من هو واثق كل الثقة منها، وأكثر.
قال سبحانه وهو أصدق القائلين: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سورة الزمر:67]

ولا يزال الإنسان ينكر، ويجحد، ويتمرد.
 

2017-08-24
التعليقات