تتالى في تاريخ إسرائيل صهاينة كثُر، واصطدمنا في الأمم المتحدة كدبلوماسيين خلال النقاشات العامة في الّلجان مع صهاينة كثُر .. لم نخْبَر أي منهم إلا بمنتهى الوقاحة والصفاقة والكذب والافتراء وتزوير التاريخ..

كنتُ أعتقد أنهم وحدهم الوقحون، ولكن ما يُعرف برئيس أقوى دولة في العالم المدعو دونالد ترامب أكّد من عظمة لسانه أنه أوقح من أوقح صهيوني في التاريخ منذ تأسست الحركة الصهيونية العالمية. وما اعترافهِ بمدينة القدس كعاصمة " لدولة إسرائيل" يوم 6/ كانون أول 2017 ، أي بعد مائة عام على وعد بلفور المشؤوم، الذي أعطى من لا يملك إلى من لا يستحق، ما هو إلا تجسيدا لعقيدته الصهيونية القابعة في أعماقه، حتى لو إدّعى أنه ليس يهوديا. فيكفي أن صهرهِ جاريد كوشنير يهودي الديانة وصهيوني العقيدة، وأن زوجته إيفانكا (واسمها اليهودي ياعيل) ابنة الرئيس ترامب قد حوّلت ديانتها المسيحية إلى اليهودية واعتنقت أفكار زوجها الصهيونية، بل هي أكثر تعصبا من أي حاخام يهودي كما يُروى عنها. وهذا ما تجلّى واضحا خلال زيارتها إلى ما يُعرف بحائط المبكى حينما ارتدتْ القبّعة اليهودية وبكَتْ، لدى زيارة إسرائيل رفقة والدها وزوجها في أيار 2017 . وهؤلاء هم من يرسمون الخطط ويقررون في البيت الأبيض كل ما يتعلق بإسرائيل، والجميع يعرف أن الرئيس ترامب قد سلّم ملف إسرائيل إلى صهرهِ كوشنر وهو مُعجبٌ جدا به، وما قرار ترامب حول القدس عاصمة لإسرائيل سوى استجابة لرغبة صهره كوشنير.
 

يخرج بعد ذلك الصهيوني نتنياهو ليكذب ويزور التاريخ ويقول أن القدس عاصمتهم منذ ثلاثة آلاف سنة. وكما كل الصهاينة فهو ينكر وبكل صفاقة وجود شعب اسمه شعب فلسطين في التاريخ .. يُزوِّر التاريخ كما يشاء ، ويُفسِّره كما يشاء وينكر حق الفلسطينيين في وجود دولة لهم يعيشون بها بحرية وكرامة ويحملون هويتها، وينكر وجود احتلال ويختصر كل ذلك بالنزاع حول أراضٍ فقط ، وأنه لا يوجد احتلال إسرائيلي، وأن أقصى ما يمكن أن يعطوه للفلسطيني هو حكم ذاتي بصلاحيات أوسع، ولكن لا مكانة لديه لدولة فلسطينية.. ويعتبر كل من يرفع الصوت بوجه الاحتلال ويقاوم هذا الاحتلال هو "إرهابي"..

لقد نسي أو تناسى أن "اليهودية " ليستْ قومية وإنما هي دِينٌ انتشر كما أي دين آخر واعتنقتهُ شرائح من شعوب متعددة لا رابط قومي بينها، كما هو الحال مع الإسلام ومع المسيحية .. وتناسى أن الصهيونية العالمية التي خرجتْ من رحمها ــ إسرائيل ـــ كان كل قادَتِها وناشطيها من يهودٍ شتّى، الجامع بينهم هو العقيدة الدينية فقط بعد أن حوّلوا الديانة اليهودية إلى تنظيم عنصري وحركة عنصرية متطرفة ذات أطماع استعمارية وضعتْ نُصبَ عينيها إقامة دولة صهيونية (إسرائيلية)، في أي مكان، وكان المطروح في البداية عدة مناطق بالعالم ليس بينها فلسطين، ثم تم الاستقرار أخيرا على فلسطين..

لن ندخل في التفاصيل فهذه حولها مجلدات ضخمة، ولكن كافة يهود إسرائيل اليوم تقريبا هم من أصول تعود لشعوب مملكة الخزر (خزاريا )..( وذلك نسبة لبحر قزوين الذي كان يُدعى في العصور الوسطى بحر الخزر)، وهي شعوب تتارية قديمة ظهرتْ في شمال القوقاز واستقرّت في منطقة الفولغا السفلى وظهرت كقوة في القرن السابع الميلادي فامتدـتْ امبراطوريتهم بين القرنين الثامن والعاشر من السواحل الشمالية للبحر الأسود وبحر قزوين إلى الأورال، وغربا باتجاه " كييف " وكانت عاصمتهم تدعى " إتيل" وكانت مركزا تجاريا هاما. وقد غزا الخزر بلغار الفولغا والقرم ، وتحاربوا مع العرب والفرس والأرمن.. وتعاونوا مع البيزنطيين ضد العرب.. وفي بدايات القرن الثامن (720م) فَرَضَ ملك الخزر " بولان " الديانة اليهودية على مملكته بعد أن كانوا وثنيين ، وحينما انهارت مملكتهم على يد سفياتوسلاف (أمير كييف) عام 965، تفرّق هؤلاء في شتّى أرجاء أوروبا وهم يعتنقون الديانة اليهودية..

وإن عائلة روتشلد ، وهي أكبر وأقدم عائلة يهودية تعود في جذورها إلى يهود الخزر.. ولا يخفى على باحثٍ الدور الذي لعبته مجموعة روتشيلد البنكية في تمويل الحربين العالميتين، وتمويل ألمانيا النازية، "ومحرقة" اليهود إبان الحرب العالمية الثانية، ومسئوليتها في إحداث أكبر أزمات العالم الإقتصادية والسياسية كونها تهيمن على 80% من ثروات العالم، عدا عن الإعلام والتعليم وهذه العائلة هي من أخذت وعد بلفور الذي مضى عليه100 عام، كمكافئة لها في إنقاذ بريطانيا من الحرب العالمية الأولى..

وكما جاء في موقع الدكتور صالح حسين القرب، فإن يهود اليوم ليسوا إسرائيليين ولا علاقة لهم بالسامية ولا تربطهم بـ ( يعقوب ) أو(إسرائيل) أية علاقة قومية أو عرقية.. وكل أحاديثهم في هذا الإطار ليست سوى دعايات صهيونية كاذبة روّجتها الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية كما صهيونية ترامب، ولا تصمد أمام حقائق البحث العلمي ..

وحتى الكاتب اليهودي الصهيوني ــ آرثر كوستلر ــ في كتابه المُسمّى ــ القبيلة الثالثة عشرة ــ فقد أرجعَ يهود أوروبا الشرقية (الأشكنازيم) إلى شعب الخزر الذين لا يمتّون بصلة لليهود القدماء.. وأما اليهود الذين عاشوا في فلسطين إبان الاحتلال العثماني فقد انحدروا عن اليهود ــ السفارديم ــ الذين كانوا يقيمون في إسبانيا وجاءوا مع العرب (الذين رعوهم وحموهم) من الإضطهاد الكنسي ، بعد سقوط الدولة العربية في الأندلس عام 1492..

وأما معظم اليهود الذين عاشوا في البُلدان العربية فأصولهم تعود إمّا إلى العرب ، وإما إلى بربر شمال أفريقيا الذين تحوّل بعضهم إلى اليهودية .. وهكذا فإن أي يهودي من يهود اليوم لا يمكن أن ينتمي إلى أي جنس من أجناس العبرانيين التوراتيين الذين عاشوا في فلسطين زمن التوراة ثم اختفوا من فلسطين طيلة 18 قرنا مضَتْ، لاسيما أن اليهود الأصليين الذين ينتمون للقبائل الإسرائيلية الإثني عشر في التاريخ القديم ، قد ضاعتْ آثارهم..

يقول (رافائيل باتاي) ، اليهودي ومدير معهد ــ هرتزل ــ سابقا في نيويورك ، " إن ما وصلَ إليه علم الإنثروبولوجيا ، يُبيِّنُ أنه لا يوجدُ عنصر يهودي ولا يوجد عِرقٌ يهودي " ...

ويؤكد عالِم الأجناس اليهودي (فريديريك هيرست) أن يهود اليوم ليسوا شعبا واحدا ذا بنية واحدة متجانسة المصالح وليسوا ذوي مصير واحد.. ويقول (مولي) ـــ في كتابه أجناس أوروبا ـــ " إن تسعة أعشار يهود العالم يختلفون عن سلالة أجدادهم اختلافا واسعا ليس له نظيرا، وأن الزعم أن اليهود جنس نقي هو حديث خرافة "" ..

في المؤتمر السنوي الذي عُقِد لعلماء الأجناس البشرية عام 1933 في الولايات المتحدة الأمريكية حاول بعض اليهود أن يقرر في المؤتمر (وحدة نقاء الجنس اليهودي) ولكن المؤتمر رفض ذلك وقرر أنه لا يوجد في العالم جنس يهودي وإنما ديانة يهودية فقط .

ويقول أستاذ علم الأنتروبولوجيا في جامعة جنيف (يوجين بيتار) : " إن جميع اليهود بعيدون عن الانتماء إلى الجنس السامي".. ويقول البروفسور اليهودي (ه. غراتيز) المنحدر من يهود الخَزَر في كتابه " تاريخ الخزر"، المنشور عام 1894 ، في الولايات المتحدة ، إن الأوروبيين الغربيين كانوا يجهلون تماما أن الخزر قد تحولوا عن وثنيتهم ليُسمُّوا أنفسهم يهودا.

وقد أجمع علماء الانتروبولوجيا على أن يهود عصر التوراة هم مجموعة سامية من سلالة البحر الأبيض المتوسط المعروفة بصِفاتها السمراء وتوسط القامة ، وإذا ما قارنّا هذه الصفات بيهود اليوم المعاصرين فلا نجد مجتمعا يهوديا واحدا يتمتع بهذه الصفات، ولعلّ " السامريين" الموجودين الآن في قمة جبل " جرزيم" في مدينة نابلس بشمال الضفة الغربية هم المجموعة الوحيدة التي تنتمي لبني إسرائيل (كما يقول بعض الباحثين)، وقد حافظت إلى حد كبير على نقاوتها وذلك بسبب عزلتها عن غيرها من اليهود وتزاوجهم مع بعضهم مما يدفعهم إلى الانقراض، ويقدر عددهم اليوم بثمانمائة شخص، وهؤلاء تتناقض ديانتهم بشكل كبير مع الديانة اليهودية، ويدّعون أنهم يمتلكون أقدم توراة بالعالم.

وفي عام 1966 قام الانتربولوجي البريطاني (جيمس فنتون) بدراسة على يهود إسرائيل وأكّد فيها أن 95% من يهود اليوم ليسوا من بني إسرائيل وإنما هم أجانب متحولون لليهودية أو مختلطون.. أي أن اليهود ينتمون لدماء مختلفة وإن محاولات الصهيونية تصويرهم شعبا وأمة واحدة وجنسا واحدا إنما هذا لا يصمد أمام حقائق التاريخ..

وحتى عالِم الآثار اليهودي (زائيف هرتسوغ) ، الأستاذ في جامعة تل أبيب قدّم دراسة بعنوان (الحقائق الأثرية تدحض الادعاءات التوراتية حول تاريخ شعب إسرائيل ) ونشرتها صحيفة هاآرتس في 29 /10 /1999 ، وعبّر فيها عن إحباطه من الفجوة بين الحقائق التي اكتشفوها على الأرض وبين حكايات العهد القديم.. وأكّدت هذه الدراسة كذب المزاعم اليهودية التوراتية التي يعتمدونها كمصدر تاريخي وجغرافي.

حتى عالِم الآثار اليهودي (إسرائيل فلنكشتاين) من جامعة تل أبيب نشر دراسة عام 2000 في صحيفة (جيروزاليم ريبورت) تؤكّد أن علماء الآثار اليهود لم يعثروا على شواهد تاريخية أو أثرية تدعم بعض قصص التاريخ اليهودي في فلسطين.

لقد قرأنا في التاريخ كيف تعرّضت مملكتا يهوذا وإسرائيل إلى هجمات البابليين في القرن السادس قبل الميلاد، وهذه أدّتْ إلى تدمير مُلك اليهود في فلسطين وسبي غالبية اليهود إلى بابل. وقد عاد كل الراغبون منهم بعد أن تزوّجت اليهودية (أستير) من الملك الفارسي قورش (558- 530 ق.م). وكان لها تأثير كبير عليه، حيث أصدر أمرا يمنح اليهود حق العودة إلى فلسطين. وبعد ذلك قام اليهود باضطهاد الفُرس وقَتلِ عشرات الألوف منهم، مما دفع الكثيرون بينهم لاعتناق اليهودية هرَبا من البطش والقتل اليهودي. وحتى في بداية انتشار المسيحية في أوروبا فقد دخل كثير من الرومان وغيرهم من أتباع الإمبراطورية الرومانية في الديانة اليهودية..

وهكذا رغم كل حقائق التاريخ يقوم الصهاينة بتزوير حقائق التاريخ ويدّعون أنه لا يوجد شعب فلسطيني، بينما حقيقة الأمر أنه

لا يوجد شعب يهودي، وليس لليهود أي حق في فلسطين. وبعد احتلال القدس الشرقية عام 1967 قاموا بأعمل حفر واسعة لإكتشاف أي أثرٍ لليهود ولكنهم فشلوا في ذلك وكل ما اكتشفوه كانت آثارا كنعانية .. يعني فلسطين عربية وليست يهودية.

إن هذه الثقافة الصهيونية وما فعلهُ ترامب يوم 6/12/2017 باعترافه بمدينة القدس، زورا وبهتانا، عاصمة لإسرائيل، متحديا العالم كله والقرارات الأممية، لا تترك مجالا للشك أنه ليس أمام شعب فلسطين لنيل حقوقهم سوى النضال والنضال والنضال، بكافة الطرق، ومنها الحجر والسكين والبندقية، وكلها طرقٌ مشروعة في القانون الدولي حينما تتعرض أرضك ووطنك للاحتلال ورحِم الله الزعيم العربي الكبير جمال عبد الناصر : فما أخِذ بالقوة لا يُستردُّ بغير القوة، وقد جرّبوا التوسُّل منذ اتفاقات أوسلو قبل ربع قرن ولم يحصلوا على قشرة بصلة، بل كلما كانوا يتنازلون أكثر كان الإسرائيلي يتعنت أكثر.