على رصيف المنطق يمشي بجنون .. في زحمة الناس يفتش عن نفسه
تجلده الأمطار لا لشيء إلا لأنه يعشقها .. في غفلة من التفكير تدهشه وردة حمراء
يقترب نحوها بهدوء ..و يفكر كيف يقطفها ..يقترب أكثر
يمد يده بسرعة فتصطدم بالزجاج ..هكذا انكسرت أحلامه
و هو الذي عاش عمره يحلم بوردة بلا أشواك
في لحظة ذهول يحلم بالبكاء ..ماذا لو توحدت دموعه مع أمطار السماء
يود لو يصرخ .. لكن كيف و العيون تحيط به من جميع الجهات
ثم هل ستسمع صراخه و إن سمعت ماذا ستفعل ؟؟
سؤال يؤلمه دائماً لكن من إجاباته أن هناك من يستطيع أن يرجعه إلى الحياة
(( نحن لا نشعر بالموت إلا عندما نكون أحياء ))
سنين من الضلال تخترقها لحظات يقين .. لأنه يعشق بأسلوب مختلف
و لأن الحب عنده حياة ... يمشي ساعات و ساعات
عيناه لا تبصران, و وجهته الهروب , فيمشي طرقات للذكريات
و يحلم بروح يسكنها لحظات
يحاور نفسه فقد تعب من الأكاذيب .. يحتال على نفسه و يوهمها
بفرح قريب ... صعب على المرء أن يعيش بلا أمل
تلك الكلمات التي لطالما مزقته
صعب على المرء أن يعيش في ظلام من الأحزان
تلك الكلمات التي لونته بألوان السواد
في عينيه المتعبتين بريق خافت ., و وجهه الشاحب مازال
يحدق به العابرون , و معطفه الأسود تعب من ثقل أحزانه
و خطواته المترددة تاهت في طرق الضياع
حتى وحدته ملت من صحبته و القدر ما يزال يعانده
يحب الحديث في زمن انعدم فيه البشر
وبخلت الأرض إلا بقليل من بقايا بشر
لأن وجهته دائماً المجهول و لأنه يحلم بلحظات من الأمان
تراوده قصص كثيرة جميعها تتحدث عن الحرمان
بائعة الكبريت ماتت و المدفئة في خيالها حنونة فيها النيران
و في لحظات يأس يشعل سيجارة عمره
ليراقب دخان أحلامه و هي تتبعثر في الهواء
سحب من الدخان و مطر أسود و رائحة شتاء
صورة داكنة تحتلها كل ألوان السواد
صورة داكنة يمزقها طيف ملائكي بلونه الأحمر
ثم مساحات واسعة أكبر من كل السماء
هكذا عيناها عندما يذكرهم , نار في سماء سوداء
و هداية لمركب ضاع في البحر و بقي رجاؤه بالسماء
((نحن نستطيع أن نقاوم اللون الأسود مهما حل الظلام ))
هنا يكتمل طيفها و تبدأ مأساة الشوق و هنا يخرج من هذا العالم
يطير إليها مع الرياح الآتية لكنه يصطدم في جدار الواقع
فيقع على الأرض مرة أخرى و قلبه حطام
مشرد يستلقي على الرصيف , في قلبه سكون تخترقه أصوات السيارات المسرعة
يراقب المطر و هو يغسل الأرض , علَ المطر يغسل قلبه
علَ المطر يغسل حزنه , عل السماء تنجد روحه
هناك على الطرف المقابل من الرصيف , فتاة تخترق بوجهها ظلام المساء
تمشي على الرصيف ببطء فيخفق قلبه بسرعة
بضحكة خجولة و نظرة سريعة تشعل في قلبه مصابيح من شموس
لقاء غريب في ظروف مستحيلة , لقاء سيغير عمره و ربما قدره
صدفة ستحمل له السعادة التي لطالما اشتاقها
( مشكلة البشر أنهم لا يستعدون للقاء أقدارهم )
ما زال حتى اللحظة يسمع صوت خطواتها و هو الذي مضى عليه زمن
لا يسمع فيه إلا بكاء قلبه
هكذا عبرت طريقها أمامه لتحمله إلى طريق جديد , هكذا اختفت
لتظهر أمامه شعلة الضوء التي أضاءت ظلاماً لسنوات
في صمت مطبق يوقظه صوت رحيلها , فيعود إلى مكانه , يعود إلى حزنه
يعود مرة أخرى إلى الشتاء
انتهت الحرب و ها هو يعلن هزيمته , و لو أول مرة يستعين باللون الأبيض
ليعلن الاستسلام , أهو حقاً الاستسلام أم هو اعتراف بفشل يأمل بنجاح يتبعه
(( يقولون كلما فشلت أكثر كلما اقتربت من النجاح ))
ثم من أين جاء بالراية البيضاء و هو الذي لا يبصر إلا السواد
هل غزل رايته من خيوط شمسها ليستعين بالصنارة المغروسة في قلبه
و يصنع راية يحملها من جديد
تلك كانت أسئلة لم يدري إجابتها وهو كان حتى اللحظة لا يعلم أن قدره لن يجيب
بلحظة قوة في زمن الضعف يستجمع أشلاؤه و ينهض من جديد
و لأول مرة يدري أين وجهته , فهو هذه المرة سيستنجد بصديق
يدخل غرفته بسرعة , ثم يغلق الباب أمام الأحزان ,
يفتح نافذة الأمل , و يحدق بالقمر الذي ما يزال يراها
لحظات قليلة يستجمع صورتها , يخاف أن ينسى شكلها , صورة وجها
سحر ضحكتها , فيقرر أن يرسمها , يقرر أن يخلدها , حتى تظل عنده إن لم يصادفها من جديد
يفتح دفتره المغبر بكثير من الأحزان , فيسرع لكي يقلب صفحة جديدة
صفحة بيضاء تشبه وجهها ,
غريب أمر اللون الأبيض و هو الذي اعتاد أن يكتب على صفحات بيضاء
لأول مرة يقف عاجزاً أمام سحر اللون الأبيض
أهي الورقة تربكه عند الكتابة و هو الذي أمضى سنوات يقهرها
أم أن هذه الورقة تملك من السحر شيئاً كبيراً , لا لشيء إلا لأنها
ستحمل صورتها بعد قليل ,
شعور محزن أن ترتبك أمام ورقة و أنت الذي لطالما صنعت من الحروف رصاص
بيديه المرتجفتين يقرر أن يكتب الحرف الأول عنها
آلاف الأفكار تراوده و هو ما يزال يسأل نفسه بأي كلمة أبدء
يستجمع أفكاره ليبحث عن عنوان جديد , تطارده عناوين تاريخه و هو الذي يأمل
أن يكتب التاريخ بشكل جديد
هكذا مضت الساعة الأولى معها و هو في غرفته وحيداً
يمسك القلم بيده و طيفها يمنعه من كتابة أي حرف جديد
لأول مرة يشعر أنه عاجز عن الكتابة , تخذله الكلمات التي لطالما أمضى عمره في صداقتها
يحاول من جديد عل حرفاً يسعفه , فيجول خياله بعيداً , يفكر أين هي
و ما هو اسمها , ثم يستجمع اللقاء ببطء شديد
كان كمن يشاهد شريط فيديو ببطء ثم يكرره و يتمعن به أكثر
كان يعيد تلك اللحظات السريعة ببطء شديد ,
في كل مرة كان يشاهد الفيلم مختلف , فيعيد الفيلم إلى البداية ليوجه الكاميرا
نحو وجهها فقط مع أنه بعيد كل البعد عن عالم التصوير
ساعات مضت و هو يحاول أن يستحضرها و لكن لا كلمة تجيب
يراوده الحزن من جديد , ثم يعلن استسلامه مرة أخرى
استسلام أمام الكلمات التي لطالما كانت بندقيته
((الكلمات كالبشر أحياناً تخون صاحبها ))
يمسك دفتره القديم قدم آلامه , يقلبه بسرعة عله يجد في تاريخه شيئاً يساعده
لكنه لا يبصر إلا اللون الأسود و كأن دفتره تاريخ لا يخلد إلا الأحزان
يطبق الدفتر بقوة و يقرر ألا يكتب , تراوده أفكار غريبة
ثم يبدأ يبرر الهزيمة ,(( يجب أن لا تشاركني الحروف ملاكي ))
تلك كانت جملته الأخيرة ليعلن بها خسارة حربه مع الكلمات
يرجع الدفتر إلى مكانه ثم يستلقي على سريره عله يحلم بها
و يترك للقدر مهمة الكتابة على دفتر لا أحد يراه
** ** ** ** ** ** ** ** **
روعة ...يعطيك العافية .. تفاصيل دقيقة تصف الحالة بفن راقي جميل جدا
كلمات رائعة ورقيقة ......وتزكر دائما انك انت من تستطيع تغير اوراقك السوداء الى بيضاء والزمن كفيل بذلك ... ارجو لك دوام الصحة والحب....... شكرا لمساهمتك اللطيفة... مودتي