منذ طفولتي و أنا أسمع كلمة _دعم_ و كثيراً ما كان يصادفني أثناء وقوفي في الدور أمام الفرن أن يأتي أحدهم ليأخذ خبزه قبل الآخرين الذين مضى على وقوفهم في الصف أكثر من ساعة، و كان الواقفون يدعوه يمر قائلين :
إنه _"مدعوم_
وحين كنتُ أصغي لأحاديث الكبار كانت تلك الكلمة تطرق مسمعي باستمرار حين يذكر اسم ابن مسؤول لم يقف بسيارته لدورية شرطة اعترضته، أو في الحديث عن شخص أكل حقوق الناس ..... فكانت كلمة مدعوم هي المخرج من تلك المصائب و هي التي تجعل حاملها أعلى من القانون و أرفع من أن تناله المساءلة.
كنت أنظر بغبطة إلى هؤلاء المدعومين وكأنهم مخلوقات مدعومة آتية من كوكب بعيد وأني مهما تقدم بي الزمن فلن أكون أبداً منهم...
ودار الزمان دورته ، و سقط جدار برلين و تبعته أبراج نيويورك و لم أزل مخلوقاً عادياً _غير مدعوم_ حتى من زوجتي و أولادي إلى أن أفقت يوماً على هتاف جارتنا أم حسن التي أخذت تردد كلاماً كبيراً لمسؤول أكبر:
إن الفقراء سينالون حقوقهم من المازوت.. الله أكبر!!
سألتها ماذا فهمتِ من ذلك؟ قالت :لا شيء، لكننا سنأخذ المازوت بسعر أرخص!
كنتُ أشدَّ فرحاً من أم حسن رغم معرفتي أن المازوت حتى المدعوم منه قد زاد ثمنه،
ما أفرحني هو التميّز، سأكون متميّزاً عن الآخرين، سأحظى بشيء طالما حلمت بامتلاكه
ألا و هو_ الدعم_"، إني و منذ اللحظة في عداد المدعومين!!!
حين ذهبت إلى الفرن لم أقف في الصف وحاولت أخذ الخبز قبل الآخرين بحجة أني أصبحت مدعوماً، إلا أنّ الواقفين اعترضوا طريقي وقالوا لي إنهم مثلي "مدعومون"
لم أكترث بما قالوا فأنا شخص مدعوم!!
لم أجرّب عدم الوقوف لدورية الشرطة فأنا لا أمتلك سيارة أصلاً ، وأشرس الدوريات لا تكترث لمروري، لا بأس ، لكنني مدعوم...
كنت سعيداً جداً حتى أنني لم أقرأ تفاصيل الخبر لأعلم إن كنت من مستحقي الدعم أو لا ما كنت واثقاً منه أني واحد من الشريحة الأكثر فقراً على وجه المعمورة ! فإن كنت لا أستحقّ الدعم فمن إذاً!!
براميل أحلامي تحطمت على طاولة الموظف الذي ـ بعد انتظار دام نصف يوم ـ قال لي بقرف:
أنتَ لستَ أرمله!
لا يا سيدي.
لستَ مطلقّة تعين أسرتها!
لا يا سيدي.
لست كذا و لست كذا!!! لا يا سيدي،
و لكنني موظف شريف أعمل طيلة النهار لأطعم أولادي و أمهم التي لا تعمل...
قاطعني قائلاً: أنت يا "عيني" مواطن غني، دع الدعم لغيرك..
حزنت كثيراً لخروجي من دائرة الدعم لكني فرحت أكثر لدخولي دائرة الأغنياء
إني منذ اليوم و بشهادة وزارة العمل في صفوف الأغنياء!!
شعور الغنى هذا لم يدم طويلاً ، إذ تلاشى بسرعة حين مددت يدي في جيبي أفتّش
عن منديل أجفف به دموع فرحي ، فاعترضتها آخر مائة ليره كانت لا تزال تصارع
الموت قبل آخر الشهر...
أيقنت حينها أن من لم يولد مدعوماً ،ظلّ كذلك طوال حياته...
لقد ولت أيام الدعم, وبات المال وحده من يتكلم... لذا أهنئك من كل قلبي على تحولك القسري من الدعم إلى الغنى...
والله كلامك درر يا دكتور، ننتظر المزيد
الهم اجعلنا من المدعومين
أهم شي إنّك داخل بالتصنيف ضمن أحسن فئتين ، إما غني أو مدعوم،،،، شو بدنا أحسن من هيك . لسا الخير لقدام، بكره نصير خارج التصنيف
ولله كلامك محلو يا دكتور