syria.jpg
مساهمات القراء
فشة خلق
رحلة ابن بطوطة... بقلم : الحائر الشارد

قرأت أحرف أسفاره ، واطلعت على كلمات ترحاله ، فتكحلت عيناي بمتعة بريق حياته ، أغلقت دفتي كتابي   وتربعت عرش فراشي


ونمت تلك الليلة وأحلامي تلاحق أشرعة سفنه ، وتعانق موكب إبله

 استيقظت  وخيالي مازال طليقاً في فضاء أحلامي ، يبتسم لأمجاد حضارتنا ، ويفتخر بمعجزات أجدادنا ، وكما يقال في الحلبية ( راحت السكرة وإجت الفكرة ) بدأت حياة اليقظة  و تصحبها حياة البؤس والشقاء ، حملت ورقة معاملتي وحيدة فريدة لا شقيق لها ولا شقيقة ، وحزمت أمتعتي وجهزت راحلتي وودعت أهلي وأصدقائي ، وأبحرت سفينة معاملتي كسفينة ابن بطوطة في بحر الدوائر الرسمية ، وما إن تحط رحلها في شاطئ دائرة حتى تسافر إلى أختها ، وهكذا مضت قافلة المعاملة تطوي كتاب الدهر شهراً تلو شهر وسنة تلو سنة ، ربما يتوارث الأحفاد معاملة الآباء .

 

وكبرت هذه المعاملة وتزوجت معاملة معقدة مثلها تقاربها في عمرها ، وتماثلها في كثرة أسفارها ، وهكذا أصبح لهذه المعاملة عائلة كبيرة من الورق ، وعشيرة من الأختام ، وقبيلة من التواقيع ، سبحان الله والبقاء لله فقد هرمت وشاخت واشتعل رأسها شيباً ، وشعرت بدنو أجلها فأوصت أن تدفن في أكبر مستودع وأوسع مخزن تكريماً لحياتها المديدة وأعوامها العديدة ، فهذا أدنى تكريم لها بعدما أحيلت على التقاعد .

 

انتهت رحلة المعاملة واندثرت أحداثها ، وحق لها أن تسطر في قاموس الرحالة ومعجم المستكشفين ، و للأمانة العلمية لا يخفى أثر هذه الرحلة على حياتنا فأذكر على سبيل المثال لا الحصر ، أن أول درس نتلقاه من هذه الرحلة الميمونة  (الصبر ) فحينما يقف المراجعون في طابور امتداده أطول من نهر النيل ، ويتسامر

الواقفون بحكايا عدد فصولها تفوق عدد حلقات أي مسلسل تركي ، وتمل الأرض من مكث نعالهم ، ومع كل ذلك نجد الصبر تتفجر منابعه من كل جوانبهم ، أليست هذه الرحلة إبحاراً في معين الصبر ، ولا يخفى عن ناظر قيمة هذه الرحلة في تربية النفوس على مكارم الأخلاق ، وإلا بماذا نفسر سعة أخلاق المراجع أمام غطرسة موظف حاصل على دبلوم في الصف السادس بعدما أنهى السنة الرابعة للصف الخامس .

 

وآخر ما نتعلمه من تلك الرحلة  ( الكرم ) ترى نفسك تجود من دراهمها وتغدق بدنانيرها على موظف عفيف بلغت عفته مبلغاً أن رفعت شعارها ادفع بالتي هي أحسن ، فما  أجمل أن تروض نفوسنا على الكرم والجود ، أليس رحلتنا هذه أنفع وأكمل من رحلة ابن بطوطة ، ولو علم ابن بطوطة برحلتنا لهجر سفنه ونحر خيوله ، وضحى بجماله قبل يوم ضحاها  وحمل معاملة مثلنا وجال فيها بين تلك الدوائر يستكشف منها نفائس الأخلاق   ويروض النفوس على المكارم ، فأكرم بها من رحلة وأعظم .

وقبل الختام لو أتقن كل واحد عمله ، وأشعل في قلبه مصباح ضميره ، وانساق وراء إنسانيته لما كان هناك رحلة مثل رحلة ابن بطوطة .

 

ما أريد قوله أن الغرب تحكمه قوانينه لا تدينه ، و مع ذلك لا نرى أمثال تلك الرحلات عندهم ، و نحن مهد للديانات و ندعي تمثلنا بالديانات و مع ذلك نرى كل شخص يعزف على قانون يرتضيه و على وتر شرعة تهواها نفسه .

لأن تديننا عادة لا عن فكر وعن  عبادة ، فالدين بلا شك أخلاق و إنسانية و قيم . و أنا لا أحمد الغرب إلا بمواطن يجب أن يحمد فيه من تقدمه و تطوره ، لا من أخلاقياته أو سلوكياته المنحرفة

2011-01-29
التعليقات
جهينة
2011-01-30 20:07:39
مساهمة ظريفة
وان كانت ارضنا مهد الاديان هذا لايعني انهم بدون دين وخلق ولكننا لانمتلك ضمائرهم وهم لايمتلكون الفساد الذي نمتلكه في معاملاتنا

الولايات المتحدة
محروق قلبو
2011-01-29 09:42:42
كلمتين عن الرشوة
يقول رسولنا الكريم عليه افضل الصلاة واتم التسليم: لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما. فلماذا لعن مقدم الرشوة قبل قابضها ولماذا نصر ان الحق على الموظف المرتشي وليس على سيل المراجعين الراضخين للواقع. بل وتجد بعضهم مبادرا للدفع من باب توفير الوقت او الفقز عن الدور او تمرير مالايجب ان يمر. اعلم يا اخي ان من يرضخ ويدفع تتيسر اموره بالحرام ومن لايدفع ييسر الله له. الحل بسيط لاتقول ماحدا بيرد اشتكي واعمل اللي عليك ولاتقول خليها على غيري

سوريا