تقوم (وزارة البيئة) مشكورة بحملة شعبية لترسيخ مفهوم النظافة في أذهان الناس, هذا المفهوم الاستراتيجي الذي يتجاوز المفهومات الآنية المؤقتة.
التي تدعو إلى أسبوع للنظافة يشترك فيه الطلاب وغيرهم من الشباب والشبيبة بشكل مسرحي يقوم فيه شباب وفتيات بلملمة الأوراق وغيرها من الشوارع, لا تلبث بعدها أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه وربما أسوأ.
كما حدث –سابقاً- في أسبوع ما يسمونه تنظيم المرور, حيث كنا نرى مجموعات من الصبية الصغار يقفون قرب شارات المرور بجانب الشرطة أمام سيارات أشبه بالدبابات تعبر على كل الألوان, وتسير في كل الاتجاهات. وهنا تختنق (الصافرة) ولا مَنْ يسمع أو يرى لأنها (مفيمة) وما بداخلها لا يُرى, رحم الله من قال:
- ذهب الرجال المقتدى بفعالهم
والمنكرون لكل أمر منكر
- وبقيت في خَلْفٍ يزيّن بعضهم
بعضاً ليدفع مُعور عن مُعْور
صدر في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) كتاب تراثي بعنوان: (نهاية الرتبة في طلب الحسبة) ألفه (عبد الرحمن بن نصر الشيزري). وهو أول كتاب يروي بتفصيل يثير الدهشة صور الحياة اليومية للمجتمع العربي في ذلك العصر, وكيف كان (المحتسب) مخولاً – ضمن صلاحياته- في رعاية كل ما يتعلق بالنظافة قبل أن نعرف بدعة ما يسمى بأسابيع النظافة وقبل أن تظهر البلديات ومؤسسات مكافحة التلوث وما تبعها من وزارات للبيئة أو ما شابه.
كان (المحتسب) مسؤولاً عن النظافة, وكان له أعوان يدعون (بالعرفاء), فكان يتفقد نظافة الشوارع إضافة لمراقبة الأسواق وكشف أنواع الغش والتدليس لأصحاب الحرف والصناعات في مبيعاتهم ومعاملاتهم. وكانت وظيفته تطابق في أيامنا هذه موظف التموين وشرطي البلدية مجتمعين معاً. وإذا كان كتاب الشيزري هو الأول في معالجة موضوع (النظافة), لكنه لم يكن الوحيد في التراث العربي. فقد صدرت قبله كتب تضمنت إشارات إلى هذا الموضوع, ومن بين الذين كتبوا في ذلك الماوردي في كتابه: (الأحكام السلطانية) المتوفى سنة (450هـ -1058م), والإمام الغزالي في كتابه: (إحياء علوم الدين) المتوفى سنة (505هـ).
أما الذين خلفوا الشيزري أمثال (ابن الأخوة) و (ابن بسام) وغيرهما فقد نقلوا معظم ما كتبوه من مؤلف الشيزري. قال الشيزري في موضوع النظافة: (وينبغي للمحتسب أن يكون مواظباً على سنن رسول الله من قصّ الشارب, ونتف الإبط, وتقليم الأظافر, ونظافة الثياب وتقصيرها والتعطر بالمسك ونحوه. وقد حكى أن رجلاً حضر عند السلطان (محمود بن سبكتكين) الذي أسس الدولة الغزنوية بأفغانستان سنة (389هـ-999م) فنظر السلطان فرأى شاربه قد غطىّ فاه من طوله وأذياله تسحب على الأرض, فقال له: يا شيخ اذهب فاحتسب على نفسك ثم عد واطلب الحسبة على الناس). ويتابع الشيزري في كتابه: (وينبغي للمحتسب أن يمنع أحمال الحطب والرماد وأعدال التين وأشباه ذلك من الدخول إلى الأسواق لما فيه من الضرر بلباس الناس.
ويأمر أهل السوق بكنس الشوارع وتنظيفها من الأوساخ والطين المجتمع وغير ذلك مما يضر بالناس لأن الرسول (ص) قال: لا ضرر ولا ضرار.
وأما الطرقات ودروب المحلات فلا يجوز لأحد إخراج الميازيب الظاهرة من الحيطان ومجاري الأوساخ من الدور إلى وسط الطريق, وكان يجبر أصحاب هذه الدور أن يحفروا له في داخل الدار حفرة يجتمع إليها.
أمّا الخبازون فكان يأمرهم المحتسب بنظافة أوعية الماء وتغطيتها وغسل المعاجن ونظافتها.
وأما القصابون فكانوا يمنعون من إخراج اللحم من مصاطب حوانيتهم لئلا تلتصق بثياب الناس فيتضرروا, وكانوا يؤمرون أن يفردوا لحوم المعز عن لحوم الضأن, وينقّطوا لحوم المعز بالزعفران لتتميز عن غيرها إلخ.. مما لا يتسع هذا المقال لاحتوائه مثل بائعي السمك وصيّادي العصافير وسائر الطيور والطباخين والبقالين وباعة الخضراوات, والحمامات حيث أفرد لنظافتها فصلاً كبيراً في كتابه.
قد نكون متمدنين أكثر من أجدادنا, ولكنّ أجدادنا كانوا متحضرين أكثر منا.
يروى أن أحد شعراء البرامكة مرّ بأحد قصورهم الخربة والمهجورة بعد نكبتهم الشهيرة. فكتب على بقايا أحد الجدران:
- يا منزلاً لعب الزمان بأهله
فأبادهم بتفرقّ لا يجمع
- إن الذين عهدتهم فيما مضى
كان الزمان بهم يُضَر وينفع
- ذهب الذين يُعاش في أكنافهم
وبقي الذين حياتهم لا تنفع
الحقيقة لا الصبح في إشراقه ولا الزهر في عبيره و لا الماء في انسيابه ولا جمال الغانيات قد قارب سفح هذا المقال العظيم لو صح لنا هذا التشبيه وأعتقد لو صح لانشتاين أن يقرأ المقال لقرر بيع معادلاته الشهيرة على اول بسطة تتوفر له في البرامكة وشكرا لصاحبة المقال الجميل
لوحة توجيهية خطت بتأنق وكلمات ذات معنى مانحتاجه يافطات في كل الأمكنة للدلالة على مايجب فعله وأنا متأكد بأننا نخطئ ونحن نعلم أنه كذلك شكرا للمساهمة فهي تستحق القراءة
السيدة منى كاتبة من الدرجة الأولى وقلمها يختار أفضل وادق الجمل اللغوية كما ان معظم مقالاتها تعبر عن الواقع, ودائما اقرأ لها في الصحف اليومية بزاوية آفاق. هنيئا للسيدة منى الياس على تقافتها العالية وعلى تنبيه الجيل الصاعد من أجل حياة أفضل و أشمل
كلما زادت الأدوات والإمكانيات قلت العناية بالنظافة بكل أسف... مقال من أجمل ماقرأت أشكرك وأشكر الأخ ثبت الجنان على نشر الرابط على الفيسبوك... أرجو أن أقرأ لك دائماً
هناك فرق بين ما كتب وما طبق على أرض الواقع , ولا أشك أن العرب هم أساس الحضارات لكن للأسف كتبوا كثيرا ونظروا لكنهم لم يطبقوا ما كتبوه وإثباتا على ذلك وصولنا لتلك المواصيل وتخلفنا عن الأمم والتخلف لايأتي من عشرة سنوات أو مئة بل هو حصيلة عادات وتقاليد نشأت مع الناس , ولو قرأ أحد ما بعد مئة سنة ما نكتبه اليوم عن البئة والنظافة لقال نفس ماقلتيه وظن أننا كنا من حماة البيئة , نحن هكذا في كل عصر نكتب ولا نطبق !
شكرا لك على هذه المشاركة القيمة والتي يجب أن تكون حافزا لنا لنجاري أجدادنا في الأمور الحضارية وأهمها النظافة...بالفعل المعلومات التي قدمتها مفيدة ومميزة شكرا لك
أولا أقدم الشكر الجزيل للكاتبه لاختيارها لموضوع المقال واثني لها بالشكر لسلاسة عرضها للموضوع وأقول للأخ الذي يقول لاتصدقي كل ما تقرأينه: يبدو أنك لاتعرف شيئًا عن الحضارة الإسلامية التخلف ليس سببه أجدادنا الذين كانوا المثل المضروب في التقدم إبان حضارتهم ولم تذهب بعيدا ارجع لكتاب سلطان الشرق العظيم سليمان القانوني لمؤلفه هارولد لامب واقرأ كيف الأوربيون كانوا يعتبرون أنفسهم همجًا ومتخلفين أمام الحضارة العثمانية بل ويجلدون ذاتهم أمام الحضارة العثمانية كما تجلد انت ذاتك الآن أمام الغرب. وشكرًا للجم