الى كل انسان جاء الى هذه الحياة من اجل الناس
يطلق اسم العصر البيزنطي في سورية على الفترة التي تمتد من القرن الرابع الميلادي و حتى بداية القرن السابع الميلادي اي من فترة حكم الإمبراطور قسطنطين الأول
وحتى عهد الامبراطور هرقل, و نستطيع ان نسمي هذه الحقبة بالعصر الروماني المتأخر او العصر البيزنطي الاول,ويسمى هذا العصر بالعصر البيزنطي بسبب احداث مهمة غيرت
بنية الإمبراطورية الرومانية في عهد الإمبراطور قسطنطين الاول الذي نقل العاصمة الامبراطورية من روما باتجاه الشرق الى موقع مدينة اغريقية على ضفة البوسفور تدعى بيزنطة,
و بذلك ولد عصر جديد في حياة الامبراطورية الرومانية كان له ميزات و احداث جسام ميزته عن التاريخ الروماني قبل القرن الرابع الميلادي.
فنرى علامتين فارقتين في التاريخ الروماني انجبتا في نهاية المطاف الامبراطورية البيزنطية, الاولى كانت نقل العاصمة باتجاه الشرق والذي كان له عدة اسباب:
فمن الناحية الإستراتيجية
كان سبب انتقال العاصمة هو الحاجة الى مدينة قوية في الشرق تكون عاصمة جديدة للامبراطورية و تستطيع الوقوف بوجه الخطر الفارسي المتنامي في الشرق
في التقاليد و الادبيات المسيحية نلاحظ ان المصادر الكنسية تضفي صبغة دينية على انتقال العاصمة الى الشرق و التي تعتبر الامبراطور قسطنطين كقديس و حامي للكنيسة عمل على انتقال العاصمة نحو الشرق للابتعاد عن روما الوثنية و لمراعاة مشاعر المسيحيين الذين كان عددهم كبير في مقاطعات الامبراطورية الشرقية مقارنة مع المقاطعات الغربية.
العلامة الفارقة الاخرى في هذا العصر كانت انتصار الديانة المسيحية و انتشارها بشكل رسمي في انحاء الامبراطورية و بذلك اصبحت الكنيسة جزء لا يتجزأ من تركيبة الامبراطورية
و انطلقت علاقة جديدة بين الامبراطورية والكنيسة اثرت في مجريات التاريخ البيزنطي منذ البداية و حتى اخر لحظات عمر الامبراطورية,
و بالتحليل نرى ان العصر الجديد حمل ثلاثة عناصر اساسية في البنية الجديدة للإمبراطورية و هي :
هيكلية نظام وقانون اداري روماني, و ثقافة اغريقية, وديانة مسيحية
هذه العناصر اعلنت الانطلاقة للتاريخ البيزنطي و الذي شمل الولايات الشرقية للامبراطورية الرومانية سابقا و من ضمن هذه الولايات و اكثرها اهمية استراتيجة ستكون سورية
التي كانت ميدان تفاعل كبير بين الحضارة الهلينستية و الحضارة الشرقية تمخضت في نهاية المطاف عن ولادة حضارة محلية او سورية تحت حكم امبراطوري
خلال اخر حقبة من العصور الكلاسيكية في سورية و هي الحقبة البيزنطية.
عندما نتحدث عن سورية خلال العصر البيزنطي نستطيع ان نتابع محورين في غاية الاهمية الاول هو الدور الدفاعي الذي لعبته سورية في هذا العصر للدفاع عن أراضي الامبراطورية الشرقية
و المحور الاخر المسيحية السورية التي انطلقت الى جميع انحاء المعمورة في هذا العصر حاملة عبر قديسيها و رسلها المحبة و السلام لجميع شعوب الارض و مع هذا الجانب المضيء
من المسيحية السورية كدين و ثقافة عالمية يجب ان لا نغفل اهمية العمارة الكنسية السورية في هذا العصر و التي تميزت بمواصفات هجينة بين الكلاسيكية والمحلية انجبت في النهاية فنا معمارياً بمستوى عالمي رفيع كان ولازال ميدان بحث غني لدراسة العمارة و الاثار البيزنطية في كليات ومعاهد الدراسات الغربية والذي تشكل لهم سورية ميدان بحث غني و متنوع.
في البداية نتناول الدور الدفاعي لسورية في هذا العصر فمن المعروف ان النظام الدفاعي الذي احدثه اباطرة القسطنطينية والذي كان يعتمد على التحالف مع امراء و شيوخ القبائل الذين كانوا يعرفون باسم فيلارخوس اي عامل مكلف من قبل الامبراطور
على منطقة معينة او قبيلة معينة و كان يكلف من قبل الامبراطور بالدفاع عن المصالح البيزنطية و عن اراضي القبيلة ضد الفرس, ان اول اشارة الى حاكم من العرب الغساسنة المتحالفين مع بيزنطة اوردها المؤرخ امياني مارسلليني لكنه لم يسمه بأسمه و اكتف بذكر لقب الشيخ العربي وهذه القصة تعود حسب المؤرخ الى عهد الامبراطور الروماني يوليان الجاحد بين م و اغلب الدراسات الحديثة لتاريخ العرب الغساسنة تركز على كون هذا الملك المجهول الاسم ان يكون زوج الملكة 361
العربية ماوية التي تذكرها المصادر الرومانية وتذكر ثورتها ضد الامبراطورية البيزنطية في عام 372م والذي يؤكد عليه المستشرقون ان اسم الملكة ماوية جدة العرب الغساسنة و زوجة الحاكم الغساني الاول تردد في الشعر العربي و الادبيات العربية الغنائية باسم ماري وهنا نذكر بيت شعر للشاعر العربي حسان بن ثابت الذي يقول في مدح الغساسنة العرب
يقول : اولاد جفنة حول قبر ابيهم قبر ابن مارية الكريم المفضل
من المعروف في المصادر التاريخية ان بنو غسان قبيلة عربية هاجرت من اليمن بعد انهيار سد مأرب و استوطنت اطراف بادية الشام و اكثر نسب كانت تتغنى به هو الجد الاكبر جفنة الذي يحتل موقعا محوريا بين اسلاف الملوك الغساسنة
نتتبع في تاريخ الغساسنة ان جدهم جفنة كان اول من اعتنق المسيحية يدلنا على ذلك اسم دير اثري قديم اقيم على شرفه في جنوب سورية يحمل اسم دير جفنة, ومن اشهر ملوك الغساسنة في سورية كان عصر الملك الغساني الحارث بن جبلة الذي عاصر الامبراطور البيزنطي جستنيان والذي بلغ الدور الدفاعي ذروة قوته ضد الفرس في عهده و عهد ابنه المنذر بن الحارث الذين لعبوا دورا كبيرا في توطيد الحكم البيزنطي في سورية حتى اواخر عهد الامبراطورية والذي لم يكن من الممكن ان يستمر لولا العرب الغساسنة و يؤكد ذلك العلاقة السيئة التي كانت بين الغساسنة والبيزنطيين في اواخر العهد البيزنطي في سورية ادت الى خلل كبير في البنية الدفاعية في ايام الامبراطور البيزنطي موريشيوس و هذا ما اتاح للفرس القدرة على التوسع في سورية و احتلال مدنها من انطاكية حتى القدس و سيظهر هذا الخلل بشكل اكبر في عهد هرقل حيث استطاع العرب المسلمون فتح بلاد الشام و تحطيم السيطرة البيزنطية بزمن قصير نسبيا,
ولا يسعنا في النهاية الا ان ننوه الى ان ما يحكى من قبل المستشرقين عن ان الدور العربي في العصور الكلاسيكية اقتصر على خدمة الامبراطور غير صحيح و ان التمرد على الدولة البيزنطية كان يصور على انه خيانة او تمرد فقط من اجل المال لم يقترب من الصواب فالثورات التي كان يقوم بها الغساسنة كان نوعا من الحلم بتشكيل دولة مستقلة و الذي نراه واضحا في ثورة الملكة ماوية و في ثورة المنذر بن الحارث كان يراد به بناء الدولة الوطنية و الكنيسة الوطنية الاولى في سورية و هذه المحاولات نرى لها صدى آخر في التاريخ السوري عبر الملكة زنوبيا و زوجها اذينة مثلا.
كانت هذه الاحداث والميزات من اهم النقاط الفارقة في تاريخ سورية البيزنطي بالإضافة الى تنامى الديانة المسيحية والتي بدأت تظهر من خلال المدن المهمة دينيا في ذلك العصر كأنطاكية او الرها و الرصافة و التي ظلت منارات في التاريخ المسيحي منذ نشوء الكنيسة وحتى وقتنا الحاضر والتي صنعت من سورية مختبرا لتفاعل الحضارات ومنبرا لحوار عالمي ذا مستوى رفيع فكريا و انسانيا.
ستظل سورية موطن للحضارة والكرامة والعزة الوطنية
في علم التاريخ نحن بحاجة الى الكثير من التحليل و التقصي و وضع المعلومة في اطارها الصحيح
نحن بحاجة كبيرة الى اعادة تحليل تاريخنا بصورة دقيقة كما فعلت وفقك الله
هذه المعلومات دقيقة جدا و كل الشكر على هذا الشرح الدقيق
الحضارة من اهم العوامل في تكوين شخصية الشعوب شكرا صديقي الكاتب على المقالة الرائعة و الى الامام
حلو هالحكي كتير و متقن بس بدو حدا يفهمو شكرا صديقي الكاتب على المقالة الرائعة و بانتظارك بمقالات اخرى
ليس غريبا على هذة البقعة من العالم ان تكون عبر العصور منارةومثل يحتذى بة في كل مكان من هذا الكوكب وفي هذة الظروف التي تتلاطم الامة العربية وشعاع النور الذي بدء يعتلي جبهاتنا امل ان تعود هذة الامة لاخذ دوره الريادي وتعود في مصافي الامم
لمحة موجزة ولطيفة..شكرا يا عزيزي
ستبقى سورية منارة للحضارة وللعزة القومية تحت رعاية السيد الرئيس بشار الاسد امل الامة العربية وسيد الاحرار