عند باب المدرسة وقَفَتْ ميساء تتأملُ مقبضَ الباب.. وكم تمنّتْ لو كانت تملك المفتاح.
كان المساءُ يهبط على المدينة وكانت الأدراجُ نائمة.. وساحة المدرسة تعبَثُ فيها الريح.
سمعَتْ مواء قطة فتلفّتَتْ حولها.. لم يكن هناك إلا القليلُ من المارّة في هذا الشارع الهادئ.
نظرَتْ مرةً أخرى للباب.. ودقّتْ بعينيها الجرسَ القديم، فرأته ذاهلةً ينفتح على مصراعيه..
مشَتْ في الطريق المزيّن بالأزهار قرب الساحة، ودخلت فصلها الدراسي، وبحثت عن مقعدها الخشبي الصغير.. وجلسَتْ.
أخرَجَتْ من حقيبتها القلمَ والكرّاس.. وابتسمت لصديقتها التي كانت تضحك.
أطلّت معلمتها من الباب.. وقالت: صباحُ الخير.. كانت تحملُ معها وردةً بيضاء.. وضعتها هناك على الطاولة الكبيرة مع دفتر التحضير وعلبة الطباشير.
وبدأ الدرس.. وسَرَتْ نَسَماتٌ هاربةٌ من الشتاء من النافذة المفتوحة.. لفحَتْ وجهها الصغير فطار شعرُها الغافي مع الصباحِ والأحلام.. وأفاقت.. لتجدَ نفسها أمّاً وزوجة تقف عند باب مدرستها الإبتدائية.. في شارعٍ شبه فارغٍ من المارة.
كم مشت في هذا الشارع منذ (سنييين) طويلة..
خَرَقَ سمْعَها صوتُ الرعد.. فنظرَتْ إلى السماء.. بفرح.
تحبّ المطر كثيراً.. فهو يغسل كلّ الجروحِ والهمومِ والسفر.
وبنظرةٍ أخيرةٍ للباب الكبير ودّعتْ ميساء ماضٍ لا يعود، ومشت.. في شارعٍ صديق، فاختلط مع دمعها مطرُ السماء..
سافَرَتْ منذ عشرين سنة.. واليومَ كما في كلّ عام تزور أهلها وبلدَها.. ولكنّ الشوق هذه المرة كان أكبر.. أكبرُ من احتمالها، فبدأت تسير على غير هدى.. من مكانٍ لمكان عبر دروب طفولتها.
ومع الأمطار التي طالما شعرَتْ بأنّها هنا ممزوجةٌ بالياسمين.. سقطت دموعها غزيرةً وحارة.. هطلت مطراً آخرَ مليئاً بالأسئلة:
كيف تمشي بنا الدروب؟
كيف ننسى وفي قلوبنا هذا الحنين..؟
من كان يعلم أنّني نحو البعيد.. سوف أسافر؟
من كان يعلم أنّ لي شوقاً أحاربُ كي يذوب.. ويأبى أن يغادر..!
أنا في جمالك بلدتي سطرّت آلاف الدفاتر..
مسكونةٌ فيكِ أنا.. يا شامُ يا وجعَ المسافر..
يا شامُ يا وجعَ المسافر..
شكرا على الكلام الرائع ، زادك الله
يا زمان الماضي عود و رجعني عمدرستي بعيوني خيالا موجود و مولًع بمعلمتي قلبي شو تعلق فيها نستني كل دروسي يحفظها ويخليها شو تمنيتا عروسي شكرا لهذه المساهمة و للاخ احمد و ننتظر المزيد