توالت الايام تزحف على صدري وكأنها تحفر ذكرياتها في كل بقاع جسدي بخطوط من نار
ذكريات تستعرض امام عيوني , وحنين يمزق جفوني المرهقة , وأهات اكتظت في فمي فتبعثرت وارتمت من شفاهي مرهقة متعبة لم تجد لها في هذا الرأس المثقل بالهموم مكان.
تناولت علبة السجائر التي كانت تختبئ في جيبي ورحت امزق غلافها بشهوة جارفة , قبل أن تبدأ افكاري بتمزيقي وبدون رحمة. فقد كانت علبة السجائر اول شهيد هنا .
فتحت – كومبيوتري المحمول – ورحت انظر لتلك الحروف العربية المحنطة فوق لأزرار الجامدة ( هل يعقل ان تنقل هذه الأزرار خفايا روحي من جديد ؟ هل املك انا الان القدرة على الكتابة من جديد ؟ هل استطيع الكلام بأصابع خرساء وشفاه متجلدة وقلب مبتور الشراين ؟؟؟
اخرجت صورتها من جيب قميصي الملتصق بصدري وسندتها على كوب الماء أمامي . ( أرجوكِ اقبلي دعوتي المعتادة لك على فنجان قهوة ولكنها الاخيرة ).
إنه ذات المكان الذي حلمت لسنين أن نجلس فيه سويا , وذات الطاولة التي حلُمت هي ان تضمنا يوما , وتختصر بيننا الاف الكيلومترات الي تفصلنا عن بعض , أعود الان ثانية لاجلس عليها للمرة .. ( أظن بأني تجاوزت الالف .. لست متأكد من العدد الصحيح ) ولكني هذه المرة اجلس ورأسي محشوا بأفكار جديدة وهموم جديدة , لم يعد همي اختصار تلك الكيلومترات المترامية على الاسفلت الاسود , ولم يعد همي ان تحتضنا تلك الطاولة الميتة تحت زنودي الباردة . فهل يعقل ان يصبح همي هو كيف اجعل نفسي ذاك الحلم الجميل في حياتها !! أمور وافكار فاقت احتمال دماغي كي تحمله على الدوران من جديد , وحوادث توالت علينا فدمرت كل الامال التي بنيت عليها احلامي معها , فهل اجلس هنا الان لأحاول ان انصب نفسي حبيبا لها من جديد !!!!
يرتمي فوق الصحن الصغير فنجان القهوة مذبوحا برائحته التي تستطيع ان تدور حول الارض مرتين وتعود لتسكن في رئتيك . رائحة القهوة التي اعتدتها ان تكون ساعة تنبيه قوية تستطيع ان توقظني بعبقها كل صباح , حتى وان كان الاستغراق في النوم سحبني أبعد من القمر , في هذه اللحظة لم أحس بوجود الفنجان أمامي لأكثر من ساعة الا عندما عادت إلي تلك الفتاة الاسيوية التي تعمل بالمقهى وسألتني ان كنت اريد استبدال فنجان قهوتي البارد بواحد اخر !!!! ابتسمت للفتاة الاسيوية وشكرتها وطلبت استبدال فنجاني , فنجاني فقط , لا اظن بأني كنت أحمل الاماني والاحلام والحب والحنان الذي يُنسى - صورة – من أن تشرب فنجان قهوتها.
تتصارع في تلك العقدة بين جفوني مئات الافكار فتزيدها تشابكا وتزيدها تعقيدا .... ( أحـبك ِ فوق حدود التصور . حُـبكَ فوق تحملي للحب !!!) صعقتني تلك الكلمات التي دارت بيننا في الماضي , فكان وقعها على قلبي وكأنها اقتلعت من قلبي أحد شراينه .
خلف الحاجز البعد المئة وجدت نفسي مرميا أنظرا إليها وهي تحيط نفسها بجدار جليدي , كَـتبت على بلاطاته ( ممنوع تجاوز البوابات وممنوع الدخول من الشبابيك وممنوع النظر أبعد من حدود الابواب وممنوع التواجد في الايام المخصصة لحياتي – وكل الايام كانت فقط لها ولأجل حياتها – وممنوع اللمس أو الاقتراب من اصدقائي وممنوع وممنوع وممنوع .....) إلى ان قاطعني فنجان القهوة الجديد برائحته الفواحة القوية , ألم يعتريني فاق لسع لساني بالقهوة الساخنة ... واحتراق فاق احتراق أصابعي بسيجارتي الملتهبة التي انهلت عليها وكأني التهمها التهما قبل ان تلتهمني هيه فأرمي بجثتهيا في المقبرة المتخمة أمامي بعشرات اجساد الشهداء المحرقة والممزقة , فمتى يأتي دور جسدي انا !! ...
احلام رستمها – فصلتها على قياسك وحدك أنتِ – ماذا تفعلين بها الان وبعد كل هذه السنين ؟ أتحاولين محيها ؟ أتحاولين تقصيرها ؟ اتحاولين اعادة تصميمها على طريقة – فيرزاتشي ( فتحة كبيرة من الظهر , وشق طويل يمتد من من تحت الخاصرة لكعب حذائك العالي – جدا - !!!) اخبريني ماذا تحاولين ان تفعلي بتلك المملكة التي كنت ابنيها حجرا فوق حجر , وماذا تحاولين ان تصنعي بتلك الجدائل التي جدلتها بالحب والصبر والحنان ؟ ماذا تحاولين ان تفعلي بتلك الشفاه التي لونتها - بأحلامي - بلون قبلاتي !! اهذا هو الوطن المنشود الذي تسعين اليه ؟؟!! وهل هذه هي مكافأتي على حبي الكبير لك ؟ وهل بهذه الطريقة تقرأين الرجال وتقيسين الرجال وتقدرين الرجال ؟
أمال كبيرة جدا رأيتها تنهار أمام غرورك , احراش ياسمين بأكملها سمعتها تبكي تحت كعب عنادك العالي , أمطار وغيوم وبحار تبخرت من لهيب كبريائك المتمرد , أديان بكاملها هاجرت مقلة عينيك وراحت ترتحل في افواه المتبجحين مذبوحة حين ومطعونة أحيان وانت وقفتي تستنكرين اجمل ما حملته من سنين , غارقة تتمسكين بورقة يكتبها بشر مثلنا , ويصمم حواشيها بشر مثلنا , ويزركش معنانيها بشر مثلنا , هل هكذا اردتي حقا ان نبدأ سنين حياتنا معا ؟.
ارتمي بعد كل رحلة قاسية من التفكير مرهق القوى , فلا أعرف أين جرحت ولا أين ذبحت , يأكلني الألم والتعب تستنزفني جراحي ويستنزفني حبي ويستنزفني ما ابقيته من قلبي لي , مشوار طويل يبدأ عند انتهاء كل فنجان قهوة , وصمت رهيب يخيم علي ويطبق على انفاسي عندما اسمع الطقطقة الاخيرة في احتراق سيجارتي , فأتمنى لو ان سيجارتي لا تنطفئ وفنجان القهوة لا ينتهي .
يحاول البحر قرائتي طويلا وانا جالس خلف طاولتي.... واقضي ساعات طوال وانا أحاول أن استغل لحظة يضعف فيها فأرمي فيه القليل من اوجاعي .. أرمي حبا أثقل كتفاك وكبل قدماك . يقرأني البحر – تخيلي حبيبتي !- وأنا لازلت اعجز حتى أن اجد كلاما اختم فيه ما قد بدأت .
اصورتك تلك التي تكلمني !!!
أصورتك تلك التي تسألني الرحيل !!!
أصورتك تلك التي تكلمت اخيرا !!!!
ألملم شتاتي من فوق تلك الازار المحنطة واجفف دموعي من فوقها بكم قميصي , وأغلق تلك الشاشة البيضاء الي تعكس خيبة املي فوقها , ارتشف الرشفة الاخيرة من فنجان قهوتي السوداء المرة , علّي بهذه الرشفة اتذكر دوما كيف يكون – معنى الحب – وامضي ...
لا تنسي عزيزتي دفع الحساب . فلا يوجد شهيد هنا سوى علبة السجائر.
أشعر بك جيداً إن كانت هذه القصة فيها شيء من واقع ..وإن كانت من نسج الخيال فهي مؤثرة بحق وفيها كل مقومات القصة وأنا معجب بها ..تقبل مروري
أرجوك أخ مجد على ما ذا الأسف ..على هذه الكلمات البالغة الرقة؟ يجب فقط أن تكون فخورا بكلماتك وبحبك وبدفء مشاعرك. أدامك الله وشكرا لك.
لوحة تفوق الوصف والخيال والسحر بكل معاني الكلمات . ( لاتنسي عزيزتي دفع الحساب , فلايوجد شهيد هنا سوى علبة السجائر ) فعلا يتوجب عليك تركها لتدفع ثمن اخطائها وثمن اختياراتها وان تمضي برغم الحزن المتكتل على اكتافك (رجلا صلبا قويا ) . ابداع ابدي جميل وراقي .
الاخت رانيا : فعلا هيهات ياحب .. لاقهوة ولاصباح يشرق . شكرا على كلماتك الجميلة . - الاخت شذى : نعم وللاسف الشديد انا الذي كتب ولم انقل شيئ . شكرا لكلماتك العذبة .
تعلم أخ مجد..قرأت ما كتبت حضرتك مرتين أو ربما ثلاثة..انتشيت بحزن وفرح واشتممت رائحة بن غريب..يا الله كم أحببت. لا أعلم إن كنت حضرتك من كتبت ولكن حتى إن كان هذا ما نقلت ..أعطاك الله العافية والخير. أحببت جدا جدا.
فنجانك أثمل العاشقة فلم تعد تقوى على نظرة عينيك التي تأبى الا رؤيتها ... ترتشف قهوتك على أمل اللقاء كل لحظة ولكن هيهات يا حب ..لا قهوة ولا صباح يشرق من جديد
الاخ نيران صديقة - اسعدني جدا انك احببت واستمتعت بمساهتي ( الواقعية 100 % )