في محطة اللاذقية نزلتُ من قطاري بعد أن تمهل سيره إلى سرعةٍ بليدة، أدفع أمامي بصعوبةٍ حقائبي الكبيرة المثقلة بهموم السنون وعذابات الماضي
وفوقها تتوضع حقيبةُ أوراقٍ صغيرةٌ بنية اللون- لم تكد تفارقني البتة منذ غادرت المدينة إلى المجهول لأول مرة- استودعتها آمالي وأفكاري. يا الله ما أجمل العودة إلى موطني.
وفي التفاتة إلى يساري نحو القطار الذي سيتحرك نحو مجهول آخر لاح لي طيفٌ أليف، طيفُ صديق حقيقي. لا. إنه هو.. يمشي باتجاه قطاره المستعد للرحيل.. يدفع أمامه بترددٍ عربةً مترعةً بحقائبَ ثقيلةٍ كحقائبي.
فمشينا على طول الرصيف.. لا أدري هل طال الرصيف ليتسع للقائنا.. أم أننا قررنا أن نوقف الزمن لبرهةٍ نتمكن من خلالها أن نلتقي.. طــال الزمن ولمّــا ينادي ناظر المحطة لإقلاع القطار.. طــال الرصيف فلم ندرك له نهاية.. وفجأةًّ تذكرنا أنا نسينا حقائبنا الكبيرة في نقطة اللقاء الأولى وعدنا لجلبها، وعندَ إذٍ وبدون مقدمات انفجر كلانا بضحكة هيستيرية.. لقد سرق الناس الحقائب! لقد أفرغوها من كل ما فيها.. شعرنا بالانعتاق في تلك اللحظة .. مسافران ليس بيدهما إلا حقيبتي يدٍ صغيرتين.. خفيفين كعصفورين ولكن أقوياء كطيرَي رخٍ..
آه أيها الرصيف.. كم أصبحت عزيزاً. يا مُفرّقَ الأحبة.. يا مُلتقى الأحبة.
لم تعد التفرقة في بلادي يا سيدي سفرا فقط .. لقد أصبحنا نتفنن في فن البعد و في قتل الحب .. شكرا لغربة ورصيف غربة لأنهاقد تجمعنا و نحن نتفرق في أرضنا و نفرق بعضا بعضا تحت أسماء مختلفة كلها زيف زيف ... أحببت ما كتبت إلا أنه أثار أشجاني و غضبي و جرحا لم أشفى منه بعد ! و اعذر خروجي عما ما كتبت أنت و اعذر صرختي . آه يا بلدي يا ليت رصيف غربة يجمعنا بعد أن فرقتنا و هدمتي بيتا وحبا لم يعقد ثمرهما بعد
يا ليت رصيف غربة يجمعنا بعد أن فرقنا أهلنا ..يا ليت ! لقد أثرت أجزاني و غضبي و جرحا لم أشفى منه بعد