المطر في الخارج يتكتك على النافذة العاتمة ...وكأنه يرسل هدهات ناعمة في وسط ليل الشتاء البارد ...
لم يبعث المطر في نفسها يوما إلا الأمل والتفاؤل ...فالخير يتساقط مطراً نقيا وقد امتلأت به أرحم المزن حتى آن وقت ولادتها لتجود به على الأرض العطشى التي شققتها شمس الصيف و غطت وجهها أغبرة الخماسين المحمرة ...
اليوم لم تستطع أن تتمتع بالمطر ...تجاهلت هدهداته الناعمة ...ومحاولاته في احتضانها و تركها تستسلم لفراشها الدافئ ...كم كانت تحب النوم في الشتاء ...فلا أجمل من البقاء في السرير في ليل الشتاء البارد الطويل ...
أوراقها مركونة للغبار مع ثلة من الكتب في الزاوية البعيدة ...
وأقلامها جفت منذ زمن ...
لم يبق لها في هذه الحياة سوى دموعها ...
لم يكن الليل ساكنا كما أرادت فأصوات أطفال استغلوا العطلة الانتصافية ترددت عبر زجاج النافذة لتزيد بؤسها ...تأملت بطنها الخاوي وحياتها الخاوية ...لقد سلبها كل شيء !!
لم تعتقد أن ذلك البريق الذي تميّزت به عينيها العاديتين سيرحل خلال فترة قصيرة جدا ...
بالفعل ...هناك يوم كلحظة ...ويوم كنسمة ...ويوم بمائة سنة ...
عندما نعيش في مجتمع ما ...قد تنسينا أحداثنا الوقت ...فلا نحس بثقله وطول لحظاته ...خاصة لحظات الفرح ...حياتها قصيرة كحياة الفراشات ...وجدت لتبعث في القلب دفئا لكن الدفء لا يدوم للأبد ...فلكل صيف خريف ...ولكل خريف شتاء ...
أما عندما يكون الفراغ رفيقنا ...فالوقت لا يتحرك ...لا تتزحزح عقاربه الثقيلة من مكانها ...بل تبقى بدقاتها الرتيبة تبعث الألم وتحفر في قلوبنا الهشة أثرا لن يزول ...
بمجرد دخولها للحياة الجديدة نسفت كل ماض ...كل حب ...كل ما تعلمته من مبادئ ومثالية ...
الحب ...
لطالما كانت حياتها حوله ولأجله ...كم كانت غبية ...
الحب كذبة أجل ...هل تستحق التصديق ؟؟!! هل تستحق أن تقع في شباكها كذبابة !! لتمضي أيامها حزينة تعيسة ...لتكون الدموع بريق عينيها الجديد ...لتكبر في كل يوم سنة ...
لماذا أيها الحب ؟؟ لم تكن يوما إلا كاهنة مخلصة في معبدك ...هل تستحق أن تكون قربانك الأول ؟
ربما كلنا واقفون ننتظر التضحية ...ولكن القدر يحدد متى وأين ؟
لقد تعلمت شيئا جديدا ...أن الناس قسمين ...
من ولد سعيدا ...وسيبقى سعيدا ...
من ولد تعيسا ...وكله أمل أن القادم أفضل ...وبكل غباء ينتظر القادم ...ليعيش تعاسة توقعاته ...ليتعلم مكرها أن قدره هو الموت بتعاسة ...
أجل ...أحبته ...
اعتقدت نفسها اعتلت قمة من قمم الأماني ...حققت حلم سندريلا ...و بياض الثلج ...وعشتار...
ألن تفيقي من خيالاتك ؟؟ ألن تستجيبي للصفعات الرومانسية المتتالية ؟؟
استفاقت أجل ...استفاقت بعدما أصبح جسدها بلون النيل الظالم ...
عندها استفاقت ...
لتعلم أن الحب مجرد كذبة ...وأنها لا تستحق التصديق ...وأنها لا تستحق حتى الوجود ...
أحبك ...أعشقك ...
في كل يوم وفي كل لحظة ...ما زالت كلماته تتردد في أذنيها تقتلها ...
هل هو كابوس آخر ...هل سيأتي صوت والدتها الحنون من البعيد يوقظها ...وتجد نفسها من جديد معهم ...وأن الحب ما كان ولم يكن ...
تفتح عينيها ...تجده قربها ...وتبكي ...
تتمنى لو يأتيها الموت بغتة ...فينقذها من كل شيء ...ولكن أمها ...أبوها ....أخوتها ...
كيف ستتركهم ...وقد عشقت عمرها حتى لا ترى دمع أمها ...
وكيف ستتركه بعد أن ملّ الناس قصة حبهما الطويلة ؟؟ كيف ستضيف فشلا إلى سجلها المثالي الخالي من الأخطاء ؟ تزوجت كما حلمت وكما أرادت وحققت صيغة اجتماعية مقبولة من الجميع !!
كيف ستنتقل من خانة المثالية إلى خانة مرفوضة من قبل الجميع ؟
لقد عادت من قبل إلى خط الصفر حزينة كسيرة ...أتعود إليه مرة أخرى ...هل ستتحمل من جديد الهبوط إلى القاع والصعود من جديد ...
كم هو صعب الصعود وقد أفقدت السنين رئتيك الهواء ...وملأتهما هما وحزنا يقطع الأنفاس ...
كم هو صعب ...
تتأمل من جديد أوراقها الخاوية ...
تتأمل من جديد حياتها الخاوية ...
لقد كسبت شيئا جديدا من تجربتها القصيرة الطويلة ...لم تعد تشغلها تلك الأفكار المشاغبة عن الحب لم تعد تدغدغ قلبها كما كانت ...لم يعد عقلها يعمل طويلا كثيرا لدرجة توصلها حد الجنون ...
أصبح لديها الكثير من الوقت صباحا ...فليس هناك ضرورة لتأمل نفسها في المرآة آملة أن تتعثر بالحب في مكان ما وتكون جاهزة وجميلة ...
والقهوة وفيروز ...والمطر والثلج ...ونسمات الصيف وغروب الشمس تلك " الاكسسوارات " التي ملأت حياتها ستزول مع الأيام ...
وستبقى معه ...أجل ستبقى ...
لكي لا تنتقل لتلك الخانة ...لكي لا ترى الدمع في عيونهم من جديد...
وستعيش كما الجميع لأجل العيش ...
لأجل العيش ...
كما المجتمع لأجل العيش لأجل العيش ،يمكن فعلا هي حال مجتمعنا (عمر وبده يمضى)مع انه مالازم يكون هيك لازم نعيش لنعطي لنقدم لنحب وننحب لنسعد لنحول الدنيا لجنة وننتقل منها لجنة الاخرة فما ولدت ياابن آدم لتشقى...بل لتنعم وتسعد وترقى
بوح إنساني رقيق للغاية فيه مزاوجة صعبة ومؤلمة ما بين الحب والانتظار. العمر ليس إلا تعبيرا ن مرور ثقيل للوقت. في بعض الأحيان نخشى العمر ليس في مظاهره بل في أحاسيسه. نخشى فقدان طفولة المشاعر والقدرة على الفرح الحقيقي بلحظات غناء ومطر وقص سير ..نخشى ألا يسعفنا العمر أن نرى فرحة الحب والسعادة في عيون صغيرة وكبيرة نحبها للغاية.أهلا بالعمر ولا لشيخوخة الأحاسيس . دمت بخير
شكرا جزيلا على التعليقات اللطيفة