ظُلمت الأم لما جعلوا لها عيدا مبتذلا يمثل يوما في السنة , و قد غُبنت في حقها أن قيل أنها نصف المجتمع بينما من بين ترائبها خرج النصف الآخر, فتبني كيانه وبنيانه , وتسهر ولا تنام , وتعطي ولا تطلب عوضاً , وتملؤها مع ذلك الابتسامة والرضى .
الأم أمةٌ بتمامها , وما جًُعل تمام الشيء إلا أمه , فسميت الفاتحة أم الكتاب وسميت مكة أم القرى وسميت اللغة التي ينطق بها الإنسان منذ نعومة أظفاره اللغة الأم , ولما جمع الشافعي كل علمه في الفقه جعله في كتاب موسوعي سماه الأم .
أيها الولد :
رقص قلبها لما وطئت أقدامك الدنيا , حملتك وهنا على وهن , وما كان قدومك إلا على جبل من آلام كابدتها في الحمل والمخاض والولادة , التي يعجز عن تحملها أعتى الرجال .
وتلـوى قلبها حزناً لمرضك , و ذرفت دموعها لاشتداد وعكتك في جوف الليل والناس نيام , فسهرت الليالي الطوال حتى تنام هانئاً قرير العين ولو كان ذلك على حساب منامها .
فرحت بحركتك ، وقلقت لسكونك , خدمتك في ليلها ونهارها ، وتغذّيت من صحتها، ونميت على هزالها، تخاف عليك من لفحة النسيم العليل .
جعل الله لها الدعاء في الصلاة مماثلة كما للأب , وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حسن صحبتها في الدنيا ثلاثة أضعاف الأب , فقد قال رسول الله لرجل حين جاء يسأله : ( من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك ، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك ، قال: ثم من؟ قال : أبوك ) .
قال القرطبي : يدل هذا على أن محبة الأم والشفقة عليها ينبغي أن تكون ثلاثة أمثال محبة الأب ، وذلك أن صعوبة الحمل ، وصعوبة الوضع ، وصعوبة الرضاع تنفرد بها الأم دون الأب ، فهذه ثلاث مشقات يخلو منها الأب .
فاتق الله عز وجل فيها فقد كانت تقبلك من وجنتيك ومن يديك وحتى من رجليك فهل استكثرت عليها اليوم أن تنحني لتقبل يدها , لماذا تترفع عن تقبيل يديها وهي التي كانت تقبلك صباح مساء .
أتبطيء في تلبية رغباتها وقد كنتَ فيما مضى بحاجة إليها , فقد كانت قوية وكنت ضعيفاً ، وكانت غنية وكنت فقيراً ، كانت قادرة وكنت عاجزاً ، كانت ترحم ضعفك فتحملك بين يديها وتضمك إلى صدرها بحنان وتقيك الحر والبرد .
فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي لها من جواها أنة وزفير
وفي الوضع لو تدري عليك مشقة فكم غُصَصٌ منها الفؤاد يطير
وكم مرةٍ جاعت وأعطتك قوته صفواً وإشفاقاً وأنت صغير
جاء عن البيهقي أن ابن عمر شهد رجلاً يمانياً يطوف بالبيت، حمل أمه وراء ظهره يقول:
إني لها بعيرها المذلَّل
إن أُذعرت ركابها لم أُذعر
الله ربي ذو الجلال الأكبر
حملتها أكثر مما حملتني، فهل ترى جازيتها يا ابن عمر؟
قال ابن عمر: لا، ولا بزفرة واحدة ( أي بطلقة واحدة ) .
أتفضل زوجتك عليها وهي التي لولاها ما كنت ولا كان لك زوجة ولا ولد , أتشتري لزوجتك الهدايا والذهب وتنسى أمك, أتتذكر أولادك بأطايب الطعام وتنسى أمك , أتلبسهم أجمل الثياب وأمك ماتزال في ثوب قديم خلق .
تعال إلى صخر شقيق الخنساء لترى حاله على فراش الموت لما أصيب برمح ولم يرَ إلى جانبه إلا أمه , وزوجته سليمى قد تركته عادت إلى أهلها فقال :
أرى أم صـخــر ما تمــل عيـادتي وملت سليمى مضجعـي ومكاني
وما كنـت أخشى أن أكـون جنـازة ومـن يغتــر بالحـدثـان
فـأي أمـريء سـاوى بأمٍ حليـلةً فـلا عـاش إلا في أذى وهــوان
أكثرت مشاغلك لدرجة لم تعد تزور أمك وتطلع على حالها ولا حتى في عيد الأم , وهي تتألم في صمت عميق وشكواها الدموع من نكران فلذة كبدها .
قال أبو العلاء المعرّي :
العَيْشُ مَاضٍ فَأَكْرِمْ وَالِدَيْكَ بِـهِ والأُمُّ أَوْلَى بِإِكْـرَامٍ وَإِحْسَـانِ
وَحَسْبُهَا الحَمْلُ وَالإِرْضَاعُ تُدْمِنُهُ أَمْرَانِ بِالفَضْلِ نَالاَ كُلَّ إِنْسَـانِ
أرأيتها قد كبرت وخرفت ووضعتها في دار المسنين , أما تخاف أن يبتليك الله بولد يجعلك مآلك في أخر عمرك كمآل أمك , والقصص على ذلك كثيرة فاحذر .
أتأنف من إزالة النجاسة عنها وهي مقعدة طريحة الفراش , وقد كانت تزيل عنك ما تحدثه من نجاسة وهي تضحك وتقبل مؤخرتك وتشتمها كأنها عطر بديع .
أنسيتها بعد ما ماتت وواراها التراب ولم تعد تقرأ لها شيئاً من القرآن وكأنها شيء لم يكن , وقد كانت تقرأ لك الأوراد والمعوذات خوفاً عليك من أذى العين .
لا تغضبها بالله عليك فإن غضبها من غضب الجبار , وتحت أقدامها الجنة والنار , فعن طلحه بن معاوية السلمي رضي الله عنه قال:اتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت:اني اريد الجهاد في سبيل الله قال:أمك حية قلت : نعم قال : الزم رجلها فثمّ الجنة .
والحمد لله رب العالمين .
أشكرك على كلماتك الحبيبة ، كل كلمة جذبت فكري و مشاعري و ذكرتني بالمرحومة التي ما فارقتني ذكراها ولا كلماتها و لا أنفاسها ولا ... ولا ... أما الأخ سامح فأقول له و لغيره : لا تحتار و اجعل كل لحظة و أمك بجانيك عيد و احتفل متى تشاء و كما تشاء ... و لنتذكر أن نحسن إلى والدينا ، ليحسن أولادنا إلينا ، و لنتذكر أن عقاب رب العالمين غالباً ما يكون من جنس العمل ،و هنا تكمن عدالة الله عز وجل ... أسعد الله الجميع بأمهاتهم و آبائهم و رحم الأموات منهم ..
صديق الطفولة وابن حارتي أبو الميز , ما أجمل هذه الأيام التي جمعتني وإياك على صفحات سيريا نيوز وعلى كسوة نت لست أنسى أبداً تلك الأيام الجميلة التي كنا نقضيها معا في المدرسة والطلائع , و أرجو استمرار هذا التواصل ولك جزيل الشكر والامتنان على تعليقاتك المستمرة على كتاباتي .
دمت ودام ابداعك صديقي الدكتور أحمد أحمد رمان الدكتور أحمد غني عن التعريف دكتور شاب من ذوي الاخلاق الحميدة غير ذلك درست انا وهو في عدة مدارس وعلى عدة مراحل الابتدائية والثانوية موضوعك عزيزي رائع سلمت يمناااك ومزيداً من الابداع
اذا ما احتلفنا بعيد الأم بتقولوا اكلنا حق من حقوق الام علينا، واذا احتلفنا بتقولوا لا تحصروا احتفال الام بيوم مبتذل، طيب الحل ؟؟
مقالك رائع وياريت كل الابناء يقرؤها علهم يكسبون بر أمهاتهم قبل ألا يجدوهم
أشكرك على كلماتك الحبيبة ، كل كلمة جذبت فكري و مشاعري و ذكرتني بالمرحومة التي ما فارقتني ذكراها ولا كلماتها و لا أنفاسها ولا ... ولا ... أما الأخ سامح فأقول له و لغيره : لا تحتار و اجعل كل لحظة و أمك بجانيك عيد و احتفل متى تشاء و كما تشاء ... و لنتذكر أن نحسن إلى والدينا ، ليحسن أولادنا إلينا ، و لنتذكر أن عقاب رب العالمين غالباً ما يكون من جنس العمل ،و هنا تكمن عدالة الله عز وجل ... أسعد الله الجميع بأمهاتهم و آبائهم و رحم الأموات منهم