نحن دعاة .. ولسنا قُضاة ...
في الوقت الذي أتاح الانترنت حرية الرأي للجميع بشكل اوسع من الواقع الذي نعيشه ، وجدت أن هذه الحرية جعلتني أستمع لأصوات اخرى لم أكن أستمع لها من قبل ..
وقد سررت بذلك .. فلم أكن قد تحاورت مع ملحدين ، أو شيوعيين ، أو لا دينيين ، او حتى متدينين متعصبين من قبل ..
قضايا كثيرة اطلعت عليها جرّاء هذا الانفتاح والتي تتعلق بي كمتدين ، والتي يبدو أنها نابعة من سوء فهم متبادل ..
من هذه القضايا دور رجال الدين و الدعاة والشيوخ في المجتمع ..
حيث أن وجدت أن البعض ينظر لهذه الفئة من الناس نظرة قد تختلف عن الواقع الحالي لهم ..
وأن هنالك بعض الناس ممن هم ليسوا متدينين ، ولكنهم يضمرون لهم الكره العجيب ، ويحملون في قلوبهم صورة ذهنية عنهم تحتوي كل عناصر التخلف والتحجر والتطرّف والقمع وغيرها ...
هذه النظرة بحثت فيها مطولاً ، وسبرت أغوارها ، لأصل في النتيجة إلى فكرة صغيرة أذهلتني وأنا أستمع لفتوى من أحد الشيوخ في دمشق لأحد السائلين ..
فقد كان الرجل يستفتي الشيخ في قضيّة عائلية ، والشيخ يعطيه الجواب الشرعي ، فلما قال له السائل : إن أخي لن يستجيب لهذا الحكم الشرعي ، وسيركب رأسه ولن يعطينا شيئاً من حقنا .. فأرجوك أن تجبره إلى الإنصياع للحق ..
فنظر إليه الشيخ وابتسم وقال : دوري أن أنصحه فقط .. فأنا داعية ولست قاضي ...!!
هذه العبارة استوقفتني كثيراً وأنا أستمع لها .. وجلست إلى ذلك الشيخ أحاول أن أعرف منه مقصد هذه العبارة ، فلما أن كثر إليه السائلون في محلّه
، انتظرت حتى انتهوا وذهبوا ، وأنا أستمع إليه وهو يجيبهم والصورة تترسّخ أكثر فأكثر في ذهني ..
جميعنا كنا نتصور أن الشيخ إنما هو قاض ينوب عن الله ، فمن آمن أدخله الشيخ الجنّة ، ومن كفر أو عصى فإن له جهنم عاجلاً أم آجل ..
ولعل الحديث الذي دار بيني وبين الشيخ يؤكّد ذلك بشدّة ، ويجعل لفكرتي أصل شرعي يبين فعلاً أن الشيخ إنما هو مفتي وليس قاضي ..
إذ أنّنا نظنُّ أنَّ ما يقوله الشيخ يعني أنه يفرض علينا ذلك فرضاً ..
إنه مثل الطبيب .. الذي يزوره المريض ويأخذ منه الوصفة الطبية ، فإن شاء يرميها ، وإن شاء يأخذ بها .. أما القاضي فهو الذي يفرض حكمه على الناس ، وهو الذي يأخذ على يد من لا يطيعه ، ويجبر الناس على تنفيذ حكمه .. ولعلّي أستغرب التهجم من غير المتدينيين على الشيوخ ..!
إذا كانت الشريعة التي هي فرض على المسلمين فقط ليس على الشيوخ إجبارهم على تنفيذ شيء منها فكيف بكم وأنتم غير مكلفين بما في الشريعة ؟
فالحجاب ، والصلاة ، والزكاة ، وغض البصر .. وغيرها ..
مفاصل يكلَّف بها فقط المسلم . وليس على غير المسلم أن يجد غضاضةً في أن يرفضها ..
بل إن الشريعة الإسلامية تضمن السماح للمسيحيين بشرب الخمر ، وأكل لحم الخنزير .
والحكم الفقهي يمنع على المسلمين بيع أو شراء الخمور ، ويجب إتلافها .
أما إن كان الخمر ملكاً لغير مسلم فلا يجوز الاقتراب منها ، فإن أتلفها مسلم وجب عليه التعويض ...!!!!
وعلى هذا قيسوا كل مفاصل الحياة ..
ولكن مشكلتكم لا تقرؤون شيئاً عن الدين ، ولا تريدون أن تقرؤوا ، وتحكمون من وجهات نظر لا تمت للدين الإسلاميِّ بِصِلة ..
أليس الإيمان بحدِّ ذاته ليس إجبارياً (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ..؟؟
فكيف بغيره ..؟؟؟!!!!!!
وإن كنت تسأل عن المحطات فلعلك تتفق معي ان بعضها مخلص وبعضها مغرض وبعضها منحرف في تناولها للعلوم والسياسة بشكل عام وللأمور الشرعية بشكل خاص. فحينما تُظهر محطة ما (عويلما) يحرم مقاومة الإمريكان في العراق ، فإن محطة أخرى تظهر عالما يحرم القعود عن مقاومتهم بالشكل الأفضل. ولا ينبغي علينا ان نصاب بالحيرة ، فالله اعطانا فطرة وعقلا نستطيع ان نميز بهما الخبيث من الطيب ، ثم أعطانا سبحانه القدرة على التعلم والتعرف على القضية التي طرقت الأذهان ، نستطيع سؤال علماء وفتح كتب ، لما لا ، هكذا تتعمق أفهمانا.
وتسأل اخي ابا الحارث عن الرجال تراهم فجأة على منبر أو في شاشة ، أقول لك هذه هي طبيعة الدنيا ، لا تتوقف على وضع ولا تثبت على حال ، في كل لحظة من اللحظات يولد أناس ويموت أناس ، يدخل أطفال المدرسة ويتخرج آخرون بشهادات عليا ، يمرض علماء وينوب عنهم طلابهم في التربية والتدريس. هذه سنة الحياة يا أخي ، وهذه من دلائل وجود الله ، إذ يحس المتفرج على الأحداث بأن هناك قوة قادرة مقدرة تدير الأحداث ، تعطي وتمنع تحيى وتميت تبتلي وتلطف ترفع وتخفض.
أخي أبا الحارث المكرم. قرأت تعليقيك ولك كل الحق في التنبيه إلى أن خطباءً تحولوا إلى مجرد متحدثين أو قراء لخطب معدة لهم سابقا ليقرأوها! وهناك من رحم الله ، مربين وذوي عقول متجددة ومجتهدة فاهمة لعصرها. إن خطبة الجمعة تتلى ملايين المرات ولا نرى تحسنا ملحوظا في العالم المسلم. ولو أن خطيب الحي دعى الناس للجلوس بعد الجمعة وأنشأ حوارا معهم أو بينهم ، يصل فيه الغني بالفقير، ويصل الطبيب بالمريض الخ.. أو كرر الإفهام لما قاله في خطبته المتجددة، لرأيت اثر ذلك في التواد والتراحم وازدياد الوعي الثقافي والشرعي
يقول: (وأمام تلك الأبصار المشدوهة ، أبصار العلماء والمفكرين الأوروبيين ، ظهرت مدنية جديدة.. مهذبة راقية خفاقة بالحياة ، ذات كنوز ثقافية كانت قد ضاعت ثم أصبحت فى أوربة من قبل نسيا منسيا . ولكن الذى صنعه العرب كان أكثر من بعث لعلوم اليونان القديمة .. لقد خلقوا لأنفسهم عالما علميا جديدا تمام الجدة .. لقد وجدوا طرائق جديدة للبحث وعملوا على تحسينها.. ولسنا نبالغ إذا قلنا إن العصر العلمى الحديث الذى نعيش فيه لم يدشن فى مدن أوروبا النصرانية ، ولكن فى المراكز الإسلامية : فى دمشق وبغداد والقاهرة وقرطبة)
أخي يا أبا الحارث. نصحتني بعدم ربط العلم بالتخلف والجهل ، وهذه نصيحة قيمة سأعمل بها انشاء الله . وعد من فضلك إلى كل ما كتبت ودلني أين ربطت أنا العلم بالجهل والتخلف حتى اصحح ما كتبت. أما إن كنت تشير من طرف خفي إلى أن الإسلام هو سبب تخلف الأمة ، فالحقيقة هي عكس ما تقوله ! المسلمون كانوا هم الأمة الرائدة في الأرض لما كانوا مطبقين لدينهم. الإسلام أخرج المسلمين من التخلف والجاهلية وجعلهم خير أمة: إستمع من فضلك لما يقوله ليوبولد فايس (محمد أسد) فى كتابه (الإسلام على مفترق الطرق):
إن من يدرس الدين ويتعمق به، يصبح عالمامن حيث لايدري! يتعلم اللغة، والنحو، والقانون، والفلسفة، والطب، والتاريخ، والتربية، وعلم النفس إلخ.. أي جامعة تخرج طلابها بكل هالعلوم مجتمعة؟ أضف إلى ذلك الدين يعلم مكارم الأخلاق والصبر. هو رأي وددت الإدلاء به..
سؤالي هنا أخي الكريم عن مشايخ العصر الحاضر, والذين لا نعرف ما هي شهاداتهم, ولا على أيدي من تتلمذوا... نتفاجئ بهم فقط على شاشات الفضائيات وعلى منابر الجمعة يقصون السيّر والحكايات, ويفتون بأباطل الفتاوي... هؤلاء... من هم؟؟ ومن أجاز لهم تزعم الإسلام والمسلمين؟؟... وهناك نقطة أساسية علينا الاعتراف بها, فالعالم هو من يجتهد ويبحث ويجدد, وليس من يحفظ ويردد ويقلد...
السيد ابو الحارث المحترم. شكرا على سماحك لي بالرد على r(أن العلماء يأخذون شهاداتهم من معاهد ملحقة بجامعات إذا فهم غير علماء). أخي يبدو انك تتجاهل انه لا المعهد ولا الجامعة ولا أحسن جامعة في العالم تصنع عالما ، العالم يصنع نفسه! والمؤسسات العلمية تدل الناس على العلم ولا تحقن العلم في أدمغة الناس. العلم يأتي بالتحصيل والسهر وليس من حيطان المعهد أو الجامعة. الحافظ الذهبي (من مواليد ضواحي دمشق) تتلمذ على أكثر من 3000 عالم. كيف؟ أرتحل اليهم. نعم، الله يؤتي العلم ويعلمني ويعلمك! آه أخي لو كنت لا تدري!
1-أرجوك لا تربط الجهل والتخلف بالعلم, فكلمة عالم لا تطلق على الحكواتي والقصّاص..2-من أين يحصل هؤلاء المشايخ على شهادات تسمح لهم بالإفتاء ومعالجة الأخطاء؟؟؟ هل هي من الله؟؟ أم من مجرد معاهد وكليات تابعة لجامعات أثبتت فشلها في كافة مجالات العلوم..3-في حال تحققت أمنيتك, وسُمِح للمشايخ بالرسم والتخطيط, فستكون الصورة قاتمة جداً, وبدون ألوان, ومؤذية للعين والقلب والروح...
مهما قلت وطلعت ونزلت بيبقى المشايخ بانسبة لنا مصدر قلق ، ومصدر جمود وتخلف /، وهنن مفكرين حالهم بيدهم الجنة والنار . حاجتنا تخلف وتعصب وتحجر وطالبانية وخلي الدين لله والوطن للجميع
هل لا يلزمنا اتباع الشيخ العالم أو الطبيب المتقن؟ الحقيقة انه (يلزمنا) اتباع ما يقوله العالم في تخصصه إلا إذا ثبت خطأ ما يقوله ذلك العالم. وحين يقال اننا لا نأخذ من أحدهم كل ما يقوله لأنه ليس معصوما عن الخطأ ، أقول نعم ، ولكن لكي تدرك الخطأ في قول احدهم فيجب ان تمتلك علما بالقضية قيد البحث ، تسترشد به للتعرف على صحة ما يقوله ذلك العالم. فلا يقبل مثلا من المريض الجاهل ان ينتقد رأي طبيب إلا استنادا إلى رأي طبيب. علماؤنا كل في مجاله هم أئمتنا الذين يجب ان يرسموا خطط وخطى الإصلاح والتطوير.
نفس الشيخ العالم المفتي ، الذي عنده علم بالكتاب وعلم وفهم بالواقع وأحوال الناس ، يمكن أن يُعيِّنه الحاكم قاضيا في المسلمين. وإذا تولى القضاء امكن أن يحكم حتى بكفر كافر من الناس. ذلك ان القاضي يستخدم جهازه القضائي في استجلاب الخصوم والشهود ، والتقصي عن الحقائق عبر أجهزة مؤسسته القضائية. أهل الكتاب لا يُعرضون على محاكم اسلامية ، إلا إذا طلب أهل الكتاب الإحتكام إليها ، ولكن يعرضون على محاكم تقضي بشرائعهم الخاصة. الشيخ العالم يمكن ان يفتي ولكن لا يقضي إلا إذا تولى جهاز قضاء.
تلك مقولة كلها حكمة قالها أحد مجددي الإسلام في عصرنا ، وعنى بها أن من مهمة المسلم ان يكون داعيا وهاديا إلى الله ، لا ان ينصب نفسه حكما على مصائر أعيان البشر ، أهم إلى النار أم إلى الجنة ، أهم كفار ، ام أخيار. لكن العالِم المتمكن يستطيع ان يحكم على ضلال او انحراف مذهب ما. فمثلا ، الماركسية تنص على ان لا إله (خالق) والكون مادة (موجودة من الأزل من دون خالق) ، كثير من الماركسيين يقولون بأنهم ملحدون ، حتى المسلم غير المتعلم يوافقهم على انهم كذلك.
طبعا عندما يفتي الشيخ العالم ، فيقول هذا واجب وهذا مكروه وهذا حلال وهذا حرام فإن واجب المسلم ان يسأل العالم عن الدليل ، ولا يقبل الدليل إلا ان يكون من كتاب او سنة او من ما ثبت عن الصحابة فعله او تركه. الشيخ العالم حينما يعلم الناس او يفتي بهم ، يجب ان يعتمد على دليل قد ثبتت صحته عند أئمة المسلمين.
أخي ابراهيم المحترم ، سلم الله يديك ، هذا مقال مفيد جدا ويساهم في تصحيح مفهوم مهم ، وهو ان الشيخ ليس مندوبا عن الله. وأقول ان من مقاصد نزول الإسلام هو أنه يزيل الواسطة التي قد يضعها الناس (تخيلا او احتكاما) بين العبد وبين الرب ، في شيخ أو في قسيس. العبد يتجه في ثانية واحدة إلى ربه فيدعوه ويستغفره ويستنصره ويشكو اليه حاله ويستمد منه قوته ، فالمسلم يتوجه بقلبه وبدعائه إلى الله ولا يحتاج إلى واسطة او شفيع. (واذا سألك عبادي عني فإني قريب ..)
مساهمة قيمة، قرأتها بلا ملل.. جذبتني بسلاسة.. نشكر الكاتب الكريم على توضيحه وشرحه.. وأأيد رأي الكاتب.
شكراً أخي ابراهيم على المقالة الهادفة... إن ما يدعو هؤلاء إلى النفور من الدين أسلوب العظة من بعض الدعاة فمنهم من يجزمون بالحرمانية دون نقاش ولا يملكون أدنى أسلوب للتفاهم وشرح المشكلة وقال الله عز وجل (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) تقبل تحيتي
بعد الاحترام لك ولما تكتب... ولكن اقتصار عمل المشايخ على الدعوة ليس بسبب رغبة بعضهم بذلك بل بسبب القيود المحددة لهم من قبل المجتمع, ولو اتسعت أو زالت هذه القيود لأعطى البعض لنفسه مكانة الرسل والآلهة... وتشبيهك للمشيخة بالطب فيه ظلم كبير -للطب طبعاً- كون الطب علم أساسه البحث والتحديث, فكل يوم هناك جديد تبعاً لتطور الفيروسات والجراثيم, على عكس منهج المشايخ المعتمد في أساسه على الحفظ والترديد, والتمسك بالحلول القديمة والبالية, والتي لا تتناسب مع نوعية الأمراض الاجتماعية الطارئة...
شكرا لك على طرح موضوع هام ودائما أكرر في كل تعليقاتي قبل التحدث في أمور الدين ينبغي قراءة الأحكام الشرعية والتفسير والسيرة بمنطقية وعقلانية ومن كتب علمية موثقة والله يؤلمني ويحزنني كثيرا أن يقوم البعض بالهجوم على الدين أو التحدث عن الأحاكم الشرعية ولا يعرف أي شيء عن الإسلام الحق وإنما يبني كلامه على معلومات من هنا وهناك وغالبا ليست علمية ولا منطقية شكرا لك ولموقع سيريانيوز
إن ما تفضل به الأستاذ إبراهيم هو عين الصواب ولعل أكثر ما يفاجئني أن يظن الناس أن للشيخ أو الداعية إكراه الناس على آرائهم التي اتخذها- سواء كانت نابعة عن الدين أو الخبرة - ثم يحاكمهم على هذا الأساس ((قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين))
وإن كنت اخي ترى من يخطب او يحاضر بما يهمك فاستمع إليه ، والتقط الجديد فيما يقوله. فإن كان يحاضر في أمور شرعية فأعرض ما يقوله على كتاب الله والسنة وما فهمه الصحابة. فإن لم يتبين لك حل المسألة ، فأسأل عالما أو أكثر حتى يطمئن قلبك فتأخذ بما قاله الرجل او تترك ما قاله. وكما تعلم ، فإن الحق لا يعرف بمعرفة الرجال ولكن الرجال يعرفون بمعرفة الحق. أي لا يهم من قال القول ولكن المهم هو موافقة ما قاله للحق. إعرف الحق أخي تعرف أهله إن كنت سالكا درب الحق. يجب علينا ان نكف عن التقليد بغير علم.