* مدير جديد :
تسارعت الخطوات على الأدراج داخل المديرية و كأنه أسبوع النظافة , فقد قام كل موظف بتهيئة نظافته الشخصية وهندامه ونظافة مكتبه , وأصبح جاهزاً لإظهار نورانية وجهه أمام المدير الجديد الذي يُتوقع حضوره في أي لحظة , ليكون أول أيام دوامه بعد إقصاء سلفه عن منصبه بقضية فساد ما يزال صداها مدوياً في كل مديريات الوزارة .
حضر المدير الجديد , فحصل هرج ومرج داخل المديرية , ودخل المدير مع كوكبة من الموظفين الذين لازموه من الباب الخارجي حتى غرفة مكتبه , ثم تسّمر الجميع لسماع أولى كلمات مديرهم الذي لا يعرفون عنه إلا النذر اليسير .
دخل عليهم وبشكل مباغت الأستاذ مناف موظف الديوان ويحمل في يده ورقة , قد تكون كلمة سهر الليل على كتابتها , أو قصيدة جلس الليالي الطوال في إعدادها , تحمل بين صفحاتها الكثير من ( تمسيح الجوخ ) فقد ألفه زملاؤه منافقا ومتملّقاً من الدرجة الأولى .
تكلم المدير وأسهب في شرح إستراتيجيته في تصريف شؤون المديرية , دون أن ينسى طعنه فيمن سلف من المديرين مع إظهار حكمة القيادة في انتقائه هو بالذات ليضرب على أيدي المسيئين والمقصرين .
جاء دور الأستاذ مناف ليتكلم باسم الموظفين كالعادة دون أن يعطيه أحد الإذن في ذلك , مثنياً على المدير مدّعياً معرفته المسبقة به , ثم لينطلق دون سابق إنذار كصفارة الطوارئ عند اندلاع الحروب بقصيدة عصماء تدمي القلب .
اختلس الموظفون النظرات فيما بينهم وعلت وجوههم ابتسامة ماكرة , فقد كانت هذه القصيدة هي نفسها التي ألقاها الأستاذ مناف أمام الوزير عند زيارته للمديرية العام الماضي , والتي اختلفوا معه حول ناظمها , فقد عجزت ألسنتهم في إقناعه أن هذه القصيدة قصيدة شهيرة لأحد الشعراء المعروفين بينما يدّعي وبعناد غير مسبوق أنه هو ناظمها .
كان الأستاذ مناف وكعادته يلثغ ببعض الحروف فيظهر ( تشحيط ) في صوته عند بعض الكلمات , فظهرت ضحكات زملائه الموظفين هامسة من حول المدير .
انتبه المدير للضحكات الخفية , فبدت على وجهه ابتسامة بسيطة لطرافة المشهد , ثم بدأت هذه الابتسامة بالاتساع شيئاً فشيئاً حتى انفلت جزء كبير من الضحك للعلن .
ظهرت علامات الغيظ والحنق والتعرّق على وجه الأستاذ مناف من ضحكات الحاضرين ولم يستطع إخفاءها حتى أكمل قصيدته بشق الأنفس .
شكره المدير وهو يبتسم شكراً جزيلاً على هذه القصيدة التي على ما يبدو قد سمعها من قبل , ولكنه وجّه كلمة أدت إلى اندهاش الجميع , وهو سؤال الأستاذ مناف على المشكلة المرضية التي تؤدي إلى اضطراب في اللفظ لديه فرد جوابا ً صعق المدير إذ قال :إن الله ابتلاني بهذا المرض لأنني أمتدح الناس بما ليس فيهم .
****************************
حلوة هي عجبتني و الله يا دكتور الاعتراف بالخطأ فضيلة و يا ريت كل إنسان بهل زمن يعترف بخطأو و ما يضل يعلق أخطاؤو على الناس و شكراً الك كلام يلامس الواقع .