syria.jpg
مساهمات القراء
قصص قصيرة
نكات محزنة ... الجزء _3_... بقلم : الدكتور أحمد أحمد رمان

* غرور:


استيقظت مع خيوط الشمس الأولى و أسرعت لكي تقوم بواجباتها اليومية , وقامت بضبط مكياجها وتسريحة شعرها  كما يقتضيه الحال , وصفقت الباب وراءها مسرعة لكي تحضر مستلزمات الفطور قبل الذهاب للعمل

دخلت الحانوت المجاور لبيتها وسلمت على صاحبه أبو عماد الذي سارع لتلبية طلبها حيث أنه يعرف قسما كبيرا منه بحكم العادة .

فوجئت برجل يجلس في الحانوت بدا لها أنه يرمقها بنظرات غريبة ,وما أذهلها ملاحظة إصراره على هذه النظرات .

 رأت في البداية أن في  نظراته  شيء من الوقاحة , ولكنه مع إصراره على ذلك قد أرضى شيئا  من غرورها فقد وقع في نفسها أنه لولا أن رأى فيها شيئاً مميزاً لافتاً للنظر لما داوم على ذلك  . 

 

غربت عيناها نحو البعيد فهي تعرف نفسها جيدا, إذ أنها الموظفة المدللة لدى مديرها , وهي تعرف بالضبط  سر هذا الإعجاب والدلال الذي يغدقه عليها المدير , فهي تتمتع بخفة ظلّ وسحر مميز , وهي أصلاً لم تفكر بالزواج  إلا من رجل يدخل قلبها دون استئذان , لا أن تتزوج من أول رجل يطرق بابها كما هي العادة عند الناس , وهي تُرجِع سبب عدم طرق أحدٍ بابها بعد أن الشباب في هذه الأيام لديهم قصر في النظر , وذوي أذواق غير سليمة في اختيار شريكة حياتهم .

كثيرا ما كانت تسمع من صاحباتها في العمل أن علاقتها مع المدير بهذا الشكل أمر خطير ولعب بالنار , فالمدير له غايات دنيئة قد يصل إليها في لحظة ضعف منها , وبعد ذلك يقع الفأس في الرأس وستصبح لدى هذا المدير كشيء انتهت مدة صلاحيته و صار مهيئاً للرّمي في سلة المهملات .

 

رغم كل نصائح صديقاتها في العمل كان يوصلها فكرها إلى نتيجة مفادها أن تلك الصواحب كانت تملأ قلوبهن الغيرة منها لذلك لم تكن تقيم لكلامهنّ أي وزن .

خرجت من حلم اليقظة ذاك لتجد الرجل في الحانوت ما يزال يحدق فيها بتلك الطريقة الوقحة و ذلك التركيز الثاقب وذلك النظر الحديدي الذي لا يتزحزح .

بدأت تتململ من تلك النظرات الخالية من أي معنى فلا هي تحمل شيئاً من الإعجاب على ما يبدو , ولا تحمل أيضاً شيئا من الاشتهاء , ولا تترافق مع أي تعابير ترتسم على وجهه , فأشاحت بوجهها عنه وحاولت تجاهله بشتى الوسائل فنظرت من باب الحانوت إلى الطريق , لتلتقي عيناها بعيني ابن جيرانها سعيد وهو مدرس لمادة اللغة العربية في الثانوية .

 

لم تشح بنظرها عنه لأنها تعلم علم اليقين أنه سيطرق ببصره نحو الأرض بشكل تلقائي عندما يراها , هي تشعر بإعجابه بها , وهو يختلس النظر إليها اختلاساً عندما يراها كسارق يسرق منها هذه النظرات , لم تكن تميل إليه لأنه ليس من النوع الذي ترغب به فهو ضيق ذات اليد ولن يحقق شيئاً من أحلامها العريضة التي تسد الأفق , وأكثر ما يغيظها فيه حياؤه الزائد عن حدّه فهي تكره فيه ذلك البصر الذي لا يركزه عليها لكي يتمعن فيها لكي يكتشف ذلك المكنون الثمين الذي تحمله جسداً وروحاً .

أشاحت بوجهها عنه قبل أن يفعل هو ذلك لتستأنس بنظرات ذلك الرجل الذي في الحانوت الذي اكتشف في لحظات ما لم يكتشفه سعيد على مدى سنوات .

جاء صوت من خارج الحانوت يدعو الرجل صاحب النظر الثاقب للخروج , كانت المفاجأة كبيرة عليها إذ تناول الرجل من خلفه عصا خشبيه ليهتدي بها على طريقه فقد كان رجلاً ضريراً .

2011-04-21
التعليقات
فتاة حلبية
2012-05-26 15:58:42
مهتم
حلو كتير الله يلمك ايديك ويسلمووووووووووو

سوريا
بسمة
2011-04-23 23:24:06
..
أضحكتني بصدق .. تدفعنا أحلامنا العريضة يوما إلى تجاوز ما نعتبره غير كفيل بتحقيقها .. دون أن ندرك أن السعادة تكمن في أشياء بسيطة ربما .. أنا لست ضد أن نتمنى الأفضل .. ولكن لنكن واقعيين .. لنبحث عما تعنيه السعادة وراحة البال بالنسبة لنا .. ولنبتعد عن غرور سيعمي من بصيرتنا .. شكرا لطرحك .. وتقبل مروري الأول بين كلماتك ..

سوريا
محمد الشوا
2011-04-23 17:15:18
معجب
قصة روعة وتحمل في طياتها العبر .. وأجمل ما تحمله أن الحب أعمى فهي كانت العمياء وليس صاحب الحانوت.. تقبل تحياتي د. أحمد وأهنئك على نجاح القصة

سوريا
نور
2011-04-21 12:38:31
جميل
عزيزي الدكتور أحمد أنا معجبة جداً بما تطرحه من مواضيع بشكل مختصر لكنه فعال في توصيل الرسالة ، فالغرور قد يدفعنا لأن نرى و نشعر بأشياء لا وجود لها لأنها ببساطة أشياء موجودة في عقلنا وحدنا و المشكلة الأكبر أن توجه تلك الأفكار و المشاعر سلوكنا الخارجي و عندها تكون الطامة الكبرى في الفشل في التواصل الفعال مع الآخرين .

سوريا
سامح
2011-04-21 08:55:07
حلوة
شكرا الك على هالمقالة

سوريا
أحزان سوريا
2011-04-21 07:41:40
ولي على حظي
الحب أعمى يا ابني

سوريا
الحمامة البيضاء
2011-04-21 06:25:49
صباح الورد
قصة رائعة وكثير مناسبة للمغرورين

سوريا