اعتدت كل عام أن أترقب من نافذتي موعد استيقاظ الياسمين على الجدار المقابل..ولم يخيّب الياسمين رجائي يوماً ولم يفاجئني مرة بقدومه..لأنني كنت دوماً بانتظاره.
ورغم الحساسية التي لطالما حملها إلي فصل الربيع مع حبات الطلع المتناثرة في الأثير..إلا أنني كنت أنتظر بفارغ الصبر موعد إياب السنونو لأشهد مهرجاناته اليومية ساعة الغروب.
لا أدري كيف تسلل الربيع خلسة هذا العام دون أن يعلن قدومه؟؟!!!..فلا حبيبات الطلع أزعجتني..
ولا صوت السنونو تناهى إلى مسمعي..ولا ضلّت فراشة سبيلها فاقتحمت غرفتي لأبعدها إلى الخارج برفق.
منذ شهر تماماً أصبحت نافذتنا الوحيدة هي شاشة التلفاز..تلك التي تسمّرنا قبالتها لتؤلمنا بصور الشهداء والجثث المدماة والعيون الباكية..ولتزعجنا بالأصوات التائهة ما بين نحيب ونعيب حتى أصبحت حياتنا قلقاً وأحلامنا كوابيس..إلى أن كان صباح ذلك اليوم عندما طالعتني البراعم الخضراء الغافية على الجدار بلون أصفر بديع أطل من بين وريقاتها..كانت تلك أزهار الياسمين المتفتحة للتو..وأحسست كما لو أن يداً هزتني بقوة لتعلمني بأنني في حضرة نيسان.
كيف حدث هذا؟؟..كيف غفلت عن موعدي مع الياسمين وأنا التي ما أخلفت له عهداً!!!..إنها الأحداث التي ألمت بوطننا فأنستنا أنفسنا واستأثرت بعقولنا وقلوبنا وطاقاتنا ليصبح همنا الوحيد هو الخروج من الأزمة..وسيتحقق لنا ذلك إن شاء الله بالعزيمة والصبر والإيمان.
حتى الآن لازالت الأوضاع في وطني غير مستقرة..ولازالت آلة القتل تدور..وفي غمرة الأحداث يبقى الزمن هو الأقوى حيث يمضي في طريقه بدقة متناهية متجاهلاً كل أعمال العنف ومسقطاً من حساباته كل الخونة والمجرمين..وليس ثمة ما يمنع الربيع من القدوم في موعده..ها هو قد أتى متحدياً كل القتلة ليتوج الشام بياسمينها كما في كل عام غير عابئ بالنار والرصاص.
ها قد فعلتها أخيراً أيها الياسمين..فاستعطت لمرة أن تفاجئني بقدومك..و ربما فاجأت القتلة أيضاً فكنت أكثر بهاءً وجمالاً من أي وقت مضى..بل زادتك سحراً و نقاءً تلك الدماء الطاهرة التي ارتويت منها حديثاً.
نعم..قد تداهمنا الخطوب والمحن..لكن محال أن يخلف موعده الياسمين.
والله ما عاد عيوننا شافت لا ياسمين ولا أزهار ولا ربيع ولا فرح ولا شي/الله يفرج أحسن شي